هل تعتذر اسرائيل من الشعب الكوردي
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - #04-09-2011# - 00:28
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
في الوقت الذي قدمت اسرائيل هدية كبيرة لتركيا، و هي تضع قبل اية قوة او دولة اخرى جهازها المخابراتي المعروف بالموساد تحت تصرف المصالح الدولية و للاسف في مقدمتها الدول المنتهكة لحقوق الانسان و قامعة للحريات العامة، و بالاخص صراعاتها المتعددة هي التي جعلتها في اهبة الاستعداد لتقديم خدماتها الجليلة و مساعداتها الوفيرة لاصدقائها و منهم تركيا ، و لها الفضل الكبير في العديد من العمليات السرية لتحقيق ماربهم و في قمتها القاء القبض على القائد الكوردي المناضل اوجلان، وحدث هذا في زمن حساس جدا جدا و التي كانت الحركة التحررية الكوردية في ذروة نشاطاتها و هي تقدم التضحيات الجسام من اجل تحقيق اهدافها الحقة. فكانت دائما سباقة في العمل للمحافظة على مصالحها الاستراتيجية في هذه المنطقة، و كانت دائما في المقدمة ممن قدم لتركيا العون الغفير في صراعاتها مع المتنافسين لها طوال المرحلة السابقة . بعد ان تياست تركيا من قرب موعد انضمامها الى الاتحاد الاوربي و تيقنت انها لم تصل الى وضع و ظرف يهيئها جيدا و يوفر لها الفرصة المتاحة بسهولة للاسترضاء كافة اعضاء تلك المنظمة الدولية للبلدان الاوربية و ما يمكن ان تجني منها من الجانب السياسي و الاقتصادي . و بعد جهد جهيد تيقنت تركيا من صعوبة الوصول الى المبتغى فغيرت من وجهتها و ادارت نظرها و هي تامل في اعادة امجادها العثمانية من خلال العقائد الشبيهة و الافكار المماثلة التي التزمت بها تلك الامبراطورية في حينها و سيطرت بها على المنطقة بشكل كامل لقرون. و في الوقت ذاته تقرا تركيا ما هو عليه العالم اليوم و ما تغيرت اليه المنطقة هذه في كافة الجوانب بعد انقلابات وحيل و عمليات عسكرية و هي تعلم ما وصلت اليه هي بعد ان تيقنت من ان الوضع مختلف بشكل بحيث لم تعد الارضية متوفرة و سهلة بشكل يمكن فيها ان تعيد تركيا التاريخ العثماني لنفسه في هذا الوقت.
من جانب اخر، تحاول تركيا كسب ود العرب و التاثير على توجهاتهم و هي تعتقد في قرارة نفسها بانها تتمكن من قيادة بلدان المنطقة كما تشاء استنادا على العقيدة المذهبية و ما هي عليه من الصراع المحتدم المتشدد مع الاخر المخالف المذهبي ايضا . كان تغيير مسار الدبلوماسية التركية الى حد كبير مفاجئة و مكشوفة الدوافع لمن يتابع ما كانت سائرة عليه وكيف تغيرت الاحوال بشكل فاطع، و هي تتردد احيانا في بيان مواقفها، الا انها تبدي تحفظات شتى على مواضيع تفرض عليها اعتقاداتها الفكرية السياسية الخوض فيها ان كانت صادقة مع ما تعلن انها تؤمن بها و المصداقية هي التي ما تفرض عليها ان تكون في طليعة من يبدي المواقف الايجابية ازاء ما يكون لصالح المنطقة كما يجب، الا انها تناقض نفسها كثيرا، بحيث تدعي شيئا وتسير وفق منهج لا يمت بصلة بجوهر ما تدعيه من ايمانها العميق بمضمون المفاهيم الجميلة ومنها السلام و الاستقرار و احقاق الحق . لذا نرى ان الدول الاوربية لم تدع الابواب مشرعة امامها الى ان يتاكدوا من صدق نواياها و حسن افعالها من كافة الجوانب، و اليوم هي تعتقد بان علاقاتها مع اسرائيل عرقلتها من تحقيق اهداف سياسية اقتصادية تخص المنطقة و ما تمسها من جانب اخر. و من خلال اعادة قياس نسبة التوازن بين ما تحصل عليه من حالتها الان المعتمدة على علاقاتها الحميمية مع اسرائيل و ما يمكن ان تفيده في تغيير وجهتها او ما تتضررمنه، فيكون مقدار و نوعية المكاسب نسبية وفق متطلبات المرحلة، و تعتقد تركيا ان ثقل المكيال في الميزان يمكن ان يميل لصالح التقرب من مناوئي اسرائيل في هذه المرحلة، و لكنها مصرة على القبض المقدم لما تنويه من حصولها على الربح الوفير من اجل تحقيق المصالح الانية لها سلفا .
في المقابل ، اعتمدت اسرائيل على علاقاتها مع تركيا كدولة لها دورها الفعال و ثقلها و تاريخها من اجل الاتكاء عليها لضمان بعض الاهداف الانية و الاستراتيجية ايضا، وكذلك تحقيق النتائج الجيدة في علاقاتها في نهاية المعادلة السياسية التي تعتمدها في صراعاتها المختلفة في المنطقة و تعتبرها ند قوي و منافس خطر لعدوها التقليدي اللدود ايران الاسلامية .
استنادا على كل ما سبق اعتبرت اسرائيل المساعدة التي تقدمها لتركيا بمثابة الضمانة الكافية لتحقيق الاهداف القصيرة المدى في المنطقة، و كما فعلت اسرائيل كثيرا من اجل كتم ما تعانيه تركيا من المشاكل الداخلية العويصة، و تلافت الحديث علنا عما تقدم عليه بل عملت كل ما بوسعها من اجل تقوية مكانتها في صراعاتها . لم تتمسك اسرائيل بالمباديء الاخلاقية المهمة التي من واجبها كدولة عانت الكثير و قبل غيرها ان لا تغمض العين عنها ان كانت حقا صاحبة حق و شعبها مظلوم و تعرض للقهر و الظلم و الابادة الجماعية في تاريخه المعقد، و كان من المفترض ان لا تقبل او على الاقل ان لا تساهم في تعرض شعب اخر لمثل ما مرٌت به . و عليه مساعدة اسرائيل لتركيا في عملية القبض على القائد الكوردي اوجلان ضربة قوية لمصداقيتها في ما ادعتها طويلا من ما تعرضت لها من الويلات و الماسي العديدة، و هي نقطة سوداء في تاريخها الحديث، و دفعت الشعب الكوردي لعدم التعاطف و التضامن معها مهما حاولت مرارا من تبرير ما اقدمت عليه .
عندما يعتقد الكثيرون بان للاسرائيل الحق في المحافظة على امن و استقرار بلادها و هي تحافظ على حدودها و سيادتها و ضمان سلامة اراضيها،فان افعالها المعوجة هي التي تبعد تعاطف حتى القريبين منها و المشابهين لها في الظروف و الخصائص العامة. فان المعادلات الجديدة التي اعتمدتها تركيا دعتها ان تنظر لما يمكنها ان تلعب على القضية الفلسطينية من اجل المصالح و اعتبارها ورقة رابحة في الدبلوماسية و تحقيق المصالح و الوصول الى الغاية لتنظيم العلاقات العديدة المنوعة مع كثير من االطراف المعنية في المنطقة . في الوقت الذي تطلب تركيا من اسرائيل تقديم اعتذار حول ما اقدمت عليه من تعاملها مع اسطول السلام و من ضمنها السفينة التركية مرمرة، فكيف بشعب عاش القهر و الظلمو دولة محصورة من كافة الجوانب و تلجا الى طريق تساعد من يظلم الاخر المظلوم صاحب قضية و حركة تحررية نقية و قائد لملايين الناس و صاحب هيبة و كرامة و تتدخل في شؤونه، وهذه هي مساعدة صديق على حساب الاخر، و التي تعتبر من قبل المنصفين بانه فعل مشين في تاريخ اسرائيل الحديث اكثر من هجومها على سفن المساعدات التي يعتبرها البعض دفاعا عن النفس .
اذن الاولى باسرائيل و من اجل الحفاظ على مصداقيتها وهي ما تعلنه ليل نهارو ما تعلنه من انها تنطلق في سياساتها استنادها على القيم الانسانية التي تؤمن بها ،عليها ان تعتذر اليوم و في هذا الوقت بالذات من الشعب الكوردي المظلوم، و به يمكن ان يؤمن الجميع بان لهذا الشعب الذي كون لنفسه دولة مكانة و سمة يمكن انة تفتخر بها لانها تستند على المباديء الحقيقية للديموقراطية و تعتبر نفسها سباقة في الالتزام بهذه المباديء الانسانية على الرغم من صعوبة اوضاعها و ثقل كاهلها، و هي تنازع ما يحيط بها ممن تعتبرهم اعدائها التقليديين من كافة الجوانب.[1]