هل يجرب العراق دور دولة عدم الانحياز في المنطقة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4547 - #18-08-2014# - 15:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
العراق الان يعيش تحت وطاة تركة ثقيلة نتيجة ما مر به خلال العقود الاربعة الماضية منذ حكم النظام الدكتاتوري و بعد السقوط و ما خلفته سياسة المالكي الخاطئة كثيرا سواء كانت لاسباب موضوعية او ذاتية، فاختلط الامر على الجميع، الديموقراطية الخالصة المدعاة من قبل المثاليين الذي لا يحسبون للواقع و البني الفوقية و التحتية المطلوبة لها، و افرازات الاسلام السياسي، و عدم تقدير تطلعات المكونات المختلفة للشعب العراقي، مع التدخلات المجحفة من القوى الاقليمية و العالمية للشؤون العراقية الداخلية، و استغلاله لتحقيق مصالحهم الضيقة دون اي حساب لمستقبل الشعب و طموحاته، اضافة الى الطموح الشخصية و النرجسية و الالتزامات الحزبية العقيدية و الايديولوجية الضيقة جدا .
الديموقراطية تحتاج للبنية و الارضية و المتطلبات المختلفة من الوعي العام و الثقافة و المؤسسات الدولة، و السلوك المناسب و الخلفية التاريخية و التجارب و الخبرة و طبيعة المجتمع و نظرتهم و عقليتهم الجمعية وارادتهم ومدى انسجامهم و ما يؤمنون به فكريا و عقائديا او انسانيا . فهذه المستوجبات او العوامل التي يقف عليها نجاح الديموقراطيات لا نملك منها الا نسبة ضئيلة لا تكفي ان ندعي تحقيق الديموقراطية الحقيقية بمعناها الشامل في العراقما بعد الدكتاتورية و في الوقت الحاضر. و عليه، ان التوافقية التي نصر عليها و انها حقا نصف او شبه الديموقراطية لاننا يجب ان نتفهم باننا لم نبن ديموقراطيتنا على الاسس الواقعية وانما ننفذها بشكل ناقص بعيدا عن توفير المستلزمات الضرورية كشرط مسبق لها، والتوافقية التي التزمنا بها تعتبر مخرجا للضيق او منفذا لازاحة المعضلات و لمنع سبات العملية السياسية على حالتها الجامدة، تجعلنا ان نعتقد بان مسايرة الحال و التقدم خطوة خطوة من بناء هياكل و مساند الديموقراطية في هذه الفترة الانتقالية التي تتسرب اليها شواذ و تدخلات معيقة لها ايضا، قد تفضي بنا الى حالة استقرار نسبي نوعا ما في المرحلة القريبة المقبلة، ان اتقننا في التعامل مع الموجود و اتخذنا الطرق السليمة في التوجهات و السير نحو المراد الاستراتيجي في العملية السياسية العراقية بعد المعاناة قبل و بعد سقوط الدكتاتورية . و يمكن ان نتفائل بعد توفير العوامل الضرورية و ازدياد سعتها و الامكانيات المطلوبة و رقي نوعيتها الموازية لما تتطلبه الديموقراطية كنظام مدني راقي لتحقيق اهداف و امنيات الناس، و لكن هذا يحتاج الى وقت لازم، و يكفي في كل مرحلة ان نحد الاولويات و من ثم نستهل العملية السياسية باولاها، و هذا بداية التغيير المطلوب .
اليوم، و بعد خطوة صعبة جدا و التي فرضتها العوامل الموضوعية او الخارجية قبل الاقتناع العقل العراقي بذاته، يمكن ان نقول طُبق شيء من تداول السلطة بقوة دون مبادرة من ثقافة ذاتية و بالاكراه رغما عن المتشبث بالحكم لاخر لحظة . اما البديل هو، من الحزب و التربية الايديولوجية ذاتها، و انما من التربية الذاتية المختلفة و الظروف السياسية الاجتماعية الاقتصادية المغايرة، و بعد تجربة و ممارسة والتداخل مع الواقع السياسي لمدة اكثر من سلفه حين استلم السلطة و لم يتعض من التاريخ و الحكام الدكتاتوريين، فاول الطلب المفروض عليه هو التجرد من كل الالتزامات .
فالمطلوب ان يركز السيد العبادي جل اهتمامه على الاصلاح و التغيير الداخلي من النواحي كافة، و هذا يحتاج لعقلية يمكن ان نبشر بان نسبة معقولة منها موجودة في شخصه تفاؤلا بعائلته و تربيته و اهتماماته و تاريخه، رغم عدم خلو حياته من السلبيات .
اما كيف ينجح و ما العوائق الكبرى، يجب ان يضعها امامه و يدقق فيها و يخطط و يركز على تلافيها و ازاحتها قبل الخوض في العملية برمتها، اي الخطوط العريضة هي التي يمكن ان توصلها للنجاح المطلوب . من ناحية البنية الاجتماعية و المكونات و متطلباتهم و طموحاتهم و ظروفهم و ما مروا به خلال تاريخهم القديم والحديث و كيفية التعامل مع كل فئة وفق ما يحقق اهدافه و يرضيه مقتنعا، و من ثم الاهتمام براي و موقف الاخرالمغاير سواء كان اقلية او اكثرية، و الالمام التام بما يمكن من الوسيلة و طريقة استخدانها في الوقت المناسب من اجل منع الافرازات السلبية في سير العملية السياسية داخليا و الاهتمام بتطلعات القوى المختلفة من المكونات العراقية الموزائيكية و تحقيقها حسب ما يمكن تحقيقها .
اما التدخلات او ما تفرضه الظروف الاقليمة و العالمية، يجب ان تكون الخطوات السياسة التي يفترض ان تُتخذ ان تكون نابعة من المنظور الداخلي لعقليات و اماني و تاريخ كافة مكونات الشعب داخليا و مصالحهم و ليس لطرف على حساب الاخر من حيث التعامل مع الطرف الخارجي، اي عدم دخول في محور على حساب الاخر، و هنا تحتاج العملية لمناورات دقيقة صعبة و تكتيكات متعددة من اجل التقدم باستراتيجيات مرسومة، اي التعامل مع الخارج وفق ما تقتظيه ظروف الداخل و ليس العكس تماما، كما حصل طوال هذه المدة لحد اليوم، و هنا يمكن ان تواجه السياسة العراقية الغام اقليمية و دولية و لكن السند الداخلي القوي للسلطة و رضاهم و الموثوق بها داخليا سيمكنها من تجاوزها للمعضلات و العوائق بسلام و ان كان بصعوبة .
و كل هذه المتطلبات المفروض توفرها من السلطة التنفيذية تفرض على الشخص الاول التجرد من الالتزامات الصغيرة و التفرغ الكامل و الابتعاد عن الالتزام الحزبي الضيق اولا قبل التفكير باي طائفة او عرق، كاولوية ضرورية مطلوبة للنجاح المحتمل . فالسلطة الحاملة لاكبر الصلاحيات هي التي توفر النسبة الاكبر للنجاح، مع مساعدة الاخرين و مساندتهم لها اثناء مسار العملية، اي يتطلب الواقع الداخلي و العملية السياسية المبنية على التوافق رئيسا للوزراء مستقلا غير منحازا متمدنا معتبرا لما مضى و محتسبا للظروف المختلفة لكل مكون على حدة . و هذا يمكن ان نسميه سياسة عدم الانحياز داخليا .
اما على الصعيد الخارجي اقليميا و عالميا، و بعد التاييد الواسع و منعدم النظير للسيد العبادي و من قبل جميع المحاور و الجهات دون استثناء، يفرض هذا سياسة عدم الانحياز خارجيا ايضا و بتقدير الدول الاقليمية و العالمية المؤثرة.
بعدما مر العراق بكل ما جرى له طوال هذه العقود و ما اثر بدوره على الدول الاقليمية و العالمية، يمكنه بعد التجارب المرة ان يفرض نفسه دولة غير منحازة خارجة عن اي اطر تقيده و من اي قاعدة او او خلفية او عقيدة او فكر او شكل كان، و عليه عدم الالتزام بما تفرضة اي تجمع او تكتل او محور دولي، و يمكنه تطبيق دور السويسرا في هذه المنطقة ان اتقن اللعب بدقة و حذر في اية مجريات او ما يحصل في المنطقة و من دون الالتزام الديني او المذهبي او العرقي، و به يمكن ان يفرض نفسه بكل ثقله و قواه، و المتطلب الاوحد هو قوته الداخلية و كيفية التوائم و التفاهم الداخلي، و تحقيق امنيات جميع المكونات دون اي زلة او رجة في العلاقات التي يجب ان تبنى بين الكيانات العراقية المختلفة، و من دون فرض اي امر مركزيا و قسريا، و يعتمد هذا على توزيع الادوار والصلاحيات اللامركزية في الحكم و المساواة في الحقوق و الواجبات . و هذا الراي ليس بمثالي و يمكن التحقيق و ان واجهت العملية و الهدف المعوقات التي يمكن ازاحتها بعقلية تقدمية مدنية خارجة عن الالتزامات الضيقة، و المتمكنة و لها نظرة علمية ثاقبة لكل ما يجري بدقة.[1]