سوتشي وإمكانية الحل
جوان مصطفى
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء في تلك الحرب الدموية التي حصدت أرواح الملايين من الفقراء، استطاع الحلفاء؛ وعبر سياسة لا أخلاقية من إسكات أصوات الكثير من الشعوب التي كانت تتأمل خيراً من نهاية هذه الحرب المدمرة؛ إلا أنها وعبر مشروعها القوموي عملت على بناء كيانات طائفية وقومية يتسلط عليها حكام جائرين، لا يمتون إلى أبناء جلدتهم بأية روابط أخلاقية، فكان مصير هذه الشعوب وعلى مدار عقود من الزمن؛ الظلم والاضطهاد، ولا تملك من العيش إلا اسماً مجرداً من الروح.
وفي منطقة الشرق الأوسط منبع الأديان السماوية، ومركز تلاقي الحضارات على مر التاريخ؛ وصلت البشرية إلى مرحلة لا تملك من الإنسانية أية روابط أخلاقية؛ فالجميع يتعرض لأبشع أشكال الظلم والاضطهاد الجسدي والثقافي والفكري، وعلى رأسها المرأة التي استُبعدت عن الحياة الإنسانية لتتحول إلى عَبْدة؛ وظيفتها الإنجاب وخِدْمَة المجتمع الذكوري. ضمن هذه الظروف اللاإنسانية حيث وصلت البشرية إلى حافة الهاوية؛ ارتفعت أصوات تنادي بالحرية والمساواة ونَبْذ الطائفية البَغيضة والقوموية الفاشلة التي تسلطت كسيف حاد على رِقَاب الشعوب حتى أصبحت هذه الشعوب أمام مسارين لا ثالث لهما وهي إما الاستسلام والخنوع لمصالح فئة آثرت التفرقة والقتل والدمار في سبيل بسط سيطرتها وإرادتها على شعب مغلوب على أمره لا يملك من مقومات الحياة شيء، ومسارٌ آخر اتخذ من إرادة الشعوب وإرثها الحضاري مرجعية لبناء مقاومة تاريخية تكون كفيلة بحماية البشرية جمعاء من الزوال والانهيار.
وخلال سبع سنوات من الأزمة السورية كان هناك صراع مرير ضمن المسار الأول من خلال حرب دمرت الحجر والبشر، ومزَّقت أواصر الحياة والنسيج الاجتماعي لتنبت العداء التاريخي؛ حيث عَمِلت هذه القوى وعلى مر التاريخ على استخدامه حين الحاجة؛ وبأساليب لا تليق بالعنصر البشري، بينما كان المسار الآخر يبني الإنسان من خلال ذهنية منفتحة على التطور وتَقبُّل الآخر، حتى أصبح هذا المسار ذاك الحلم الذي يتراءى أمام تلك الشعوب التواقة للحرية والعيش المشترك.
ولسد الطريق أمام المسار الثاني استنفر المسار الأول بجميع عناصره لاستبعاده عن أية حظوظ قد يمتلكها حتى يكون واقعاً مُعَاشاً، وبالتالي ما يحدث هذه الأيام وفي جميع المحافل الدولية من نُكران واستبعاد إرادة الشعوب في تحقيق الأهداف التي خرجت لأجلها، وضحت بكل ما تملك في سبيل نيل حريتها؛ هو إصرار تلك القوى على العودة إلى المربع الأول وممارسة الظلم والاقصاء بأبشع أشكاله.
وبعد فشل جميع المحاولات الرامية إلى حل الأزمة السورية وفق أجندات ومصالح تلك القوى التي لا تريد خيراً لهذه الشعوب، من خلال عقد مؤتمرات عدة ابتداءً من مؤتمر جنيف وتسلسل حلقاته والذي أصبح أشبه بمسلسل مكسيكي في حلقات مُمِلّة؛ والتي لا تمت إلى الواقع بشيء؛ وانتهاءً بمؤتمر ” آستانا” الذي قضى على كل ما يمكنه أن يكون طريقاً إلى الحل، ونحن على أبواب العام الجديد، ولمزيد من الانهيار في إرادة هذه الشعوب؛ هناك دعوة لعقد مؤتمر الحل السوري في مدينة “سوتشي الروسية” تَحضُرُها جميع الأطراف التي كانت السبب في إطالة أمد الأزمة السورية باستثناء الشعب السوري الذي كان يأمل بحياة حرة وكريمة كثمرة للتضحيات التي قدمها على مدار السنوات المنصرمة من عمر الثورة السورية، إلا أن ما حدث في المؤتمرات السابقة وما يبدو للعيان بما سيحدث في “سوتشي” هو استمرار لسياسة تقاسم السلطة وتوزيع ما تبقى من الكعكة السورية على القوى الإقليمية والدولية وبمباركة المسار الأول بِشِقَّيْهِ المُعارض والمُوالي، إلا في حال شاركت القوى الديمقراطية في الشمال السوري التي تملك المشروع المناسب للحل والتي تعمل تركيا جاهدة على منع حضورهم.
لذلك فهذه الشعوب مُلزمة على القيام بدورها التاريخي من خلال تنظيم نفسها وعلى جميع الصُّعُد، السياسية والثقافية، والفكرية، والدفاعية؛ لأنها تتعرض لأبشع أشكال العنف والاضطهاد في محاولة لإخراجه من مساره التاريخي، وإبقائه خارج أيَّة توازنات قد تُبْقِيهِ على قيد الحياة لقرن آخر من الزمن يعاني الإقصاء والتهميش الذي فَرَضَتْ عليه جميع القوى المتسلطة على رقابه، وبمزيد من الإصرار والعزيمة والالتفاف والالتحام بقواتها التي تحولت إلى قِبلة لجميع الأحرار في العالم حتى يَسوْدَ الأمن والسلام على هذه الارض التي ارتوت بدماء خِيرَةِ أبنائها. [1]