سوريا؛ جولة ما قبل النهاية
دلبرين فارس
مقبلون على عامٍ جديد للأزمة في سوريا؛ والحرب لم تضع أوزارها بعّد، وحالة الصراع لاتزال تسير بنفس الوتيرة؛ ولو بنسبٍ متفاوتة. اللاعبون هم أنفسهم، والمُخرَجاتْ على الصعيد الاقليمي والدولي هي نفسها؛ وهم على ثوابتهم الدوغمائية العدائية مستمرون، وطرف الحل يخطوا بخطى محفوفة بالدماء نحو تسوية الصراع بوسائله السياسية والسلمية وبإمكاناته البسيطة المتواضعة أمام التغطرس للأنظمة الاقليمية التي وضعت كل ثقلها السياسي والعسكري، وجُلَّ خبثها ودناءتها في قطع الطريق أمام مسار الحل، ربما المتغير الوحيد الذي طرأ على الوضع السوري هو ميزان الميدان العسكري، فمن جهة خَسِرَ تنظيم “داعش” كيانه الإرهابي في سوريا، وبات فلوله ينحصرون في مساحات صغيرة جداً على الأرض السورية، بينما فرّ قسمٌ آخر إلى تركيا حيث يُعاد انتاجه وتهيئته من جديد ضمن فصيلٍ إرهابي جديد ينخرط ضمن صفوف ما يسمى “درع الفرات” والذي يَعتَمِدُ عليه النظام التركي كآخر ورقة له في سوريا بعد الانهيار والهزائم التي تعرضت لها المجموعات المرتزقة المرتبطة بها، وانحسرت وجودها في منطقتي جرابلس وإدلب المحتلة من قبل تركيا، وذلك من خلال التسوية التي حصلت بينها وبين النظام الإيراني والسوري، وبضوء أخضر روسي، ضمن محادثات استانا. من جهةٍ أخرى بات النظام السوري وبدعم من حلفائه يسيطرون على مساحات كبيرة كانت تحت سيطرة جبهة النصرة وداعش، وهذا الأمر منح النظام السوري القوة في العملية التفاوضية مع ما يسمى “الائتلاف السوري” والذي بانت عليه الهزيمة، وأصبح الانحطاط والخلل يدب في كيانه المرتزق، خاصة بعد أن فرضت بعض الأطراف الداعمة شروطاً عليها للخضوع والطاعة؛ تتعلق ببعض أجنداتها الدولية والاقليمية، وهنا أود أن أشير إلى مؤتمر الرياض الأخير واجتماع استانا السابع، وما تبعته من انشقاقات ضمن صفوف الكيان المرتزق، ناهيك عن التُهَم الموجَّه ضد بعض المتنفذين في هذا الكيان بالفساد وسلب الأموال التي كانت تُقدَّم من قبل المملكة السعودية للموجودين في كنف النظام التركي.
لا شك بأن زيارة رئيس النظام السوري إلى روسيا مؤخراً؛ إضافة إلى الاجتماع الذي عُقد بين الثلاثي “الضامن” لمباحثات استانا وتسويات وقف التصعيد، وقبل ذلك اللقاء الذي حدث في فيتنام بين “ترامب وبوتين”. جملة مؤشرات توحي بأن جملة من التسويات سوف تُطرح قُبيل” 2018″ وبعد القضاء التام ميدانياً على داعش والتي أعلنت عن نهاية وجودها عسكرياً في سوريا القيادة العسكرية الروسية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل بالفعل تم القضاء على داعش عسكرياً في سوريا؟، ونحن نعلم بأن المئات من “دواعش” حلب وإدلب وجرابلس وحماة وتدمر والرقة قد انضموا إلى جيش المرتزقة الذي يعمل تحت ستار النظام التركي منذ بدء انحسار داعش في العراق وسوريا، بالطبع الجواب ما بعد 2017.
لكن الأمر اللافت في الآونة الأخيرة هو الدور الذي يلعبه الرئيس الروسي “بوتين” خاصة بعد إعلان القيادة العسكرية الروسية مؤخراً عن تنسيقها مع قوات سوريا الديمقراطية، وبأن روسيا تعمل على وضع صيغة للحل السياسي وستفرضها على جميع الأطراف شاء من شاء وأبى من أبى، (بالطبع هذا الأمر يأتي ضمن التوافق الدولي بين الإدارتين الأمريكية القائدة للتحالف الدولي ضد الإرهاب والإدارة الروسية)، وهنا اعتقد بأن واشنطن ليس لديها المانع في أن يقود بوتين هذه العملية كونه مقبل على انتخابات رئاسية تمنحه الفرصة للفوز مجدداً بالرئاسة “لثاني أكبر دولة” في العالم، ضف على ذلك وكَ رّدِّ الجميل بالجميل من الطرفين، ناهيك عن المصالح الدولية بين الطرفين.
لذا فأن بوتين يسارع بخطاه للدفع بعملية سياسية بدأت ملامحها تتجلى للعلن شيئاً فشيء، ولعل أولى هذه الملامح هي تفكيك جبهة النصرة ومكوناتها الإرهابية في مناطق إدلب وحماة ودمشق ومناطق أخرى تخضع لسيطرة الجماعات الإرهابية استناداً إلى عملية احتواء الصراع “خفض التصعيد”.
وما دعا إليه بوتين في حديثه خلال مجمل اجتماعاته مع الأطراف الاقليمية والدولية والمتعلقة بالأزمة السورية من خلال تشديده على إن العملية السياسية تتطلب تسويات وتنازلات من جميع المشاركين بما في ذلك النظام السوري، وأن معايير البنية المستقبلية للدولة السورية ينبغي أن ترتكز إلى دستور جديد، ولجم الدور التركي في إدلب، وحصر مجموعات الحشد الإيراني في مناطق محددة داخل سوريا، وما يجري في جنيف 8 من مفاوضات غير مباشرة سيتممه الروس في سوتشي.
الحديث الروسي الذي انطلق من انتهاء الحرب على الإرهاب، وظهور #داعش# أو عودة المجموعات الداعشية الإدلبية (إن صح التعبير) في المنطقة الشمالية الشرقية من مدينة حماة، وتوجهها نحو إدلب يشير إلى أن الروس يحضرون لمعركة أخيرة في المناطق الشمالية الغربية من سوريا للتوجه فيما بعد إلى سوتشي.
السؤال الذي ينتظر الإجابة منذ انطلاقة الأزمة في سوريا هو، ما الذي يُحَضره الروس لِمَا بعد القضاء على الإرهاب أمام هذا التشابك المعقد سواءً على الصعيد الدولي والاقليمي والداخلي؟. بالطبع لا يفوتنا أن روسيا استخدمت سوريا منصة لعودتها إلى المسرح الدولي بوصفها قطب عالمي مهيمن، أمام المد الشاسع للقطب الأمريكي.[1]