عنوان الكتاب: طبيعة المعرفة التاريخية وفلسفة التاريخ
اسم الكاتب: د . محسن محمد حسين
مكان الإصدار: هولير - أربيل
مؤسسة النشر: مؤسسة موكرياني للدراسات والنشر
تأريخ الإصدار: 2012
مفهوم فلسفة التاريخ
هناك علاقة وثيقة بين التاريخ والفلسفة فالمؤرخ يحتاج إلى الفلسفة ومناهجها ونظرياتها لدراسة الأحداث والمواقف التاريخية، والتمحيص والتدقيق في حوادث الماضي يحتاج إلى القدرة على فهم النشاط الإنساني وتطوره، وهذا هو محور الدراسات والنظريات الفلسفيةalt. كما يحتاج الفلاسفة إلى دراسة أحداث الماضي والحاضر وقياسها وفق نظريات مختلفة لوضع مناهج ونظريات يستفيد منها المجتمع في حاضره ويضع على أساسها البنيات والبرامج المستقبلية.
وبذلك يكون للمؤرخ والفيلسوف منهج موحد في طريقة استقراء الأحداث والتدقيق فيها ومن ثم استخلاص واستنباط النتائج التي تبني على أساسها النظريات والمناهج.
ومن يقرأ التاريخ يدرك أن العلماء في الماضي كانوا فلاسفة ومؤرخين في آن واحد وعلى رأسهم أرسطو طاليس فهو أول الفلاسفة الذين بنوا نظرياتهم على أساس معرفة التاريخ مما يؤكد حاجة المؤرخ إلى معرفة الفلسفة ومن قبلها مقدرة الفيلسوف على سبر غور التاريخ ودراسة أحداثه بصورة دقيقة، والأحوال المحيطة بالمواقف التاريخية من أجل وضع مناهج ثابتة مستفيدة من عبر التاريخ لإنارة طريق الحاضر والمستقبل.
وتأتي هذه الورقة لتناقش علاقة التاريخ بالفلسفة وهو ما عرف بفلسفة التاريخ.
مفهوم علم التاريخ وأهميته
----------------
التاريخ في اللغة هو الإعلام بالوقت، يقال أرخت الكتاب أي بينت وقت كتابته، فالتاريخ تعريف للوقت يقال أرخت وورخت(1).
أما التاريخ اصطلاحاً فهو التعريف بالوقت الذي تضبط به الأحوال من مولد الرواة والأئمة ووفاة وصحة وعقل وبدن ورحلة وحج وحفظ وضبط وتوثيق وتخريج مرجعه فحص أحوالهم وحالهم(2)، وفائدة التاريخ معرفة الأمور على وجهها الصحيح قال أبو سفيان الثوري لما استعمل الرواة الكذب استعملت لهم التاريخ(3).
إن نقطة البداية التي ننطلق منها لفحص علم التاريخ لأي أمة هي وظيفة التاريخ وواجب المؤرخ، وعلم التاريخ في أي مجتمع يخضع لعوامل محيطة مختلفة وتكيفه قيم فكرية تختلف موازينها من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى بيئة أخرى.
إن الأصل التاريخي لكلمة تاريخ هي Istoria إستوريا الإغريقية نشأت عندما بدأت الحركة الفكرية والسياسية عند الإغريق في القرنين السادس والخامس قبل الميلاد، وكان يقصد بهذا التعبير الأشياء الجديرة بالمعرفة كالبلاد والعادات والمؤسسات السياسية المعاصرة أو الماضية، وسرعان ما أصبحت كلمة istoria الإغريقية مقتصرة على معرفة الأحداث التي رافقت نمو هذه الظاهرة، وبذلك ولد تعبير التاريخ بمعناه الشائع وتحولت الكلمة إلى history بمرور الزمن، وأصبحت فكرة تاريخ تعني عملية تطور الإنسان حتى أصبحت فكرة التاريخ في القرن التاسع عشر هو كل شيء يمكن إدراكه، وأصبح التاريخ بهذا فكرة شاملة، وأصبح كل النشاط الإنساني هو موضع بحث التاريخ(4) وهنا يلتقي التاريخ مع علم الفلسفة حيث كليهما يبحث في تحليل وتطور النشاط الإنساني سواء كان ثقافي أم اجتماعي أو سياسي.
وعندما شعر المؤرخون بالحاجة إلى تعريفات عامة للتاريخ وعلم التاريخ فإن تعريفاتهم لا تكشف عن معني عميق وشامل لهذا العلم وفائدته إلا من خلال تعريف بن خلدون له.alt
يعرف بن خلدون التاريخ بأنه فن غزير المذهب جم الفوائد شريف الغاية إذ هو يوقفنا على أحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم والأنبياء في سيرهم والملوك في دولهم وسياساتهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعددة ومعارف متنوعة وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان بهما عن المذلات والمغالط، لأن الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرد النقل، ولم تحكم فيها أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني، وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا قاسوها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة، في الأخبار فضلوا عن الحق، فلابد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد(5).
كما يعرف التاريخ المقريزي بأنه الإخبار عما حدث في العالم الماضي[1]