هل مجتمعاتنا تصنع الذئاب لتحكمها دائما؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3670 - #17-03-2012# - 19:47
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
انه التاريخ و فيه من العبر و الدروس لمن اعتبر، انها المجتمعات الشرقية التي تتحمل البحوث و الدراسات العديدة التي لا يمكن الدخول فيها او التوصل الى نتائجها في اي مجتمع اخر في البقاع الاخرى من العالم، انها الظروف الموضوعية و الذاتية المختلفة الموجودة في هذه المنطقة التي تفرض العديد من الافكار و التوجهات، و لا توجد في مناطق اخرى . انها العوامل ذاتها التي تدفع ربما بالشعوب و الامم ان تعيد نفسها بعض الشيء في الصفات و السمات و انما بشكل نسبي، او تحوي في طيات معيشة ابناءها ما توارثته من العوامل التاريخية السابقة، انها العصور التي تحوي على العناصر و الحوادث التي تكرر نفسها و تصنع المنتجات ذاتها بطرق و اساليب مختلفة . انها الشعوب و الامم التي تتميز عن الاخرى بسمات و تتميز بصفات اصيلة خاصة لا يمكن ايجادها في الاخرى و اختلقت لوجود العوامل الذاتية الموضوعية التاريخية الضرورية اللازمة لبنائها .
يقول جبران خليل جبران: ويل لامة تقابل كل فاتح بالتطبيل و التزمير ثم تشيعه بالفحيح و الصفير لتقابل فاتحا اخر بالتزمير و التطبيل . اي ما تعمق فيه المفكر العظيم جبران نتلمسه اليوم في اعادة الظروف و الواقع المعاش بسهولة في مجتمعاتنا؛ و التي تنبع من الصفات الذاتية اكثر من غيرها؛ و التي تجذرت و من الصعب استئصالها بين ليلة و ضحاها، بل يمكن تحقيق النتائج المشجعة في بدء عملية طويلة و معقدة لمحاربة ما وصلتنا الى ما نحن فيه، كي نصنع و نبني مجتمعا جديدا مختلفا ، و لكن بشكل تدريجي .
التخلف السائد على منطقتنا ليس وليد اليوم او الامس و لا يمكن اعتباره انبثاق مفاجيء في لحظة ما و في ظروف خاصة، انه ناتج طبيعي لوجود مسبباته الواقعية الطبيعية، و هو من نتاج التراكمات التاريخية المختلفة للمنطقة و في مقدمتها التوجهات و العقليات و الافكار ماوراء الطبيعية او الخيالية . مجتمعات فيها من المستويات الاخلاقية الثقافية الاقتصادية و الخصائص الاجتماعية المتباعدة عن البعض، فيها من لم يتورع عن اي عمل فضيع و مؤذي و فيها من يضحي من اجل ما يؤمن به او من اجل وطنه و غيره من الناس، و فيها من يعيش مسالما طوال حياته لا يخصه ما يتغير او في طريقه الى التغيير مهما كان او مهما لمس حياته، و هو ربما يؤمن بمباديء معينة مقتنع بما يكسب بجهده و عقليته و عمله، و فيها من يخلط بين المادي و المثالي و القديم و الجديد ويوثق ما يعتقده و يعمل على ان ينقل ما يعتنقه من الافكار الى الواقع بشكل ما . انها حقا مجتمعات لا تحتمل تعريف و تشخيص معين و متغير وفق المرحلة و ما يتجدد فيها، هناك مراحل تخص هذه المجتمعات يمكن ان يفتخر بها الانسان من العديد من الجوانب، و هناك اخرى لا يمكن الا ان تُنعت بصفات مبتذلة، مجتمعات جمعت بين الاسود و الخرفان في مراحل مختلفة، خلقوا احيانا الذئاب لتاكلهم و تنهشهم في النهاية، اما هذا المجتمع بذاته خلق الاسود واختار اشجع الاسود لتحكم فيهم .
اما في المرحلة التي نعيش، انها في اسفل المستويات المادية كانت ام المثالية، الى حد لا يمكن ان توائم اية متغيرات عالمية ، انها منطقة تحوي ما يدفع كثيرا الى حال يمكن ان تكمن فيها ما يشجع على ان يكون الوضع الاجتماعي مستقر لربما مصاحبا للوضع الاقتصادي و السياسي المعقد و بانتظار التغييرات الثقافية المطلوبة في اكثر الاحوال ، او تسبق الحالة الثقافية المتطورة الاوضاع الاخرى و تسحبها اليها بعد حين. اما ما تؤخذ عليها هو الاحتمال الوارد في استقرار السلطة السياسية بايدي الذئاب و العاجزين عن تسيير امور الناس بشكل مشجع و مطمئن لحد الان . و يمكن ان توصف مرحلة ما قبل الثورات بمرحلة التخلف و عصر الكبت و الاختناق و الاغفال و انتشار الصفات الخرافية و مانعة للتحديث و التجديد و منصاعة للظلم و الاستبداد، لترى نفسها اخيرا مجبرة على الانسلاخ من ما اكتسبتها طوال التاريخ و التوجه نحو ما يحررها لتعيش بحرية بعد الخلاص من الانظمة الدكتاتورية الشمولية، و على الاقل للخروج من فترة السذاجة التي مرت بها .
اليوم، اننا بصدد عصر جديد بكل معنى الكلمة، اننا نسمع انينا هنا و نرى بصيصا من النور في البعيد و نشم ما يؤملنا على ان هناك من الاراء العقلانية الواقعية التي تعتبر في نظر مثل هذه المجتمعات المعلومة الشكل و التركيب بانها شاذة عن القاعدة المعلومة من مرورها بمراحل التطور الكلي العام، فكم من افكار و اراء و توجهات و تعابير اعتبرت في مرحلة ما شاذة و غير قابلة للتطبيق و الاعتقاد و الاقناع او القبول النسبي على الاقل، بينما فيما بعد تعودت الناس عليها و اثبتت صحتها و التفت الناس حولها و اصبحت من الثوابت الان .
قبل ثورات الشرق الاوسط، لم تكن هنا في هذه المنطقة الحرية المطلوبة كي تتمتع بها المجتمعات من اجل العيش بامان و سلام لكي تنال الناس الراحة و الرفاهية، الا ان وعي الناس بمكامن و فوائد و ابعاد الحرية كان سابقا على تحققها عندهم، كما هو حال اليوم وما يعيشونه على الارض و ما هم فيه . و هذا بديهي على الناس ان يستثمروا ما كسبوه من هذه المنجزات الانية من الثورات، بينما الايجابي الوحيد الذي نلمسه بالوضوح التام و على العلن، هو ترسيخ الحرية من كافة جوانبها، و اليوم تفرق الناس بين الجلاد و الضحية و لا يمكن ان يُحترم الجلاد مهما كانت ادعائاته كما كان بالامس، و لم تبق الضحايا بعد الان تغلق على نفسها و تبعد عن الحياة و لم تنعزل، بل انها تنعكف على ايجاد الاحسن فيما هي تتمناه دائما ، بل تصرخ باعالي صوتها مطالبة بحقوقها و تناضل من اجل تحقيقها بكل السبل .
هناك ضغوطات شتى و بمختلف الوسائل على المجتمعات الثائرة، سواء من القوى التي تربصت بكل ما يبان او يتوقع منه المطالبة بالتغيير او وجود احتمال لعمل دافع لحدوث ثورات او المختفي تحت يافطات فكرية شتى يؤدي الى الانتقال الى مرحلة اخرى، وما هو الواضه هو انه الكل يجهد و يحاول ان يكسب الوقت لصالحه و من اجل تثبيت ما يؤمن به الان. و من الامور الشاذة التي تصر عليها الجهات الخيالية و التي تحاول ان تبتز الناس بما تعتقده، و هو محاولتهم باقناع الناس بما هو مخالف للعقل و المنطق و اجبارهم على تصديق ما يؤمنون به هم فقط دون غيرهم، دون ان يتركوا لهم مجال التفكير و التعمق فيما هم فيه محاولين ابعادهم عن الدلائل و العوامل المبشرة العقلانية و الانسانية، و هذا ما يدفع كثيرا بالاعتقاد على انهم ربما يدفعون الناس الى ارتكاب الاخطاء ثانية و من ثم تعاد عليهم المآسي باشكال و انواع و اسماء مختلفة، و هم ينشرون ماهو الشاذ بتعابير مختلفة و باسم الحلال و الحرام في اكثر الاحيان، الا ان كل المؤشرات لا تدلنا على نجاحهم في مهامهم .
من التقييم الصريح الواقعي السابق للمجتمعات الثائرة التي نحن بصدد قراءة واقعها بعد الثورات ، يتوضح لدينا بان هذه الشعوب لم تعد تتحمل الاغفال و الخداع، و اخرجت بنفسها من التقوقع الى الابد، و لا تقبل الانحسار و لا يمكن ان نصفها بالمجتمعات الساذجة في هذه المرحلة، و لا يمكن ان نعتقد بانهم المجتمعات التي تزمر عفويا لكل من يعتلي على اكتافهم بالحيل، و لا يمكن ان يقتنعوا بسهولة بكل جديد زائف ان لم يقتنعوا بما هو الاصح فيما يعرض على العلن . لذا و ان انحرفت الثورات من مسارها بشكل ملحوظ في هذه اللحظات ، الا انه لا يمكننا ان نعتقد ان تصبر المجتمع الواعي على الظلم و الاستبداد و الاحساس بالاهمال و الاغفال ، و به يمكن ان نتوقع تكرار الثورات او توحيد الجهود من اجل اكتمال الثورات او ايجاد الطريقة الملائمة لتصحيح مسارها، و انه لبديهي ان تستقر الثورات على ماهو الصحيح في النهاية، و لم تعد مجتمعاتنا خرافا كما وُصفت بها في المراحل السابقة لكي تتقبل اي واقع مهما كانت مرارته، على الدوام، او ان يتوقع احد بانها تخلق حكاما جائرين ذات الصفات الذئابوية بعد اليوم.[1]