ماذا حدث؟ في#16-10- 2017# ، أطلقت الحكومة الاتحادية العراقية عملية لاستعادة السيادة العراقية على المناطق المتنازع عليها، بما فيها كركوك وحقولها النفطية. أفضت هذه العملية إلى عكس الوضع الذي كان سائداً منذ انهيار الجيش العراقي في وجه هجوم تنظيم الدولة الإسلامية في حزيران/يونيو 2014.
.”لماذا حدث؟ تمثلت الشرارة التي أطلقت هذه العملية في الاستفتاء على الاستقلال الذي أجرته حكومة إقليم كردستان في 25 أيلول/سبتمبر، والذي صوتت فيه أغلبية ساحقة من الأكراد ب “نعم
ما أهمية ما حدث؟ أدت هذه العملية إلى قطع ما تبقى من العلاقة المتوترة بين بغداد وإربيل. غير أن السبيل الحكيم الوحيد للتقدم إلى الأمام الآن يتمثل في العودة إلى مفاوضات تقودها الأمم المتحدة، وبدعم من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وإيران وتركيا.
.ما الذي ينبغي فعله؟ ينبغي أن تركز المحادثات المستقبلية على القضايا التي أدت إلى الأزمة الراهنة في المقام الأول، أي الوضع غير المحسوم للمناطق المتنازع عليها، ومسألة تقاسم عائدات النفط
I. لمحة عامة
في الساعات الأولى من 16 تشرين الأول/أكتوبر، أطلقت القوات الاتحادية العراقية اندفاعة نحو مدينة كركوك قال رئيس الوزراء حيدر العبادي إنها تهدف إلى استعادة حقول النفط، والقاعدة الجوية، والمطار والمنشآت الاتحادية التي خسرتها الحكومة في حزيران/يونيو 2014 عندما انهار الجيش العراقي في وجه هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية. التحرك العسكري، الذي قوبل بمقاومة محدودة نسبياً، كان ممكناً على ما ذُكر بفضل اتفاق تم التوصل إليه بين حكومة العبادي وأحد فصائل الاتحاد الوطني الكردستاني.
الاتحاد الوطني الكردستاني انسحب بشكل عام، في حين هربت قوات خصمه، الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان، الذي أجرى استفتاءً شعبياً على الاستقلال الكردي في أواخر أيلول/سبتمبر. في المحصلة، فرضت القوات الاتحادية سيطرتها ليس على حقول النفط وحسب، بل على جائزة للسيطرة عليها قيمة عاطفية أكبر، هي مدينة كركوك.
ما يكمن في جوهر الصراع في كركوك – وربما في أجزاء أخرى من المناطق المتنازع عليها أيضاً – هو عدم تسوية وضع هذه المناطق عبر المفاوضات منذ العام 2003. المادة الدستورية (المادة 140) التي نصت على إجراء عملية تحقق ذلك لم تنفذ. أحدث هذا إحباطاً عميقاً لدى الزعماء الأكراد، الذين ادعوا حقهم في هذه المناطق منذ وقت طويل. شكل استيلاؤهم على كركوك وحقولها النفطية ومنشآت استراتيجية أخرى في حزيران/يونيو 2014 مكسباً، فقاموا بملء الفراغ الأمني واستمروا في تحصين مواقعهم على مدى السنوات الثلاث التالية. أعلن البرزاني بشكل متكرر أن هذه المناطق باتت الآن “كردستانية” وستبقى في أيد كردية.
الحكومة الاتحادية اعتبرت سيطرة الأحزاب الكردية على هذه المناطق أحادية ومؤقتة، وسيتم عكسها – بوسائل غير محددة – حالما يتم إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية. حانت تلك الفرصة في مطلع تشرين الأول/أكتوبر عندما ألحقت هزيمة سريعة بتنظيم الدولة الإسلامية في الحويجة، وهي منطقة في محافظة كركوك، ما قرّب القوات العراقية المستعدة للحرب من مدينة كركوك وحقول النفط. أما السبب المباشر لها فكان حاجة العبادي لإعادة فرض السيادة العراقية على هذه المناطق في أعقاب الاستفتاء الكردي على الاستقلال، والذي لم يجرٍ في المنطقة الكردية وحسب بل أيضاً في الأجزاء الواقعة تحت السيطرة الكردية في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك. وقد تحققت بفضل التنافس الكردي الداخلي الشديد بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إضافة إلى الصراع على السلطة داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني بين ابن مسعود البرزاني، المسؤول عن الملف الأمني في الإقليم، وابن شقيقه، رئيس وزراء الإقليم.
بإعطائه أمر التقدم لقواته، لا بد أن العبادي أدرك أن الرياح تهب لصالحه؛ فالغضب الدولي المجمع تقريباً حيال قرار برزاني المضي قدماً في إجراء الاستفتاء رغم الاعتراضات الدولية الواضحة والصريحة سمح له بالقيام بتحركه بدعم من جارتي العراق القويتين تركيا (حليفة البرزاني حتى شهر مضى) وإيران، وفيما يبدو بضوء أخضر من الولايات المتحدة.
في حين أعلن العبادي أن أهدافه تقتصر على حقول النفط والمنشآت النفطية في كركوك، فإن النجاح العسكري السريع دفع قواته، التي تقودها وحدة مكافحة الإرهاب المدربة من قبل الولايات المتحدة واللواء المدرع التاسع في الجيش، إلى دخول مدينة كركوك. وقد يدفعهم ذلك أبعد، إلى أجزاء أخرى من المناطق المتنازع عليها، بما فيها قبة خورمالا، الواقعة في أقصى شمال حقل نفط كركوك العملاق. وثمة تغيرات أخرى على الأرض؛ حيث يذكر أن قوات الحزب الديمقراطي الكردستاني غادرت منطقة سنجار المتنازع عليها قرب الحدود السورية في 17 تشرين الأول/أكتوبر، ويبدو أن الاتحاد الوطني الكردستاني قد انسحب من خانقين قرب الحدود الإيرانية كجزء من الاتفاق. أما ما إذا كانت القوات العراقية ستستغل تفوقها وتحاول استعادة المناطق المتنازع عليها في سهل نينوى وشرق الموصل من سيطرة الحزب الديمقراطي الكردستاني فهو ما يدور حوله السؤال التالي.
هذا التقدم العسكري قصير الأجل ينذر بمشاكل على المدى البعيد. من أجل منع المزيد من التصعيد الذي يمكن أن يخرج عن سيطرة القادة المعنيين، ودفع سلسلة الأحداث نحو حصيلة تفاوضية، ينبغي على الأطراف الخارجية التي تتمتع بأكبر قدر من النفوذ في العراق، أي الولايات المتحدة، وإيران وتركيا، أن تكثف من جهود وساطتها التي كانت قد بدأتها قبل الاستفتاء. من حيث المبدأ، فإن للجميع مصلحة في الدفع نحو استقرار الأوضاع. هذه الأطراف الثلاثة جميعها أزعجها إن لم يكن أغضبها قرار البرزاني المضي قدماً وإجراء الاستفتاء في أيلول/سبتمبر. وجميع هذه الأطراف تدعم وحدة أراضي العراق. وجميعها تقبل بسلامة الإقليم الكردي وعارضت بشكل ثابت ومستمر المحاولات الأحادية لتسوية أوضاع المناطق المتنازع عليها.
بالتالي، فإن أساس الوساطة لتحقيق التسوية موجود، لكن تبقى هناك عقبات جدية. أولاً، ورغم التوافق الموضوعي في مصالح الأطراف الخارجية، فإن التوترات فيما بينها – وخصوصاً بين الولايات المتحدة وإيران، التي فاقمها قرار الرئيس ترامب عدم المصادقة على الاتفاق النووي – يمكن أن تكون عائقاً. حذرت مجموعة الأزمات من التداعيات المحتملة لقرار الرئيس، وقد يكون العراق أول ضحاياه.
ثانياً، يمكن لاندلاع العنف أن يجعل من التوصل إلى تسوية أمراً أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً، خصوصاً إذا قامت الأطراف، التي تدفعها ضرورات سياسية محلية، بالتصعيد. لتحاشي هذه النتيجة، ينبغي القيام بجهود وساطة فعالة فوراً. ويمكن لتجديد دور الأمم المتحدة أن يكون حاسماً في هذا الصدد، حيث من شأنه أن يعطي غطاءً للجهود التي تبذلها هذه الدول الثلاث بصفتها المنفردة.
إضافة إلى ذلك، إذا توقف القتال، وعندما يتوقف، فإن مساراً سلمياً لتسوية القضايا الأعمق التي تدفع بهذا الصراع سيكون موجوداً. في الواقع، فإن الأزمة الراهنة توفر فرصة لاستئناف مسار كان قد تم التخلي عنه وسط حُمّى الانتخابات قبل ثمان سنوات. في 2008-2009، أجرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق دراسة شاملة على ما وصفتها ب “الحدود الداخلية المتنازع عليها” في العراق واقترحت طرقاً محددة للتقدم إلى الأمام لتسوية مسألة حدود إقليم كردستان وتوزيع الدخل المتولد عن بيع النفط والغاز الموجود فيها..[1]