هل من تغيير فوري بعد الثورات ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3628 - #04-02-2012# - 16:30
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
المجتمعات التي تشهد الثورات العارمة بعد طول القمع و الاستبداد و ما ثبت و فرض عليها معلومة الشكل و التركيب ، من حيث الثقافة و الوضع السياسي الاجتماعي الاقتصادي العام. انها في حال لم تحصل فيها تغييرات تدريجية او تحولات ملحوظة طوال المراحل السابقة من حكم الدكتاتوريات لاسباب و عوامل عامة واضحة للجميع . الكلتور الذي يتميزبه كل مجتمع و هوالذي يسيطر على كافة الحركات و التفاعلات الطبيعية له و فيه من السلبيات التي تقمع و تسقط كل تفكير سليم منذ بدايته، و الثقافة التي تتصف بها هذه المجتمعات بمستوى تمنع حتى التفكير بحرية في الذات و في الحياة الخاصة و العامة ايضا ، فما بالك في التفكير فيما يخص المجتمع بشكل عام او التفكير الفلسفي في الكون و الحياة و النشاة و ما يهم الفلسفة من اية زاوية كانت ، والمجتمع اعتاد على القمع و الاستبداد التي زرعت الخوف في عقلية و كيان الفرد و المجتمع و لم تدع مجالا للتمعن و التعمق السليم في وجود الذات و كشف الحقيقة و التوقف عند اي مسار لمسيرة الحياة، انه النظام السياسي و الوضع الاجتماعي و المستوى الثقافي و القدرة الاقتصادية التي كانت لها الدور الاكبر في شل الحياة و حركة الفرد بسهولة تامة مهما بلغت قوة ارادتهم في تلك المرحلة اللعينة .
ان كان الانسان مستغربا عن عقله و ذاته بعيدا عن نفسه بفعل افرازات و نتائج الافعال السياسية المعيقة، و الثقافة القمعية هي التي جعلتهم مجبرين على الاستناد على الافكار و التوجهات الجاهزة سلفا ،و هذا ما يجعل ان يضطر الفرد في الدوران في حلقة معينة ، فكيف به ان يخطوا لكشف ماهو غير المعلوم لديه من كافة النواحي التي تهمه و يهتم بها .
العلة الكبرى في تكرار الازمات و اشغال الفرد بالتفاصيل و الامور الصغيرة مهما بلغت قوةعقليته و اهتماماته الذهنية من قبل الانظمة و الاسياسات المتبعة، سيفسد تفكيره او على الاقل يتجمد على حال لا تقبل التغيير. و ان كانت الازمات في اكثر الاحيان وكما هو المفروض يجب ان تخلق الافكار الجديدة عند المجتمعات الواعية الصاحية و تساعد على الابداع عند البحث في ايجاد الحلول بالطرق المختلفة . اما في مجتمعاتنا، فان الازمات تشل و تثبط همم اصحاب العقليات الباهرة بل تشغلهم و تسبب لهم التراجع و عدم الابداع في مسيراتهم .
ان كانت مجتمعاتنا بهذه المستوى و هي تسير على هذا النمط و تتسم بما فرضته عليها الدكتاتوريات، فهل من المعقول ان نلمس ايجابيات التغيير بين ليلة و ضحاها، و فيها كل هذه العقد المتعددة الاشكال و الاصناف . ان كان هذا الكلتور و الثقافة التي فرضت نفسها على هذه المجتمعات في هذه المراحل الزمنية الطويلة، ألم تحتاج ازالتها او التخفيف في تاثيراتها لمدة زمنية كافية و ارضية مناسبة و عوامل مساعدة مع ازاحة العوائق الجديدة التي برزت بعد التغييرات الجارية بعد الثورات. لذا، يحتاج التغيير النسبي لجهد و ارادة و وقت لازم لمسح ما فرضه الماضي لايجاد الوسيلة المطلوبة للايلاج في كيفية العمل على بدء الخطوة الاولى . و لا يمكن ان ننتظر التحول الفوري، و خصوصا، مصالح الجهات المختلفة ذات الصلة بالحياة العامة هي التي تفعل ماليس لصالح العملية في اكثر الاحيان .
ان كان الاعتماد على العاطفة في امور الحياة لدى كافة مستويات الشعب سهلا، و القدرة على اتخاذ طريقة لبناء القرارات المختلفة باي شان كان يمكن ان يسير بيسر في اكثر الاوقات، فان الاستناد على العقل و التفكير العقلاني الصحيح يواجه صعوبات في بدايات اية عملية معقدة كما هو حال الثورات العفوية التي تشهدها المنطقة والتي لم تكن مخططة و مجهزة من قبل ، و جاءت بعد الكبت و القمع الخانق و الاحتقان التي لا تسمح للتهكنو التوقع الصحيح و التحليل الناجح حول المعادلات التي يمكن الوصول بها الى نتائج منتظرة ، لا بل لا تقبل حتى التركيز على ما تتطلبه المصالح الذاتية من قبل الافراد بشكل واضح و سليم .
بعد تهدئة الامور و تصفية الحسابات الانية و الوصول الى الركود نوعاما، سيعيد كل فرد حساباته و يمكن ان يبدا من جديد في اتخاذ الخطوات و التفكير في وسط صحيح و على ارضية مناسبة، الا ان اتخاذ ما يمكن ان يكون عكس ما تنتجه الثقافات السائدة و الافكار و العقليات المسيطرة يحتاج لجهد و وقت و ربما يطول هنا و يقصر هناك وفق طبيعة و سمات كل مجتمع و خصوصياته . اي التغيير السليم السوي يبدا بعد ضمان الحرية و بناء الثقة بالنفس، و هذا لا يمكن التراجع عنه مهما بلغ شدة المتنفذين الجدد من القوة و العزم على انحدار مسار الثورات لغير ما اندلعت من اجله . و ستحقق كل ثورة اهدافها بعيدة المدى في النهاية. و لكن لا تغيير فوري و جذري كما يتوقعه المواطن، وكما يحصل في هذه الاونة، و انما يجب العمل على منع زرع الياس في نفوس الثائرين لاغراض سياسية عقفيدية ايديولوجية معينة، دون الاهتمام بالاهداف المصيرية العامة لكافة طبقات و قطاعات الشعوب من قبل من يعتلون سدة الحكم كما نلاحظه في هذه الايام بعد الثورات في الشرق الاوسط.[1]