حتمية مرور ثورات الشرق الاوسط بالفصول الاربعة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3663 - #10-03-2012# - 23:22
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
ان تسمية واقع البلدان التي اندلعت فيها الثورات و منذ بداياتها بالربيع لامر يفرض التوقف عنده بجدية و دقة متناهية ،من اجل تحليل المسمى بكل ما يحمل من معنى و جوهر، الا ان المرحلة و ما يجري فيها تتحمل العديد من الاوجه من حيث المتغيرات التي نتلمسها بشكل واضح، و من حيث التقييم للحال الموجود و مقارنتها مع ما مرت به هذه المنطقة في تاريخها ، و صحة التوجهات و الاقوال من تسميتها او وصفها بالربيع بكل ما يحمل هذا الفصل من الكمال و الجمال، ومن كل ما تحمل هذه البلدان و المرحلة ايضا من السمات و المميزات .
انه بمجرد التحرر و خلاص الشعوب من الدكتاتوريات الجاثمة فوق صدورهم لانتقالة كبرى في حياة الناس تستحق تسميات جميلة عدة، و يمكن ان ينتظر الجميع عند التغيير الفوري مايُنتج ويمكن به ضمان الحرية و الرفاه المنتظر، و يعولون على ضمان العيش بسلام و تجاوز المرحلة الصعبة بكل سلبياتها، و هم منذ مدة في انتظار هذه العملية التي تنقذهم و ينظرون الى الافاق المبشرة لعصر جديد، و يمكن ان يسمونه بالعصر الذهبي بعد طول المرحلة الخانقة، و يتوقعون تحقيق الاهداف الخاصة بهم اجلا ام عاجلا، الا انه مسالة وقت ليس الا و لا يمكن ان يُتنبأ بطوله و قصره احد بشكل دقيق و متساوي، في كل بلد، على الرغم من وجود بوادر سليمة للمرحلة الاولية المنتظرة من التغييرات المتوقعة، و لا يمكن ان ننتظر قفزة كبيرة و عابرة لكل ما تجسد في السنين العجاف لتلك السلطات الدكتاتورية بلمحة بصر او بخطوة واحدة و عاجلة. اي يمكن ان ننتظر و نمر بمراحل و ظروف و اوصاف مختلفة، و ربما نعتقد مرور هذه البلدان بما تتمتع به كل الفصول من الربيع و الصيف و الخريف و الشتاء و من ثم العودة و الوصول الى الربيع الدائم .
ان الكبت الذي عاشته الشعوب في هذه المنطقة لم تدع مجالا لديهم للتفكير و التمعن و التخطيط و اختيار الاصح في وقت قياسي، لا بل لم تكن هناك اختيارات الا البت في اية عملية لازاحة الانظمة المستبدة الغادرة كتلكم الموجودة في الشرق الاوسط منذ عقود. بداية شرارة الثورات و ان كانت مفاجئة للجميع لحد كبير من حيث التوقيت ، و بدات من دون تحضيرات مطلوبة مسبقة، الا انها كانت منتظرة من جراء افرازات هذه الحكومات التسلطية كما يرشدنا التاريخ به دائما. و هكذا جاء ما يولع الشرارة و ارتفعت الاصوات و دفعت الى ما شاهدناه بعدما طفح الكيل و وصل الى مرحلة خطيرة من الظلم و عدم تكافؤ الفرص للعيش و انعدام ادنى نسبة من العدالة الاجتماعية و العيش في ظل الغدر و الظلم المستمر لعقود .
انبثقت هذه الثورات من تحصيل تفاعل الذات بما يملك من الصفات من ما يمكن ان نسميه فتيل الثورة المخفية المصنوعة الموجودة من ذات الواقع و الظروف و التركيبة و الصفات التي تتمتع بها كل هذه الحقبات . لذا يمكن ان تكون تسمية الحالة و المرحلة نابعة ايضا من الظروف ذاتها التي وقعت لحين اندلاع الثورات، و الا لم نشهد لحد هذه الساعة ما يؤكد بان الربيع قد حلٌ فعلا، ان استثنينا بداية الانطلاقة و كسر القيود الذي كان اشبه ما كان بمطر الربيع و انتظر الجميع تفتح الزهور و عبق العطور، و بالاخص المتفائلون و المعانون اكثر اندفاعا لما توسموه من الثورات و حصول التغييرات المطلوبة . استنادا الى المعادلة التي تدلنا الى انه كلما طال و اشتد الظلم و التنكيل و التوهين و لم يلق الشعب طريقا على ارض الواقع للتحرر، سوف يتوجه هذا النوع من الشعوب و في ظروف كما هي الحال و ما تعانيه في الشرق الاوسط، فانه يتعلق بافكار و اعتقادات لما تعتقد هذه المكونات او الفئات بانها تنقلها الى واقع ما يمكن ان نسميه خياليا او ما ورائيا، و هي تفكر فيما عسى و لعل تحصل به على ما ينقذها من الحالة الميؤسة التي تعيشها . فبه، نرى ان الاكثر روحانيا و خياليا من هذه الفرقاء اعلى اندفاعا و تضحية من اجل كسح ما يجري و الوصول الى القشة التي تنقذها من الغرق المحتوم ، و به ستكون النتائج وفق المشاركات لصالحها و ليس بشرط ان تكون هذه النتائج مثالية و من المفروض ان تكون ملائمة للجميع، كما نتلمس ما وصلته البلدان الثائرة لحد الان .
بعد فصل الربيع ، نتلمس في بعض من هذه البلدان بوادر الوصول الى فصل الصيف و انقضاء الربيع القصيرالامد بسرعة و بشكل نسبي، و حرارة هذا الفصل ربما تختلف من بقعة ثائرة لاخرى، الا انها بالتاكيد فارضة نفسها و لا تقبل التاثير المباشر على مسيرة الثورة فقط ، وانما سياخذ هذا الفصل وقتا معينا و لم يدع فسحة مطلوبة للتاني و التمعن و الاستناد على هدوء الاعصاب في القرارات المصيرية مهم علم المعنيون مسبقا بخطا خطواتهم و توجهاتهم .
لكون هذا الربيع المسمى منذ اول الحظات قصير، فلم يزهر جيدا او كثيرا، و لذلك يمكن ان تعيش هذه الشعوب صيفا جافا مخلفا ورائه صحاري قاحلة، الا انه سيتغير في مرحلة ما حتما مهما طال، و سنعيش خريفا ربما طويلا ايضا . اي على الرغم من قلة الاوراق لربما تسقط ما نبتتها الاشجار من الانصال العريضة او حتى الرفيعة لهذه الاوراق القليلة اصلا، اي ما تحتاجه الشجرة من التغذية بواسطة هذه الانصال لا تكفي المتغيرات . فقلة الخدمات و مصادر التغذية و عدم تكاملها سيجبر المواطن البسيط على اعادة النظر فيما اقدم عليه و الوقوف ضد كل ما يمنعه من الوصول الى مبتغاه و احتياجاته البسيطة. و مهما كان الخريف قاسيا الى ان الشتاء قادم و اول زغات المطر و نسيم الهواء العليل بداية الشتاء يمكن ان تعيد الامور وبها تضغط على الكل و ستضطر كل الجهات الى اعادة الحسابات الاولية التي التزمت بها من اجل تنظيم اوضاعها و ترتيب الاوراق الخاصة بها لاستقبال الشتاء القاسي القارص بما فيه من عوامل تصفية للحسابات و الامور، و سيختفي الجفاف و تملأ الامطار القنوات مياهَ كافية من اجل الربيع الدائم المنتظر حقا .
اي، كل ما يمكن ان نستلهم من هذه الثورات ، هو وجود الفوضى الخلاقة بداية و انبعاث قوى خيالية و لكن لمدة و كما اعتقد قصيرة و من ثم تخفت بريقها و تترك المجال تدريجيا للقوى الواقعية كي تتسلم المنصة و الحكم في الفصول المتتالية التي تتبعها . الاسواق السياسية المفتوحة ستكتفي ببضائع اصلية قابلة للتداول، و طويلة لفترة مدة الاستهلاك لها خلال العصر الجديد . الاهم مافي الامر هو الوصول الى عصر الربيع الدائم المتميزالمنتظرو المتسم بصفات هذا الفصل الجميل المعطاء عاجلا كان ام اجلا، و مهما كانت العوائق و الموانع الرئيسية و الجانبية ، فالثورات يجب ان تمر بالفصول الاربعة كامر حتمي اذا.[1]