السلطة وما آلت إليه الأوضاع في سوريا
أحمد خوجة
إذا عُدنا قليلاً إلى عقودٍ من الزمن في التاريخ السوري الحديث، وبعد صعود النظام البعثي إلى دَفةِ الحُكم في” 1970″عبر انقلاب عسكري، وتمسكه بزمام الأمور في كل شاردةٍ وواردةٍ باسم الدولة، وتَدَخٌلهِ في أدق تفاصيل الفرد، والمجتمع بأكمله عبر نظام أمني بيدٍ من حديدْ، وجَعَلَ كل مقوِّمات الحياة في بوتقة السلطة الحاكمة، ضارباً جميع الحقوق والحريات الأساسية للشعب عرض الحائط، وعدم عودته إلى مكونات المجتمع السوري، وإظهار نفسه حامي الأمة العربية ومقوماتها القومية، ومعتقداتها الدينية، ومساندة ظهرها بقوة أمنية دون أن يترك المجال لأي معارضٍ بالبوح بكلمة واحدة، واستفاد من وضعه في التوازنات الدولية الذي سمح له أن يكون على سلطة تعتمدها الدول الأخرى في المنطقة، وخلق تحالفات استراتيجية على أسسٍ طائفيةٍ في المنطقة مع كل من إيران وحزب الله وغيرها من هذه المِلَلْ، واتفاقيات أمنية مع الدول المحتلة لكردستان مثل اتفاقية أَضَنة في عام 1998.
عَقِبَ إفلاس الأنظمة القومية؛ وتفاقم الأزمة في الشرق الأوسط إلى حدٍّ لم تعد شعوب المنطقة تتحمل سياسات الدولة القومية، والسلطة، ومطالبتهم بتغيير هذه الحالة الأخيرة، فقد شاهدنا أن الفأس قد وقع في الرأس، والنظام السوري لم يكن مستثنياً من هذا الوضع، هذا الأخير قد قال كلمته في أوائل عام 2011، ولكن الحظ لم يُحَالِفْهُ بسبب عدم وجود القاعدة الجماهيرية، وَتَرَك شعبهُ في مفترق الطرق وبين مخالب أجنداتٍ خارجيةٍ وتحت رحمةِ قُوَّة متطرفة وساقَهُمْ إلى طريقٍ مسدود، والوقوع في أحضان قِوَىً خارجية وإقليمية مثل تركيا والسعودية وقطر، وتسييْرِهِمْ حسب أجنداتهم حتى أن جاوزوهُ بذهنيتهم العنصرية، والشوفينية، والدينية المتطرفة، وهذا ما أُثْبِتَ بالدليل القاطع في ممارساتهم العملية، وعلى صعيد الشعب السوري عامة، وموقفهم المعادي للخط الديمقراطي الذي أنتهجه الشعب الكردي في روج آفا، ولكن الوضع كان مختلف في روج آفا، فمنذ الانطلاقة الأُولى لمسار الثورة السورية فقد كانت روج آفا صاحبة تجربة فكر وتنظيم معاصر، ونظرت إلى التغيرات بشكل منطقي وواقعي، فحاولت منذ البداية عدم التدخل في هذه ألاعيب التي تُحاك، وحافظت على مسار الخط الثالث الذي مبدأه هو الاعتماد على الذات دون الانجرار لأجندات خارجية، ونجحت في ذلك بخلق قوةَ دفاعٍ لها، وتشكيل إدارة ذاتية، ووسعتها يوم بعد يوم بالرغم من المحاولات الخبيثة والهجمات الوحشية التي تعرضت لها في مناطقها؛ ولا تزال، واستطاعت هزيمة أعتى قوة إرهابية في العالم المتمثلة بداعش في قلعة المقاومة كوباني في #26-01-2015# حتى غدا هذا التاريخ منعطفاً في تاريخ الإنسانية برمتها، وبعد ذلك حققت الكثير بفضل القوة العسكرية (YPG و YPJ) وصولاً إلى الإعلان عن قوة أكبر باسمِ قوات سوريا الديمقراطية قسد لتضم في صفوفها كافة أبناء مكونات الشعوب في سوريا بشبابهم وبناتهم، وتحرير مناطق شاسعة، ودك عاصمة الإرهاب المزعومة “الرقة” وانهيار قوتهم فيها، وملاحقته في دير الزور، وأماكن أخرى حتى القضاء عليه. إن المكتسبات التي حققتها هذه القوى مهدت لتأسيس نظام على أساس جغرافي للمناطق التي تحقق فيها الاستقرار، وذلك باسم النظام الفيدرالي لشمال سوريا عبر إدارات ذاتية؛ لتصبح نموذجاً للحل الديمقراطي في كل سوريا، وأن العودة إلى سابقاتها مما كان النظام البعثي يتبعه بقبضته الأمنية بات من غير المقبول، وبدون اللجوء إلى حلٍّ ديمقراطيٍّ لن تتحقق آمال الشعب السوري لا عن طريق الأسلوب الذي أتبعه النظام مثل السابق، ولا عن طريق القوى الخارجية، وإنما ستكون الحل الناجح داخلياً، وبالتوافق بين جميع الطوائف، والمكونات الموجودة، ولعودة المياه إلى مجاريها؛ لا بد من ذلك، وغيرها ستكون عواقبها وخيمة، وسيكلف الثمن أكثر على كاهل الشعب السوري، وأن العنجهية قد ولَّى زمنها، ومن المستحيل بدون العودة إلى وضع نظام ديمقراطي أن تتحقق سبل العيش المشترك بين كافة المكونات، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والاقتصادية والسياسية والاستقرار. [1]