داعش نتاج العقليات السائدة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 4489 - #21-06-2014# - 13:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ليست الداعش و من حولها فقط، و انما جميع التنظيمات المتشددة التي برزت و باية خلفية كانت، هي نتاج ضيق افق السلطات المتعاقبة و انعدام الديموقراطية الحقيقية و الغبن الذي يحصل لجانب او لكل الشعب.
فان كانت هناك حدود سياسية على الارض بين دول المنطقة الا ان جميعها سيان في نوع الحكم و تعاملهم مع الشعوب و كيفية ادارة البلاد، و يتاثرون بالبعض نتيجة الاحتكاكات و الصراعات العديدة بينهم . انهم مفعمون بالطاقة الكبيرة لفرض الراي الواحد دون النظر الى الاخر على ان من حقه ايضا ان يبدي بما يؤمن، و الجميع يحكم و يريد الاستدامة في الحكم مهما كان نوع حكمه و اكثرهم يفرضون سطوتهم بالقوة الغاشمة و يستاثرون بما يملك بلدهم من الامكانيات .
الكلتور المسيطرعلى افكار و نظرة الشعوب في المنطقة تنبع من العقائد و التوجهات الميتافيزيقية التي توارثتها الاجيال و جلبت معها التخرفات و الابتعاد عن الواقع و العلوم و الوجود.
العيش في غياهب السماء و التامل فيمابعد الحياة الارضية و التعويض الخيالي للقهر و البؤس الذي يعيشه الفرد، يدفعه الى الانخراط في اية حركة او تنظيم يلبي له طموحاته، ولو بالدين اوبالدَين لما بعد الموت. اذن الارضية الخصبة من الناحية الفكرية و انغماس الكثيرين في افكار و ان كان للتخلص من الواقع الماساوي، اي التعلق بالقشة و كمنقذ للواقع المعاش، و التعلق بالخيال او الغيب خير وسيلة للهروب من الواقع المؤلم المؤثر على معيشة و فكر و عقلية الانسان اينما عاش، فمابالك في شرق اوسط محمل بالشحنات الفكرية العقيدية الخيالية المتوارثة و المؤثرة على حياة الشعوب من كافة النواحي ، ونحن نعيش في مثل هذه الحالة الثقافية و الاقتصادية الموجودة .
طالما التزمنا بماوراء الطبيعة و علمنا اولادنا منذ الصغر عليها و كانها حقيقة و ثبتناها فيمخليتهم كبداية لتثبيت اساس بنيتهم الثقافية و الفكرية، فيحتاج لسنين كي تنزاح في عقليتهم و فكرهم حتى وان عاشوا في بيئة صحية سالمة فكيف في ارضية كما نعيش، و ان وصلوا الى الاعتدال و العيش على الارض بواقعية فذهب من العمر ما لم يبق منه، و الخوف من الموت سيبعد من وصل الى الحقيقة ايضا من البوح بما يتفاعل في داخله من الاسئلة التي لا يلقى في نفسها الجواب، او يكتشف من وصل الى الحقيقة ان للعمر احكام و لا يبوح بشيء .
فان عاش في الفقر و العوز و هو حال الاكثرية، فانه و من دوافع تخلصه من الوضع القائم لحياته يتشبث بما يريح نفسيته و روحه المتعب طوال حياته، فلذلك يكون اداة سهلة بيد من تمرغ في الفكر و الصفات اللاانسانية، و يصبح وسيلة طائعة لمن كان لديه القوة، و من هب و دب. و عليه، كيف يمكن القضاء على داعش و امثاله من جذورها و نحن نعيش في ارضية تزكيها، و ماموجود يمنع حتى المخلصين الغوص في بناء ما يمنع نمو مثل هذه التنظيمات، ناهيك عن السياسات و الدول و المصالح الدولية التي تلعب على هذا الوتر من اجل اهداف سياسية لاانسانية بحتة، و لا يهمهم بحر من الدماء في تحركاتهم و سياساتهم في المنطقة .
ارساء النظام الديموقراطي الصحيح يحتاج لاسس و ركائز مادية معنوية عديدة، و منها المستوى الثقافي العام و العقلية و الادواة الضرورية لسير العملية بشكل سلس، بحيث تدخل في كل ثنايا المعيشة للشعوب من البيت الى الشارع الى المؤسسات و هكذا . العقلية السائدة في هذه المنطقة هي التي تمهد لمجيء التنظيمات المتشددة و تولدها ان لم تكن موجودة اصلا، و الافكار و العقائد هي التي تدعمها و تدفعها الى النمو و التطور العددي، و القيادات المصلحية هي التي تديرها، و الدول المتصارعة هي التي تمولها و تامرها في اتجاه تحقق بها ما تريد .
المنطقة عرضة لايجاد اكثر من داعش مستقبلا، حتى لو محيت ماموجودة الان على الارض، طالما بقيت المنطقة و العقليات على هذه الحال، اي الدين و المذهب و التعصب هم من يحكم العقول و الدول ايضا و يفرض ما يهمه و لمصلحته في صراعه مع المستجدات و ما تتلقاه المنطقة من التحديات لهم نتيجة التطورات العلمية و تتاثربها الشعوب .
اذن العقلية الموجودة، الحكومات المسيطرة، الوضع الاقتصادي المنهارو الفقر و العوز و البطالة، انعدام العدالة الاجتماعية و تكافؤ الفرص و الفساد الستشري في جميع الدول، و التضخم المرافق مع ازدياد نسبة السكان دون ايجاد الوسائل الضرورية لمعيشتها، اضافة الى الواقع السياسي و الثقافي و الاجتماعي المعلوم للدول المارقة في في الصراعات بمثل هذه التنظيمات، و التي لا تهتم بالنمو و معيشة ابناء شعوبها بقدر تمويلها و دعمها لمثل هكذا تنظيمات، كلها دوافع لانبثاق و نمو مثل هذه التنظيمات المتشددة، و تستغلها الدول في صراعاتها السياسية بكل سهولة، و تستخدمها لردع البعض قبل ان يجلسوا معا و ان يتحاوروا حول القضايا الشائكة بين هذه الدول، اي انعدام ثقافة الحوار بين هذه الدول و حتى بين ابناء شعوبها يعتبر من العوامل الرئيسية لتاسيس هذه التنظيمات.[1]