لنتحمل الاختلافات كي نتقبل البعض و نتعايش
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3815 - #10-08-2012# - 16:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
بعدما امضينا حقبات طويلة جدا من العداء و الاستغلال للبعض و التعدي و الظلم باسماء و افكار و عقليات و ايديولوجيات و تخيلات و تخرفات و عقائد و اديان و مذاهب و ربما اساطيرمختلفة، لم تكن ورائها الا دوافع مصلحية ضيقة بكل الاعتبارات، سواء كانت شخصية بحتة نابعة من الغرائز المكنونة في بنية الانسان منذ ولاداته الاولى، او نتيجة المصالح المشتركة لحلقات ضيقة بعد حدوث التجمعات الانسانية، و كلها كانت بتبريرات شتى و اعذار صدقتها الموالون و حتى اصحاب الدعوات و الادعاءات ذاتها رغم البنيان الهش المستند على الخيال و الغيب و اللاحقيقة . الحروب و المآسي مرت و اخذت حقبات طويلة كما يذكرنا اياها التاريخ المرير، تغيرت الحياة شيئا فشيئا نحو خطوات متقدمة و التي وقعت لصالح و خدمة الانسان رغم ما شابتها الشواذ و الاستثناءات في التقدم احيانا، و اصبحت المعيشة اسهل مما كانت و باتت لصالح الفرد و شؤونه الخاصة . اما على الصعيد العام و ما يهم البشرية جمعاء و ما نعتقد من مرور المراحل من البداية المشاعية الى النهاية الشيوعية و العدالة الاجتماعية، اليوم وصلنا لوسط البحر و نحتاج لعهود و مراحل متتالية كي نعبر الى الشاطيء الاخر و نصل لحال لم تشبه ما كنا و نحن عليه اليوم من الناحية الانسانية( ان كنا دقيقين في الوصف ) و ما مررت بها البشرية من الفوضى و الاعتباط و عدم التوازن في اكثر الاحيان .
اليوم، نحن في احتكاك مباشر و تواصل دائم مع البعض، ليس امامنا الا التعامل مع الاخر في جميع المجالات، نعم تقدمت الحياة بروية و بطء شديدين، الا ان التكامل لا يمكن ان يحصل الا بالتعاون و المشاركة الفعالة من قبل الجميع حتى المختلف مع وعن البعض، و لا مجال للعزلة و الانطواء و النأي بالنفس . طبيعة الحياة و المعيشة تفرض ما لا يمكن ان ينفرد الانسان او اليوم ما يسمى المواطن في اية بقعة كان حتى و ان كان يستند على ما يمكنه ان ينفرد به و يبعده عن الاخر من الاعتقادات و الافكار و العقليات . اي الواقع يفرض نفسه على الجميع لايجاد طرقة للتعايش و التعاون من اجل المصالح المشتركة التي اوجدتها التغييرات المتتالية و الانتقالات نحو الامام .
يجب الا نتعجب بان المرحلة لم تعتني بالضرورات المادية للانسان فقط و انما الضرورات المعنوية تستبق هذه، و هنا و هذا ماهو الاهم و الاَولى و واجب التوفر قبل اي شيء اخر، و منها ؛ ضمان السعادة الفردية و العيش الرغيد، و هذا مرتبط بشكل مباشر بعقلية و روحية الانسان مع توفر المستلزمات المعيشية الى جانب ضمان نسبة مقنعة من التساوي لابعاد الاحساس بالغبن لدى اي كان، مع العدالة الاجتماعية و العدالة بشكل عام في التنظيم و التوزيع و التوصيل . و كل هذا في ظل فضاء من الحرية من كافة النواحي و منها ما يخص الفردية التي تخص كيفية العمل و التفكير و التنظير و التوجه من اجل الحصول على الحاجات المادية و المعنوية و الروحية و النفسية له .
باختلاف الاجناس و الاصول و العقائد و الاديان و القوميات و المذاهب، الضرورات و الاحتياجات الفردية للانسان متشابهة لحد التطابف، و عند توفرها بشكل عادل و مقنع للجميع سيزول اول و اكبر و اقوى حاجز امام التعايش بعد تقبل البعض للبعض بما هم فيه من الخصائص و السمات التي يمكن ان تكون مختلفة جدا، و التي يمكن ان لا تكون عائقا امام التواصل و التعايش و تحمل البعض . ان اقلعنا عن انفسنا ما يجسد البغض و انكار الحقوق للاخر بشتى السبل، و منها الابتعاد عن التعصب في الدفاع عما نعتنقه من الافكار و الاديان و المذاهب و التوجهات بشكل يمكن ان نضع في بالنا دائما؛ ربما نكون نحن المخطئون و الاخرين على الصواب تماما .
الاختلافات قد تدمر التواصل المرن و الصحيح و التعايش و التعاون لو لم يكن ا لوسط ملائما لادارة الاختلافات وفق ما يفيد الجميع كل من زاويته، و ان لم تكن هناك ادارة ملائمة لتقارب البعض و جمع المختلفين بدوافع عقلانية عالية النظر للانسان، بعيدا عن فرض الذات بالقوة دون اي اعتبار للاخر، و هناك ايضا احتمالات للفشل في جمع و تنسيق الاحتلافات و المختلفين، يمكن ان يزاح عند حدوث التغييرات المطلوبة في المسيرة الاجتماعية و الثقافية، و عند تجسيد ارضية يمكن فيها حل التعقيدات و تسهل الامور و تفرض البساطة على جوانب من مرافق الحياة الفردية و في تفصيلاتها . ان كانت الاختلافات هي المسببة الرئيسية للصراعات العديدة من النواحي السياسية و الاجتماعية، فبعد قراءة و الاعتبار لحقوق الافراد و الجماعات المؤدية الى تلك الاختلافات و ما تحدث الفروقات في اكثر الاحيان، يمكن التواصل و التناسق و حتى التعاون و التفاعل عند التوفيق في تنظيم و الادارة بالنظام الملائم . فان كانت المصالح و الصراع السياسي و الافكار و العقائد المختلفة هي التي تكون دائما وراء عدم الالتقاء فتكون هي السبب الرئيسي للتقاطعات اذن، و به من الممكن التفاهم على العوامل المشتركة من اجل التواصل و التكامل والتوافق للوصول الى نقطة الملتقى دائما لايجاد الحلول لكل المشاكل التي تحدث جراء تلك الاختلافات ، و هذا ما يمنع الاحتكاك و التشابك و يقطع الطريق عن الاحتراب . و عند منع التصادم و الاساءة الى التعايش تفتح الابواب امام تقبل البعض للبعض و التعايش و التعاون المشترك .
من هنا لابد من القول؛ ان وجود افكار و عقائد متشددة رافضة للاخر هو اصل المصيبة و اقوى عامل لتشاؤم ابلعض في امكانية تحقيق الهدف النبيل وهو التعاون والتعايش بالسلام. و هذا ما يدفع بنا الى القول بان هناك احتمالان قويان في هذا الشان، اولهما؛ اطالة مدة الفوضى و انكار وجود و حقوق الغير لمدة محدودة و هذا لا يمكن ان يستمر الى الابد. و ثانيهما؛ هو ايجاد النظام الملائم لتثبيت حق الوجود و المعيشة و الرخاء و السعادة و السلام للجميع على اختلاف فئاتهم و اطيافاهم و اطوارهم، اعتمادا على تنظيم عقلاني ملائم للمرحلة و المستوى العام، و استنادا على التحاور المستمر و الدائم من قبل الافراد و الجماعات و المناصب و المواقع الى الاحزاب و الحكومات، السلطات كانت ام المعارضات، من اجل استنتاج ما يلائم الجميع و يقنعهم و الذي يجتمعون عليه و من اجله . و هكذا، اي بالتحاور الدائم و ما يفرز عنه من الاستنتاجات بما يقنع الاطراف ، سيبدا ذلك بتحمل البعض للبعض مهما اختلف معه او عارضه او حتى ان كان لا يطيقه، سيصل الى مرحلة تقبل الاخر و عند الاستدامة سيتمكن من ايجاد جو للانتقال الى مرحلة التعايش و التعاون لضمان المصالح المشتركة و ايجاد الخط او النقاط الرئيسية المشتركة للتواصل و استدامة الاستقرار و تجسيد السلام . لان الانسان هو الهدف دائما ان كانت العقليات تفكر هكذا، و يجب سلك كل السبل لخدمة الانسان و التوجهات الانسانية و الفكر الانساني، و لابد من قطع الطريق امام استخدام الانسان كوسيلة للافكار او العقائد التي تدفع لغايات غير انسانية، و يحدث ما هو المطلوب عند الاعتراف بحقوق الذات و الاخر في وسط تتجسد فيه العدالة و الحرية بشكل مقنع .
ربما يُعتبر كلامي مثاليا الى درجة ما، الا ان المرحلة التي وصلنا اليها هي كما اعتقد و من خلال تقيمي المتواضع هي بدايات عصر التقدم و توفير ما يخدم الانسان، الا في مناطق و بقع معينة في العالم التي تسيطر عليها عقول الغاب و التخلف و التخرف لحد الان، و هي التي يمكن عزلها لبعض الوقت لحين ايجاد ما يهديء الامر من روعها للبشرية فيها، وعندئذ يمكن سحبهم بطرق شتى الى الساحة الانسانية العقلانية، فمن الممكن بايجاد العدالة و فرض الحرية و تامين الضروريات و الاستقرار و السلام ان يُضمن التعايش و التعاون المشترك على ارض الواقع.[1]