المطالبة بحق تقرير المصير على ارضية الخلافات !!
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3704 - #21-04-2012# - 03:27
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كل ما يحيرني حقا عند سماعي التصريحات المتعددة المختلفة للساسة العراقيين بكافة مشاربهم، هو اعتقادهم المطلق بصحة ما يعلنون و يطرحون من المواقف و الاراء، مبنين ارائهم و كلامهم على توجهاتهم و ثقافاتهم و افكارهم وان كانت بشكل سطحي دون التعمق و النظر الى راي الاخر و ما يعتقده، مهما كان المقابل مؤمنا بما يعتقده فربما يضحي بكل ما يملك من الدم و المال من اجل اهدافه و معتقداته بنسبة كبيرة. قال برتراند راسل في لحظة ما انه ليس على استعداد على ان يضحي من اجل فكر يحمله و يعتقده صحيحا في تلك اللحظات، لانه ربما يكون مخطئا فيما هو يؤمن و يعتقد دون ان يعلم بخطاه الا بعد فوات الاوان .
لو القينا نظرة فيما نحن فيه من الفوضى العارمة بكل مافيها من معنى الكلمة، لم نجد على الاطلاق من يعتقد لربما يكون على خطا في توجهاته او ربما في كامل مسيرته، و يصر الجميع على ما يدعون و كانه امر منتهي منه من الصحة و الكمال، و كأن الحياة لم تستمر بما سارت عليه من قبل، ونعلم ايضا انه خلال فترات و مراحل مختلفة تبينت العديد من الاخطاء التي قتلت من اجلها الالاف، لا بل نرى من يصر على ما يدعيه في لحظته و كانه مقدس وهو معصوم و لا يمكن تغيره و ان تبين الاصح منه فيما بعد، لانه اصلا لم يفرق بين الاصيل و الزائف و المستقيم و المنحرف في افكاره و قراءاته، و هو ينظر في زاوية معينة خاصة به، تكونت لديه قناعات على ماهو عليه من الصفات دون ان يفكر بما يختلف عنه الاخر في الظاهر و الباطن .
في عالمنا السياسي، نحن شعوب منطقة الشرق الاوسط، ان مشكلتنا الرئيسية في ذواتنا، اننا لم نفرق بين افعالنا بين المهم و الاهم و بين الاستراتيجية و التكتيك و نخلط بين ما يهم العام و الخاص، او نتعامل مع ما يفرضه الخاص و نعممه على العموم. اننا نعتقد باننا الحق عندما نطلق عنان الكلام و الراي و الموقف او عندما نناقض الاخر حول اي موضوع، مهما كنا ضعيفي الاطلاع عن ما نتدخل فيه و نناقشه بصدر ضيق في اكثر الاحيان، و لذلك اكثرنا يتسم بالتناقض في التعبير و الافعال خلال مرحلة قصيرة من عمرنا، الا اننا نشغٌل القريب و البعيد مبنين كلامنا على الفراغ . هكذا الحال اننا نقيم الاوضاع وفق اللحظة، من كان الصديق الحميم الى الامس القريب اصبح عدوا اليوم، لمجرد نختلف معه في فعل او توجه او طرح او اعتقاد او فكرة او راي او هدف ما اظهره على العلن، دون ان نحتسب و نحلل لما هو وراء ما يذهب اليه و ما وراء ما نسير عليه نحن ايضا، او على الاقل ، دون ان نضع انفسنا في لحظة معينة مكان و موقع الاخر و ما هو عليه و ما يعتقده و يمثل لكي نفكر فيما يفكر فيه و نقارن ما بيننا، و لنبين الاصح . و اكثر الخلافات تظهر نتيجة الاصرار على ما بعد ما نعتقده نحن و الاخر ايضا .
استنادا على ما طرح سابقا، يجب ان نعلن ان الاراء السياسية المطروحة اليوم من قبل الجهات و القادة لم تكن الا من افرازات تقاطع المصالح فقط، و استناداعلى ما اشرت اليه من قبل من ما نحمله من العقليات . و لم يدخل في المعادلة اية مباديء انسانية ضرورية و اية افكار او عقائد التي كان من الواجب ان ياخذ بنظر الاعتبار عمق المشاكل و حلولها فقط و ليس السطحية في التفكير و القرار، و هذا صلب المشكلة . ان لم ينعتني البعض بالمثالية في القراءة و الطرح و التفسير، اقول؛ هل تستحق كل اموال و مصالح الدنيا قطرة دم ذرفت في الحروب العالمية و الصراعات العديدة على وجه المعمورة، التي لم تقع بقيد انملة لمصلحة البشرية، انها كانت اعتقادات و افكار، هي التي دفعت و تدفع الى التخبط و التمسك بنفي و فناء الاخر ، و في اكثر الاحيان السير في الوحل المتلاطم من امواج الفوضى العارمة التي تخلقه المجتمعات المتخلفة و التي تصيب المناطق ذات المشاكل العويصة ايضا، و التي تريد الخروج من ورطاتها، و الا ليس من المعقول ان تصل الاطراف المختلفة مع بعضها الى نقطة الالتقاء لايجاد الحل المناسب لكل مسالة وفقا لاحترام حق الاخر، الا ان كنا مستندين على الاسس العلمية الاخلاقية الانسانية في فلسفاتنا، و كما يفرضه العصر الجديد بشكل خاص، بعد ان تعتبٍر الجهات المتناطحة من متغيرات العصر و ما ورثها لنا التاريخ الغني بالدروس .
لو تكلمنا بشكل اكثر تفصيلا و واسعا حول ما نسمعه و نراه هذه الايام من الخلافات الظاهرة بين الحكومة الاتحادية العراقية المتمثلة برئيس الوزراء و كتلة دولة القانون و اقليم كوردستان برئاسة مسعود البرزاني و الحزب الديموقراطي الكوردستاني، ومن لف لفهم، انهما طرفان مستاثران بالسلطة و ملذاتها اكثر من غيرهما و اكثر مما يستحقون، و يحملان من الصفات المتشابهة و الظروف المتماثلة من حيث التفكير و العمل السياسي مع الفارق في نوعية العقيدة او الفكر او المنهج. هما الطرفان اللذان استقويا نفسهما بوسائل السلطة و مكتسباتها ، و كسبا جماهيريتهما بناءا على ما يملكون من الامجاد و ليس على ما وصلوا اليه من النكسات و الكبوات بعد تاريخ طويل من النضال الذي مروا به، اي ما وصل اليه الحزب الديموقراطي الكوردستاني بعد انتفاضة اذار وحزب الدعوة بعد سقوط الدكتاتورية و وصول المالكي لسدة الحكم. و هذا يعني انهما يمتلكان ما يفتخران به و الفجوات و الثغرات ذاتها في مسيرتهما النضالية، و هذا ما خلق لهما الحالة النفسية طويلة الامد المشابهة ذاتها، لانهما لم يكونا بالحجم و الثقل و القوة و الامكانية التي هما عليه اليوم لفترة طويلة،و لم يكونا بمستوى الاخرين حتى، لا بل لم يكونا يحلما او يعتقدا في لحظة ما ان يصلا الى هذا الموقع و الشان في غضون مرحلة قصيرة كما هما عليه الان، بينما تهمشت الاطراف الاخرى التي كانت هي في المقدمة لعقود وخلال فترة قصيرة جدا من بعد تحرير العراق، و هذا ما دفع بهما الى حال يمكن ان نسميه فترة الغرور السياسي منقطع النظير، لذا لا يمكن الاعتقاد بان يصلا لحلول مقنعة و معقولة بسهولة للمشاكل العالقة من دون ضغوط خارجية، و هذا غير متوقع لان الاطراف الخارجية لا ترى مصلحتها من الامن و الاستقرار العراقي، او لا يمكن ان يخرجا بنتيجة على طاولة الحوار و هما في النعشة السياسية التي اغرٌتهم من دون رجفة او شوك، تلقائيا او بشكل مفاجيء . ان كان هذا التحليل و التفسير للطرفين الرئيسين من الناحية الذاتية، اما الظروف الموضوعية ليست باقل صعوبة ،لا بل يمكن ان تكون هي ما تصعب الامر اكثر و تزيد الطين بلة، نتيجة الاستقطابات الحاصلة التي تفرض نفسها على جميع الاطراف ، بل تمنع التقارب المرجو امنتظر من خلال تدخل الوسطاء الواقعيين و التي يلحون عليهم .
لذا يتوجه كل طرف الى الوسيلة التي يمكن ان ينطح بها غريمه في اقل فترة ممكنة، و هذا ما يجعلنا ان نعتقد بان المصادمات متوقعة في اية لحظة، و ستكون خطيرة و لن تكون لصالح اي طرف، و ما يزكي نار تلك الصراعات التي من المحتمل ادخالها في العراق هو الوضع غير الطبيعي الذي يعيشه الجوار، و من اجل التفريغ و تصدير تلك المشاكل من بلدانهم، يمكن ان يستغلوا اقل فرصة متاحة لديهم لتورط العراق بها. و هذا ما عانى منه الشعب العراقي لعقود عديدة و ارغمت قادته على خوض حروب متلاحقة منهكة و مهلكة لها و للمنطقة جميعا،عدا صفاتهم الذاتية المتشبعة بالدكتاتورية، و اعتقد بان اي خلل سيكون داخليا محضا في هذه المرحلة و سيكتوي الشعب العراقي اكثر من غيره ايضا . لو ازحنا الظروف الاجتماعية الثقافية العامة و مؤثراتها على الاحزاب المتناطحة و القادة الفتية التي لم يتذوقوا طعم السلطة من قبل بل اعتلوها في لحظة تاريخية حرجة بعد سقوط اعتى دكتاتورية و ما مارسته من الكبت المميت على هذا الشعب، و توفرت ارضية ملائمة من فعل النظام العالمي الجديد و ما هي عليه المنطقة اليوم من كافة الجوانب .
لو بحثنا هذا الموضوع المعقد باعصاب راخية و بخلفية محايدة غير متاثرة باي فكر او فلسفة، متكئين على ما تتطلبه الانسانية و الاخلاق، و السعادة و الرفاه المطلوب للشعب، بعيدا عن السياسة و تداعياتها و متطلباتها، و كمحللين للواقع الموجود كما هو. او لو على الاقل فكرنا مع انفسنا و تحاورنا مع ذاتنا حول ما نحن فيه و شغلنا عقولنا بصورة جيدة و استجوبنا انفسنا و اجبنا بانفسنا عن ما نطرح من الاسئلة الواجبة طرحها للخروج من الازمة ، لخرجنا بنتيجة مرضية نسبيا و لحدما، و يجب ان يحصل هذا قبل النقاش و التفاوض حول الامور المصيرية التي انبثقت منها المشاكل العويصة التي تفرض نفسها و تتطلب الحل الجذري .
التعقيد الحاصل اليوم في القضايا التي اخذت تفرض الوقوف كثيرا عنها حتى لا يمكن لاي سابح في الماء العكر ان يشوه الصورة مهما بلغت حيله من الدقة، و هذه القضية الرئيسية التي ليست وليدة اللحظات الراهنة ابدا، و لم تكن نتيجة اسباب طارئة بقدر ما كانت نتيجة طبيعية للتراكمات التاريخية و ما فرضته المعادلات التي برزت منها . واليوم، الغريب في الامر ان الاوضاع الداخلية و مايؤثر عليها الطرفان الرئيسان ، هي ما فسحت المجال امام كل من هب و دب سواء من كان من الحثالى او ارباب التملق و المعتشاين على الفتاة ، و المستلقين دائما على ابواب القادة و لم يروا غير المصالح الشخصية ان يصبوا النار على الزيت ، و هم من يدلو بدلوهم و يحاولوا ان يوجهوا الحال الى التعقيد و العصيان الاكثر، و ما زاد الامر خطورة هو تدخل الاعلام المغرض غير المهني و من يقف ورائه في الخارج و الداخل . اضافة الى تدخل الجهات الاقليمية بشكل مباشر لاغراض و اسباب عقيدية و مصلحية ضيقة، و هذا ما وصد الابواب التي كانت مشرعة حتى الامس امام الاطراف، و صعٌب الوصول الى الحلول المقنعة للجميع، هذا ان لم تتنازل الاطراف و لم تضع الاعين على المصالح العليا ، و من المستبعد ان يحصل هذا لاسباب سياسة و حزبية من جهة، و نرجسية القادة البحتة المعروفة لدة الجميع من جهة اخرى ،فان الامر سيكون اكثر تعقيدا و عصيا على الحل .
هذا ما يفرض علي ان اقول بما اعتقد لاراحة الضميرليس الا، لانني على علم بانه ليس هناكمن اصحاب القرار من يقرا او يسمع، و بعد ما نقرا و نتمعن فيما سار عليه العراق و ما وصل اليه، و بعد القاء الضوء على الجوانب المختلفة من تاريخه، لا يمكن لهذا البلد ان يستقر او يهدا، وان ما نطمح اليه من تجسيد للمفاهيم العصرية ليس بقريب، غير ان هذا لا يمكن الا في السلم و الامان و رضا الجميع . و كما اعتقد الشعب الكوردي في مقدمة من يجب ان يكون راضيا مرضيا لانه لم ينتش مذاق ما يطمح اليه منذ تاسيس الدولة العراقية، و هو يحس بالغبن، و لم يهدا له البال الا بعد ان يعتقد بانه حقق اهدافه و قرر مصيره بنفسه بعيدا عما يُفرض عليه من الحلول الناقصة طوال حياته . على الجميع ان ينطلق من زاوية التوجه للعمل من اجل اقتناع جميع المكونات، و ليس الاصرار على العمل المعتمد على خلفية السائد و المسيود . الشعب الكوردي هو من يكون صمام الامان للجميع دائما، سواء قرر الخوض في تقرير مصيره مهما طال مخاضه، او بقي كما هوعليه الان، طالما كان على الحال الموجود فيها الان تفرض عليه التفكيرفي ان يحس بانه يستحق اكثر مما حققه غيره و هو لم يصل اليه لحد الان. لا يمكن ان تحل قضيته بالتهديد و الوعيد و الاعتماد على الحلول الناقصة و التعليق لما هو المهم لديه. انها قضية شائكة و عميقة و خطيرة ، لا يمكن ان تبقى عالقة، لان ما يمت بصلة بها سيتغير بتغيير مجريات الامور و كل ما يمت بصلة بها وفق متغيرات المراحل المتتالية. لم يشهد العراق و كل المنطقة قاطبة الهدوء و الامان و الاستقرار طالما بقت شرارة القضية الكوردية مشتعلة و ان اخفيت لفترات جذوتها تحت تراب الضغوطات و القتل و التشريد و الانفال و ضرب هذا الشعب بافتك الاسلحة . على قادة العراق اصحاب السلطة ان ينظروا الى الوضع من هذه الزاوية الواقعية فقط، و ليس استنادا على تصريح قائد كوردي او عربي اومن خارج الحدود او من مسؤل مراهق هنا و هناك ، او قراءة سلوك او توجه اعتمدته شخصية ما لدوافع و خلفيات سياسية حزبية مصلحية فكرية مختلفة .
ان اردنا ان يرحمنا التاريخ و الجيل الجديد واردنا ان نضمن مستقبلهم جميعا، يجب النظر الى ما نحن فيه برؤى و عقلية كبيرة متفهمة و متعمقة في ثنايا و تفاصيل الامور و ما حلت بالمنطقة من الويلات و المآسي، بعيدا عن المصالح الشخصية الحزبية الضيقة، مهملين الدعوات الخارجية التي لا تعرف غير مصلحتها فقط، و هي التي تحاول دائما فرض نفسها عل المعادلة الحاضرة، و هذا هدف سامي، و عند ايجاد الحل المقنع المرضي تطمئن القلوب و تقر العيون نهائيا، و التاريخ يسجل لمن يعمل و يتعمق و يناضل في هذا الاتجاه.[1]