انحصار كوردستان بين مصالح الشرق و الغرب
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3841 - #05-09-2012# - 16:41
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
كانت كوردستان ضحية الصراعات الاقليمية و العالمية دوما، و لم نجد الا المراحل القصيرة العابرة التي كانت محل اهتمام جهة معينة فانتعشت حالها، وعملت هذه الجهات من اجل تحقيق اهدافها و نيل مصالحها فقط ايضا. و هكذا وصلنا القدر بين الثورة و الانتفاضة في حين و التهميش و الاستغلال في احيان اخرى الى المرحلة العصيبة من الحرب الباردة الاكثر تعقيدا في تاريخ المنطقة، و التي انقسمت هذه البقعة بين الموالين و المعارضين للايديولوجيات المضادة و المتمسكين بالتوزان في العلاقات مع جهة على حساب االاخرى، مهملين الامم المظلومة دون غيرهم و التي غدر بهم الزمان و الوقائع المتسلسلة نتيجة العوامل الذاتية و الموضوعية لهذه الامم ايضا، و وصلتنا الحال الى الحرب الباردة و كيف تعاملت مقتضيات تلك الصراعات من الاستغلال و التعدي على الضعيف، و لم تنل كوردستان من تلك الحقبة غير الافرازات و السموم نتيجة الاحتلال و السلب و النهب الذي تعرضت له .
و قسمت كوردستان بين مطامع القوى الاستعمارية المحتلة للبلدان، و قامت تلك القوى بما يهمها دون اي اهتمام بمصير و مصالح القوى المستغَلة في هذه الارض الواقعة في قلب الشرق الاوسط الاستراتيجي. و وفق مصالح الكبار من المجحفين بحق هذه الامة، اصابت كوردستان العديد من الامراض و العلل السياسية الاجتماعية الاقتصادية، و هي لم تبق ساكنا على الرغم مما جرى لها و بقت على حالة الاستنفار الدائمي ، و لم تسترح، و مرت بين كل ثورة و ثورة بثورة و انتفاضة اخرى، و بقت في اكثر الاحيان دون مسند تتكأ عليه في محنها المتكررة و هي محصورة بين مخالب القوى الاقليمية الموالية لقوة عظمى حسب ما تفرضه مصالحها من جهة و بين ما تتدخل فيه القوى العظمى بنفسها في الشؤون الداخلية لهذه البقعة بالذات من جهة اخرى .
كما حصل للمعسكر الشرقي، فتفككت القوى الجانحة تحت ظل المعسكر الشرقي ايضا، و فتحت المتغيرات نوافذا عدة امام الكثير من الجهات و الامم المغدورة في العالم لتبحث عن منقذ لها، فتلقفت كوردستان مخرجا بسيطا و تقدمت لخطوات قصيرة من اجل ما ضحت من اجلها، و كنتيجة لما اصبحت هي من العوامل الاساسية في المعادلات المتغيرة في سياسات الاطراف الرئيسية بالذات، و فرضت عليها ان تقف امام خيارات قليلة التي اصبحت مطروحة امامها من اجل الحصول على المتطلبات الحقيقية لهذا الشعب العريق .
بعد مرحلة الحرب الباردة، وقفت المنطقة امام التغييرات التي لا تحصى و لا تعد، و انتقلت عندها كوردستان بفعل تلك التحولات لمرحلة جديدة من تاريخها، فطغت عندها ما كانت تغطي افرزات المآسي المتجمعة في كيانها و نتيجة الحروب و الضيق التي مرت بها، و الظروف الموضوعية هي التي فرضت عليها الانسلاخ من قالب الغطاء المتهرء من تاريخها المرير، و لم يعد هناك بد امام توقف العظام في وجه اهداف الكورد و فرضت المستجدات التعامل معها بواقعية و كطرف فعال مؤثر الذي لا يمكن تجاهله. ربما نجد اليوم بداية جديدة مشهودةلها و سياسات نابعة من فعل الحاضر المتغير بعد ما وصلنا الى استقرار ملحوظ للاوضاع لحد ما، و بعد الانتهاء من الهيجان و الوصول الى الهدوء بعد نهاية سيطرة القطبين و من ثم القطب الواحد و الوصول الى مرحلة الاقطاب اللمتعددة، وكما يطهر من الافق، تسيطر التعددية في السياسات العالمية و مسيرة الامم بشكل واضح رغم عدم التوازن النهائي للقوى بشكل كامل لحد اليوم .
اليوم بعد كل تلك الاحداث و ما اضرت بحال كوردستان و احدثت جروحا عميقة في جسدها و هي تنزف منذ عقود، لابد من اعادة النظر و حدوث تنظيم و ترتيب لكل الاوراق و يمكن نسيان الماضي عند مراعاة ما تتطلبه اليوم من اجل مصالح الذات فقط . انها مرحلة العقلانية في التعامل مع الاحداث و التغييرات و ما يجري بهذه السرعة الهائلة من جميع النواحي .انتهى الشرق من مرحلة الانتظار و تجاوز مرحلة الاحتضار التي مر بها في احيان كثيرة، و الغرب و ما اصابه من الامراض نتيجة الازمة الاقتصادية المستفحلة، شرعت الابواب امام انعاش غريم الامس و الوصول به الى الصحوة الخافتة الخجولة . على الجميع اختيار الطريق الملائم لهم و السير مع متطلبات العواصف من اجل اتقاء اضرار كبيرة و وصل ببعض لحال يمنع العودة الى الجحيم، و افضل الوسائل لتلك العملية هو السياسة العقلانية العصرانية الصحيحة الخاصة بكل طرف وفق خصائصه . يجب الالتفات الى ما يحكم العالم اليوم و الابتعاد عن ما كان يسمى بالثوابت و القيم التاريخية التي اضرت جراء الالتزام بها بالامة الكوردية، فالمرحلة تتطلب المراوغة التي تفرضها التعقيدات التي وصلت اليها المعادلات الجديدة للسياسات العالمية، و على الامم المغلوبة و منها الكورد ايجاد السبل للخروج من النفق بشكل نهائي، و عليه الدقة في اختيار الطريق من اجل التقارب مع المفيد و البقاء كعامل رئيسي لا يمكن تجاوزه من قبل اي كان. فعليه اخذ بزمام المبادرة من الخطوات التي تجعلها في حال امر واقع في التقارب الحاصل بين الجهات التي كانت بعيدة بالامس و اخذ الموقع الملائم من الحال الاخر الحاصل من تباعد الجهات التي كانت قريبة بالامس ايضا، مع الاخذ بنظر الاعتبار ما تفرضه الافرازات و ما تتراكم منها و تداعياتها نتيجة التطور الحاصل في العالم في كافة المجالات بما تستدعيه العولمة و التقدم التكنولوجي المؤثر على حال كافة الامم و منها الكورد في الشرق الاوسط .
اذن، المصالح الدائمة في تحديد مسار السياسة لم تعد قائمة فقط في ظل المتغيرات الجذرية لهذه المرحلة بل ربما الالتزام بمصالح الاخر سيفرض تامين المصالح الذاتية و يعيد بخيرات عليك دون ان تتوغل في ما تفرضه المصالح الذاتية و العمل بها مباشرة . اليوم نحن بين فكي العديد من الكماشات المختلفة و لابد من السباحة في هذه البحر المتلاطم بهذه القدرة المحدودة المتواضعة التي تملكها كوردستان في الوقت الراهن، و عليه فرض امر الواقع يمكن تثبيته، و هو امر يمكن التفرغ منه، و بعد تقويمه و تقييمه بمساندة العوامل الداخلية و السياسات الخارجية الحكيمة بعيدا عن العقليات المبتذلة التي نستندها لغاية هذا اليوم، و التي لم تعد هناك مجال او احتمال لنجاحها ابدا .
انها الفرصة الاخيرة في هذه المرحلة لنيل الحقوق المغتصبة، فعلينا قراءة المواقف كما هي و السياسات و ما وراء الستائر بدقة متناهية اليوم بالذات و من كافة الجهات و الجوانب، و هذا ليس بامر يمكن ان ينجح فيه عقلية شخص او حزب او طاقم خاص او مؤسسة معينة بذاتها فقط كما نسير عليه اليوم، و لم ينقص كوردستان من تلك الطفيليات في تاريخها و التي لا تهمها الا المصالح الذاتية الضيقة فقط . تحديد المصالح العديدة للاطراف العالمية المختلفة و كيفية التعامل معها و قراءة الزمان و المكان و المرحلة و ما فيها، من صلب العمل و واجبات المؤسسات الكبيرة التي نحتاجها اليوم اكثر من اي وقت مضى، اننا نحتاج لمخططات و بحوث توضيحية و تحليلية وفيرة من اجل اقرار ابسط القرارات، فكيف باعقدها و اكبرها التي تقره اليوم الشخصيات و العقليات التي نتجتها الثورات الكوردستانية . تحديد الاولويات و كيفية تفادي تقاطع المصالح الكبرى للامم و الدول العظمى من منظور المصالح العليا للشعب الكوردستاني وليس من زاوية المصالح الحزبية و الشخصية امر في غاية التعقيد و الضرورة في الوقت ذاته .
الشرق اليوم في مرحلة جديدة و اشهر عوده الصلب حديثا، و يبرز منه من المواقف التي يمكن ان نقرا منه المستجدات الانية، انها اضواء يمكن لنا تلاقيها او تلافيها ان اعدناها مضرة بنا، و في المقابل هناك الغرب ما يمكننا من التعامل معه او تجامله في كثير من الاحيان دون الغوص في خصوصيات ما تفرضه مصالحه ان تقاطعت مع الشرق و نحن فيه . بين هذا و ذاك طرق و وسائل يمكن التطرق لها و هي تتغير بتغير المواقف بين ليلة و ضحاها من اجل تفادي موقف يقعنا في موضع يفرض علينا اختيار الصعب . لم تعد الايديولوجيا عائقا لما كانت تفعله من قبل، و هذا ما يسهل شيئا ما العمل في اي امر كان سواء كان اقتصاديا او سياسيا او اجتماعيا . و هذا ما يدع الخيارات متوفرة امامنا للعب و التعمق في العلاقات المتشائكة بين القوى، و عليه يجب التراخي احيانا في توثيق العلاقات القوية مع جهة لفترات و من ثم الترابط فيها في احيان اخرى و عدم التوقف لفترة طويلة دون تغير ملحوظ كما كنا سابقا .
ان لم نكن نحتسب لمواقف الشرق منذ انهيار المعسكر الشرقي لضعف مواقفه في المرحلة السابقة، فاليوم الواقع يتطلب ما يجري الان تغيرا و اعادة النظر و الحسابات الدقيقة و ترتيب الاوراق بشكل جيد وفق كل تلك المستجدات التي طرات على الساحات العالمية و على هذه المنطقة بالذات . ان كان الشرق حتى الوقت القريب مريضا نائما معانيا من المشاكل العويصة التي تراكمت على راسه، فاليوم عطس و استفاق من نومه و لم يعد كما كان و هو يثبت وجوده من جديد في ظل المتغيرات العالمية .
كوردستان اليوم لها حرية العمل و اللعب و التعامل حسب ما تفرضه مصالحها فقط و لاول مرة في تاريخها، و عليه يجب ازاحة ما يفرضه الماضي من الافرازات التي كونتها التفاعلات التاريخية المتخبطة، كي ننجح في العبور من هذه المرحلة الانتقالية القصيرة التي تتوضح افقها يوما بعد الاخر، ولكي نخرج و ننقذ انفسنا من الوحل الذي تعلقنا فيه منذ عقود مضت علينا العمل الجاد العصري في العلاقات الدبلوماسية .
اي، برزت مصالح جديدة يجب قراءتها، شفيت الجهات و هناك من في مرحلة النقاهة، ظهرت قوى جديدة بجواهر مختلفة، تغيرت معادلات و تعقدت منها و بسطت في اخرى، فعلى كوردستان تحديد سياساتها المختلفة و او الوياتها اذن للتعامل مع مصالح القوى المؤثرة و المتلامسة لها وفق متطلبات المرحلة، ان توجهنا شرقا ام غربا و الاحسن الاثنين معا و على حد سواء في اكثر الاحيان.[1]