الكرد ..العقل والعاطفة
مصطفى عبدو
من الطبيعي أن يوجَدَ لدى جميع الأجناس البشرية قلب وعقل, وهما طبيعتان من طبائع الإنسان, فأحياناً تجِدُنا نتحدث عن شخصٍ ما, بأنه عقلاني وواقعي, وعن آخر, بأنه عاطفي وسطحي. ويمكننا إيجاد الفرق بين الحالتين عند اتخاذ الشخص القرار. فلكل شخصٍ قراره, فإذا اتخذ هذا الشخص قراراً في موضوعٍ ما بتسارعٍ واندفاع نقول: إن قراره كان عاطفياً غير حكيم, وبعيدٌ عن العقلانية والمنطق؛ أما إذا تناول الشخص الموضوع بروية وحذر نقول: إن قراره كان عقلانياً. فالقرار العقلاني, هو القرار الذي يصدر عن الشخص وحده, دون أي مؤثرات خارجية, بعيداً عن العواطف التي كثيراً ما تُفسد القرارات.
بالمحصلة؛ الشعوب والأمم الراقية هي التي تملك القرار الصائب والعقلاني, مع العلم بأنه أحياناً؛ ربما لا يمكن تحقيق غاياتنا ومصالحنا عن طريق القرار العقلاني, وربما أيضاً يمكن تحقيق هدفنا بالقرار العاطفي أحياناً. وبالعودة إلى المجتمع الكردي المعروف عنه بأنه من أكثر الشعوب عاطفيةً, يمكننا تناول وضع المجتمع الكردي من عدة جوانب، أهمها أن تركيبة المجتمع الكردي وتقسيمه بين عدة دول, عكست ثقافات متنوعة, وحتى طريقة تفكير متنوعة, وهذا ما شلَّ تأثيرَ الحركاتِ الكرديةِ المتطلعةِ إلى حفاظ الكُردِ على وجودِهم وتوطيدِ حريتهم، وذلك بربط كل آمالهم بيد القوى المهيمنةِ الخارجية، بدلاً من الاعتمادِ على قِواهم الذاتية، وهكذا جُرِّد الكردُ من الثقةِ بذاتهم بناءً على ذلك, وتُرِكوا مضطرين لتبعية القوى الخارجيةِ على الدوام، ورُبِطَ مصيرهم بها, وبالتالي ليتحولوا تأسيساً على ذلك إلى خدمٍ أوفياء لأسيادِهم. أما الحركاتُ الثورية والديمقراطية والوطنية والقومية الحقيقية التي تسعى إلى إفسادِ تلك اللعبة، فُرضت عليها التجريد والعزلة بكلِّ يُسر، وكالت لها اتهامات عديدة مفادها أنها تزج الكرد في (المخاطر ).
تالياً؛ وبعد ظهور فكرة الأمة الديمقراطية وتبلورها, بدأ المجتمع الكردي عامة, وفي روج آفا خاصة, بالتحول تدريجياً من مجتمعٍ عاطفيٍّ بسيطٍ إلى مجتمعٍ عقلانيٍّ وواقعيّ؛ حيث رافق ظهور هذه الفكرة بناء المؤسسات تدريجياً, إلى جانب السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية, وهذا التحول بلا شك؛ أثر في طريقة التفكير لدى المجتمع ككل, بما يحتويه من مكونات, وتولدَ لدى جميع أفراد المجتمع الطموح للارتقاء بمجتمعهم وتجاوز (الماضوية) التي كانت مهيمنة على التفكير، وهذا ما أدى بدوره, إلى تعدد الأفكار والآراء, وتنوع الانتماءات, ووفر المناخ والأفكار, وساهم في إثراء النقاشات, والجدل السياسي والفكري. هذه التحولات لم تنحصر تأثيرها في السطح فقط, كما قد يعلق البعض, بل مسَّت قطاعات واسعة في المجتمع، وللأسف؛ بقيت قطاعات أخرى من المجتمع على هامشها, ففي وقت نرى أن قسماً من المجتمع, يعتمد على العقلانية في التفكير, نرى آخرين لا يزالون يحتفظون ببقايا التفكير العاطفي, ويرفضون تجاوز قوقعتهم العاطفية (الموروثة), ويرفضون الاندماج في إطار هوية عقلانية جامعة, رغم كل التغيرات والتحولات الحاصلة ولله في خلق الكرد شؤون. [1]