ما هي رهانات الشباب في العراق اليوم ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3651 - #27-02-2012# - 18:44
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا يختلف اثنان في مواقفهم و ارائهم على ان الشاب العراقي من الجيل الذي ذاق الامرين في حياتهم السابقة، و قد تحطم في العديد من الجوانب الحياتية العامة له، فلم يروا في حياتهم ما يمكٌنهم من الراحة النفسية الجسمية المطلوبة طوال المراحل التي مروا بها كي يعيشوا حياة طبيعية بسيطة كما يتمنى اي شاب في الحياة . هذه ماساة ليست وليدة اليوم و انما مرت بها الاجيال السابقة، شباب الحرب المتعاقبة التي فرضتها الدكتاتورية المقيتة في التاريخ الحديث .
اما اليوم و بعد سقوط الدكتاتورية التي انهكت حياة الشباب لعدة اجيال، و هم اصيبوا بخيبة امل كبرى بعد ان علٌقوا كل امنياتهم بسقوط البعث و صبروا لما قد ياتيهم من الفرج بعد الشدة و الضيق، و للاسف لم يلقوه لحد اليوم بعد ما انقض الارهاب على حياة الناس من خلال التفجيرات المتكررة المؤثرة على الحياة العامة من كل جوانبها و كذلك عدم استقرار السلطة و انعدام الالتزام بالقانون . و هكذا اشتد بهم الضيق و زاد اكثر، فمنهم من ترك البلاد مرغما او خوفا و منهم من لاقى حتفه ومنهم من اعيق جسديا، هذا عدا الوضع النفسي المتردي و الكبت الدائم نتيجة الحروب التي اشعلها الدكتاتورية و الظروف المعيشية المهلكة و بعد ان واجهوا ما لم يتوقعوه بعد السقوط، زادت الطين بلة .
لو كنا اكثر واقعية في تقييمنا لحياة الشباب لبيٌنا ان هناك ما يستوحي لنا بانه حصل تغييرا ولو ضئيلا في هذه المرحلة، و لكن الارهاب لم يدع تحقيق الاحلام سهلا و ان يصل الشاب لمستوى يحثه على ان يعيد النشوة و الحيوية اليه و ان ينعش و يعيش حياته الطبيعية كاقرانه في اكثرية دول العالم .
لقد تغيرت مزايا و خصوصيات الشباب و متطلباتهم و ما يدعهم مترفهين و سعداء مقارنة بالاجيال الماضية، انه عصر السرعة كما يعلم الجميع، و المرحلة في حالة انتقالة الى وضع و واقع مغاير بشكل مطلق من جميع النواحي، لما فيه من المثيرات و المحفزات المادية و المعنوية، و اصبح الاحتكاك و التلاقي فيما بخص الشباب على اشده على ارجاء الصقيعة و بسهولة و يسر، بحيث لم يدع هذه الوسائل المتوفرة حاجزا بين الاجناس و الالوان في العالم، و اصبحت الاحلام و الاماني المختلفة الى حد ما متشابهة و متقاربة بينهم، و ذات النوعية من الحياة تفرض نفسها، ان استثنينا العوائق الطارئة التي تبرز هنا و هناك نتيجة الظروف الموضوعية و موروثات التاريخ الفكرية العقيدية الدينية و ما يؤخر و يقدم التغيير زمانيا. الا ان هذه الحواجز لم تقف حجر عثرة مانعة لوصول الجيل الجديد الى التساوي و التشابه في سيرة حياتهم و متطلباتهم و احتياجاتهم و ظروف حياتهم العامة . تطورات العصر لم تنحصر بمكان دون غيره، اي تغيير ولو صغير في اية زاوية في العالم ستكون له افرازاته و امتداداته و صداه و انعكاساته على الصعيد العالمي و على كافة بقاع العالم الاخرى. بعد الحرية النسبية التي فرضت نفسها على حياة الناس في العراق ما بعد الدكتاتورية ، فان الشاب هنا لم يبق بعد في خارج المعادلة و هو يعيش في خضم ما يفرزه العصر و ليس كما كان من قبل من وضعه المنعزل المتقوقع في زاويته الخاصة مراقب و محاصرمن قبل السلطة الغشيمة . رغم الثقافة و الكلتور و افرازات السياسات العنجهية للدكتاتورية البغيضة التي لازالت لها تاثيراتها المتبقية على الحياة العامة و الخاصة للناس، الا ان الحالة التي كانت سائدة و فرضت نفسها على الشاب العراقي قد زالت مجرد بازالة الدكتاتورية شكليا، و خرج المارد من القمقم نهائيا و تحرر الناس شيئاما، و بدات الحرية و التعبير ما بعد الكبت الطويل الامد، و لكن ان كان التعبير ممنوعا عليه من قبل اما اليوم فان الاستماع اليه ممنوع او مهمل بشكل عام رغم الاستفاضة في التعبير .
ان الرهان الايجابي الاول للشباب يتوقف على ازاحة ما بقيت من تلك المعوقات التي انبعثت من عصور الحرب و تجذرت في عقليات و سلوك و تفكير الناس جميعا؛ و من ضمنهم الاجيال الشبابية المتعاقبة، و يتم ذلك بالانسلاخ الكامل من القشور الضيقة التي خاطتها العصور المظلمة، من الوضع النفسي المتردي و الاحساس بالنقص للشاب و الذي تاصل في سماته و اخلاقياته نتيجة طول مدة الايام الخوالي و كما فعلت فعلتها بتلقائية جراء الظروف الصعبة و ما مر بها، و هذه العملية التقشيرية الانسلاخية لاعادة التعقيم و الترطيب و التبرعم تحتاج لتخطيط وجهود الجهات العديدة من السلطة الى منظمات المجتمع المدني و المراكز الثقافية، و الى الشباب انفسهم و على مدى تقبلهم للواقع الجديد و ما يختارونه من ما يفيدهم من جميع النواحي و باية الية يختارون هم .
الرهان الثاني لهم مرهون بذاته على الشاب بنفسه قبل غيره، و متوقف على فكر و خطط و توجهات السلطة السياسة و ما يكمن ان يصدر منها من التعليمات و الافكار و الخطابات ، و كيفية تعاملها مع ما يخص حياة الجيل الجديد و مستقبله و التعامل مع طموحاته السياسية الثقافية الاقتصادية الحقة و الوسائل التي يمكٌنه من توفير الضرورات الحياتية و المحفزات المادية المعنوية التي تدعم انتقالته و اخراجه من وحل و عقدات الماضي الكثيرة، و شد ازره و ما يمكٌنه من ايجاد الطريق المناسب للوصول الى مبتغاه و تحقيق امنياته في الحياة بنفسه دون ان يستجدي من المكونات و التراكيب السياسية المتفقعة فجاة، و ما يمكن ان ينوجد من اجل الاهتمام به دون اي يمنوا عليه في كل صغيرة و كبيرة .بل هو اعمدة التغيير و يحتاج قبل اي شيء اخر الى خطط شاملة كاملة علمية دقيقة ليختارو لهم اهم الطرق و يتابع مسيرته و يعمل بجد و جهد مطلوب لتحقيق اهدافه بنفسه من خلال دعمه و ارشاده الصحيح بداية و من ثم اعتماده على نفسه في مسك زمام الامور و توجيه السفينة، و من دون ان يحتاج لاحد .
الرهان الاكبر لنجاح الشباب يقع على ذاتهم هم الشباب اليوما الواعية المتفهمة لموجودات و متطلبات العصر، اي يجب ان يخرجوا بانفسهم الى ساحات العمل و الوغى و يقفزوا و ينطلقوا من مواقع الانعزال و التقوقع و الخوف الذي زرعته الدكتاتورية في كيانهم، و عندئذ يكون لهم التاثير المباشر على كافة مفاصل الحياة السياسية الاقتصادية الثقافية الاجتماعية العامة، وعند مشاركتهم الفعالة في كافة امور الحياة العامة و بيان رايهم لاستثارة الراي العام في كل صغيرة و كبيرة سيحتلوا مواقعهم المهمة، و من اجل الضغط على المتنفذين كي لا يحسوا بانهم غير مراقبين او هم مطلقوا الايدي كيفما يعملون احرار كما هم لحد اليوم. لا، بوجود المعارضة الشبابية المبدعة الصانعة للمعجزات و الراي العام القوي المؤثر، لا يمكن للسلطة ان تستمر في غيها، و ستلتفت بكل قوة و حذر الى متطلبات الشباب و ما يخصهم قبل غيرهم. و هذا الواقع الذي يتطلع اليه المخلصون ليس بسهل، ربما صعب جدا في هذه المرحلة المعقدة و في ظل ما نجده من تدني مستوى الثقافة العامة و انعدام الخلفية المتنورة المطلوبة و التعاون و التنسيق لولادة راي عام ضاغط مطلوب في عصر التقدم .
هذا التوجه و الرهان سيفصل الشاب الواعي المثقف المتنور المتمكن النشط الذكي المتحرر من كل عوائق الماضي و التاريخ عن الكسول المترخي المتوكل المرتبط بالماضي و سلبياته و ملتصق بكل مالا يلائم التطور و المستجدات و متطلباتها . لو تحققت المتطلبات و توفرت الارضية و ترسخت بشكل ملائم و استوضحت الدوافع و تقوت التوجهات، يمكن ان نجد الشباب الواعي المتوائم المتقبل للتغيير و لكل جديد و هم يبنوا الكيان القوي الناصح المستقيم المفيد لهم و للجميع، و هو ما يغير الزمن و الحياة و يبني ما يوائم الجديد المتغير المستمر . رهان الشباب تقف دائما على كل جديد و متطور و عصري من الوسائل و الافكار و القيم من اجل التنمية و التطور المنشود في كل عصر، فما بالك باليوم الجديد. وبه سيتقدم البلد و تتطور الحياة المعيشية للجميع و تنتعش الشباب و سيعيشون عصرهم بمستجداته كما هو و بما يفيدهم و تزدهر به حياتهم و يقتربون من امتلاك ما يدعهم ان يعيشوا بسعادة و رفاهية منتظرة لهم، و هذا ما يجعلهم اداة ضرورية قوية و قيمة للانتقال الى مرحلة جديدة متلائمة مع العصر الجديد، و به سيزيحون ما خلٌفه الماضي الى الابد . اذن هذه الرهانات الرئيسية لشباب اليوم التي يمكن ان تتحقق، و تتغير بها حياتهم و حياة الناس جميعا، في العراق.[1]