ليس الا تبادل للادوار بين تركيا و اسرائيل
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3488 - #16-09-2011# - 13:23
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
كل ما يسعى اليه اردوغان في هذه الاونة هو استثمار موقف الشارع العربي العاطفي ازاء مواقفه العلنية و ارائه الاعلامية السطحية المتضخمة لاغراض ليس لما يعتقده المواطن البسيط اية صلة تذكر، الهدف و الغاية العظمى منه هو اعادة مكانة تركيا العثمانية و المجد الذي تحلم به منذ قرون و بالاخص بعد خيبة امل من دخولها الاتحاد الاوربي و بعدما خذلتها الدول الاوربية في مسعاها ، وهي تستغل في الوقت نفسه الضعف الواضح و الطبيعي في موقع البلدان التي حدثت فيها الثورات و ما تعيشه من التغييرات الجذرية و هيتعيش الان في مرحلة انتقالية، و لهذا تتردد هذه البلدان كثيرا في التعامل الصريح مع تركيا قبل التاكد من النية الحقيقية للصديق الحميم المخلص لاسرائيل و ما تنويه من اداء الدور الخاص بالراعي الكبير للمنطقة .
بعدما عاشت اسرائيل مرحلة طويلة لحدما من الامان و الاستقرار النسبي بعيدا عن الحروب الاستنزافية مع بلدان المنطقة عدا ما سببتها لها الصداع من الحروب المؤقتة لحزب الله و تحرشاته، و كل ذلك كان بفضل اتفاقياتها للسلام مع دول المنطقة، فانها تحس باهتزاز ما تبنته خلال السنين المنصرمة، و هذا ما يفرض عليها البحث الجدي في ايجاد الحلول الاستراتيجية و البديل المناسب لاداء ادوارها و ضمان استقرارها مهما كلف الامر. و عندما تيقنت اسرائيل من ان الثورات فرضت نفسها على حلفائها و المقربين منها و تاكدت من ان الجانب الاكبر ممن يلعب الدور الرئيسي في الثورات و ادارتها و يحتل المواقع الرئيسية في السلطات البديلة الجديدة هم من التيارات الاسلامية المختلفة التي لهم النقاط المشتركة و بالاخص حول القضية الرئيسية فلسطين و مواقفهم من اسرائيل، و هذه التنظيمات تعيش في ربيعها بعدما كانت مقموعة او ممنوعة من العمل في هذه البلدان . و في هذه الحال لابد للاسرائيل ان تبحث عن مخرج جيد و استراتيجي يضمن لها ما كانت عليه منذ فترة ليست بفليلة، و المهم عندها الغاية و ان تطلبت منها تلك ان تستعيض عن نفسها بمن يبقيها مطمئنة على مستقبلها، و الاضمن لاداء ذلك الدور من هو المقرب الوفي منها و الذي يمكن ان يكون البديل المناسب، و في هذه القترة و الاوضاع خير من يستعيض عن اصدقائها المقربين منها في المنطقة و من يؤدي الدور جيدا هو تركيا الصديقة الحميمة على الرغم من تصريحاتها الاستفزازية و مواقفها الاعلامية و ما تعلنه جاهرا على الملا، و الجميع على العلم بان خير ما يضمن امن اي بلد و مستقبل شعبه هو ما يتفق عليه من وراء الطاولات و ما تتطلبه المصالح .
و عليه نجد بان منحنى شعبية اردوغان في الارتفاع الملحوظ لدى الشعوب العربية العاطفية، معتقدين بانه المحرر المنقذ الذي نزل من السماء اليهم بعدما ياسوا من سلطاتهم الدكتاتورية الفاسدة، و هنا يمكن ان نتاكد من ان التاريخ يعيد نفسه و انما باشكال و الوان مختلفة في اكثر الاحيان، ولا يعلمون ان ما تقوم به تركيا ربما باتفاقات سرية او نتيجة التقاء و ضمان المصالح الضرورية بهذه الطريق ولو بشكل غير مباشر، تتمنى اسرائيل ان تقود تركيا المرحلة المقبلة لما تذهب اليه المنطقة من الحياة السياسية الاقتصادية وبما تتلائم مع متطلبات العصر و لاسباب عدة تحددها المعادلة السياسية الموجودة في المنطقة و نوعية الصراعات التي تسيطر عليها. الصديق المخلص الوفي للامس القريب لا يمكن ان يخون اليوم لدرجة تضر بالاستراتيجية المهمة مهما خالف و تخالف على العلن، فانه يضطر للحفاظ على مصالحه اكثر من تحقيق اهداف و امنيات غيره، و السياسة تزيح المباديء كليا لدى حتى العصاميين احيانا. لهذا، نعتقد بان تبادل الادوار يكون مقنعا للطرفين ان ضمن نجاح المهامات و لا يمكن ان تكون تركيا اكثر طلبا و اصرارا عن تحقيق اهداف اصحاب الحق انفسهم. الطرف الاكثر اهمية في هذه المعادلة الجديدة هو المصر ذات الموقع الاستراتيجي الكبير و المحوري ، فان امنت و هدات ستؤثر على الاخرين بكل ما تملك من القوة و الامكانية و التردد التي تبديه السلطات المصرية الحالية ازاء التعامل مع المواقف المعلنة و بالاخص ما يمس القضايا الكبرى و الحذر الواضح البائن على محياهم و سلوكهم يبين عقلانيتهم في قراءة المرحلة الجديدة و ما تفرضه من المتطلبات الضرورية و التعامل مع الاحداث بعد التغيير، من اجل ضمان حياة شعبهم قبل اي شيء اخر .
ان المصالح التي تربط تركيا بامريكا لن تدع ان توصل الحال المعلن الان من خلافاتها مع اسرائيل الى ما يتوقعه البعض من المنتشين من اراء و المواقف الاعلامية لاردوغان، و يتصورون بان منقذا بدا يلوح في الافق و هو يتقدم لتحرير مقدساتهم و امتهم و يحل قضيتهم المركزية الاستراتيجية . هل يعلمون بان كل ما في الامر ان البديل الملائم لما يتوقع من صعود الرصيد اللاسلامي المتطرف هو المعتدل المناسب الضامن لامن اسرائيل و المجرب من قبل كي يقود هذا التيار الصاعد و ان كان بشكل غير مباشر، و خير دليل هو المطالبة بنظام علماني لمصر في عقر دارها، و هذا لم يكن موقفا فقط بل رسالة اطمئنان للاصدقاء و اصحاب الفضل على تركيا و رعاة اليوم، و الا فهل من المعقول ان يطلب قائد يعتبر نفسه مؤمنا و مبشرا و طليعيا و هاضما للفكر و الفلسفة و العقيدة الاسلامية و على الرغم مما فرضته عليه العلمانية التركية ان يطالب بما لا يؤمن به في مكان شهد التغيير حديثا و بعد ثورة ابناءه و هو في طريقه لتحديد الطريق التي يسير عليها، و ان كانت نسبة من ابناء تلك البلاد مهما كان عددهم لا يؤمن بما صرح به.
اذن اللعبة مكشوفة لمن يتمعن قليلا و من يدقق و يحلل المعادلات و ما برز الى السطح من المتغيرات و المستجدات و ما تذهب اليه المنطقة و ما ينويه كل طرف و ما يقع لمصلحة هذا و ذاك من اللاعبين الرئيسيين، و ليست المواقف العلنية الا لجس النبض و من ثم اداء الادوار المختلفة التي تقع على عاتق الجهات ذات الصلة اداءها. اننا نعتقد بان الادوار القديمة التي سارت عليها المنطقة و لكل من له مصلحة فيها سيؤديها اللاعبون الجدد بطريقة و اسلوب مغاير لما كان.[1]