عقدة الحرب الباردة و تاثيراتها على متغيرات العصر
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3476 - #03-09-2011# - 17:23
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لا نريد ان نتكلم عن تاريخ الحرب الباردة و اطرافها و ما حدث اثنائها او الافرازات التي انبعثت منها و تداعياتها الخطيرة و الاعتيادية على السياسة الدولية و على عقليات الاجيال اثناء الصراع المحتدم في حينه او فيما بعد، و التي تتحمل دروس و ابحاث طويلة عريضة ، اما هنا اننا بصدد ما توارثنا من مخلفاتها و ما تعمقت من الخصائص و الصفات العامة حتى على سلوك المواطن البسيط و التي فرضتها تلك الحقبة على الواقع الاجتماعي الثقافي السياسي الاقتصادي و ما اتسمت به الجهات و الاطراف المختلفة و الملتزمين بما تفرضه ظروف تلك الحرب على الطرفين المتنازعين، بما فيهما من المواقع و الجهات و البلدان المختلفة من النواحي العديدة، و اللتان كانتا متقابلتين متضادتين من كافة النواحي، و لم يسلم من سلبياتها اي شيء حتى ما يمس الانسانية و مصير المجتمع الدولي، و لا زلنا نعيش و نعتبر لبعض المفاهيم التي ولدت و انتشرت في تلك المرحلة و اثرت على حياة الجميع في العديد من بقاع العالم، و هذا لا يعني ان تلك الحقبة لم تكن ذات ايجابيات ولكن هنا ليس بمكان لذكرها .
ايضا لا نريد ان نتكلم هنا عن مضمون الكتلتين و اعتقاداتهم الفلسفية و ما تعتمدان من الركائز الاساسية و المباديء الهامة التي لا توائم ما تؤمن به الاخر، و كيف اعتمدتها الناس في حياتهم الطبيعية اليومية ، و كيف تاثرت اعتقاداتهم الفردية و افكارهم الخاصة بمفردات و الادبيات السياسية الفلسفية الاقتصادية التي استندت عليها كل منهما، ان هذا المقصود من المحتوى يحتاج لبحوث و دراسات اكثر مما هي الموجودة الان، و منها باعداد غفيرة و مختلفة المصادر و القواعد التي انتجتها و اعتمدتها المراكز المختلفة،و الاغراض و الوسائل و العوامل التي دفعت لبيان راي و مواقف كل منهم حول ما مرت في تلك المرحلة المليئة بالاحداث.
لا نريد ان نتكلم هنا ايضا عن الصراعات السياسية القحة و كيفية تعامل الجهات مع بعضها في حينه، و لحد اليوم نعيش تحت تاثيرات ما مرَ بنا في تلك الحقبة و لا نزال في حال لم نخرج بعد من الدائرة الضيقة ذات الاطر المعلومة للتعامل مع مجريات الحياة و التفكير فيها .
و هنا ليس بمكان ان نتكلم ايضا عن ما تضمنه و اعتمدته تلك الحرب من النواحي الاقتصادية الثقافية الاجتماعية، و لا يسع ما نكتب لتلك و انما تحتاج تلك لدراسات هائلة و هذه هي التي تحتاج لجهود و وقت و امكانيات غير متوفرة في كل مكان و زمان ، و يقع في ايدينا بين اونة و اخرى كتابات قيمة و مختلفة لجانب معين لتلك الفترة و ما وصلنا منه اليوم و ليس بشكل شامل ملبي لنهمة التعرف على تفصيلات الحياة الدقيقة لتلك الحقبة المعقدة .
اننا هنا بصدد بيان ما اثرت من افرازات تلك الحرب و ماتضمنتها على سلوك و فكر و توجهات القادة و السيايين وكذلك على المجتمع في تعاملاتهم اليومية و اثناء مزاولتهم لاعمالهم الخاصة و العامة، و حتى انتقلت تلك الخصائص و السمات الى الاعمال و الافعال الادارية العامة و ان لم تكن لها صلة تذكر بالسياسة و الفكر و الفلسفة، اي اصبحت من اخلاقيات الذين كانوا تحت كنف اي طرف منهما و تمسكوا بها و اصبحت تلك الخصائص كجين وراثي ناقل لصفات تلك المرحلة .
ما يمكن ان اسميه عقدة الحرب الباردة تتضمن في طياتها مؤثرات و تحوي مجموعة من المفاهيم التي اثبتت و استغرقت وقتا و فرضت نفسها في كينونة كل جهة، و هنا يمكن ان نورد العناوين و رؤس الاقلام لتلك التي اصبحت من خصائص المنتمين لاي من الكتلتين و لا يمكننا الاسهاب فيه لاسبابه .
كانت هناك تجمعات و تكتلات، و التعاون كان محصورا ضمن اطار معين فيما بينهم فقط، و في المقابل كان العمل على نقيض ما يفعله الاخر مهما كانت اسسه و كيفما كان الجوهر لما يقدمه و مدى صلاحياته و مستوى استفادة الناس منه . و التعامل مع من يتردد و لم ينتمي الى الكتلة الخاصة باي طرف كان وفق نسبة و طول المسافة بينه و بين الكتلة الاخرى، و كان سلوك كل طرف مستندا على مقولة عدو عدوي هو صديقي و صديق عدوي هو عدوي من كافة الجوانب، و الامرٌ في ذلك هو رفض ما يقوم به الاخر و ان كان لمصلحة الجميع و الانسانية جمعاء، كان الاعتماد على الذات ضمن الحلقة المعينة و محاولة كسر و تحطيم ما ينتجه او يستنتجه الاخر باي ثمن وعلى اشده، اي رفض الاخر بشكل مطلق بكل ما فيه و ما يمتلكه .
اصبحت هذه الصفة التي يمكنا ان نسميها اليوم العقدة(عقدة الحرب الباردة) مستقرة في عقلية العديد من الاجيال، و مرت علينا حقبة غير قصيرة بعد الانتهاء النظري للحرب الباردة و على الارض ايضا كما يُدعى على العلن، الا ان كل الافعال و المواقف السياسية التي تتبناه الاطراف العديدة اليوم تشير الى انها مرحلة السبات و ليس الفناء و لم تمحى تلك الحرب لحد الان كما نرى ملامحها في العديد من المواقف المختلفة، و ربما ستندلع بشكل و صورة اخرى لو استكملت بناء مستلزماتها المطلوبة و تعافت اطرافها ان لم تثمر افكار و نظريات و فلسفات مغايرة جدا لما نحن فيه اليوم في مرحلة ما، على الرغم من تغيير المسارات المختلفة و التخلخل في التوازنات كما يحاول كل طرف ان يبقيها لجانبه من اجل بقاء ثقله المطلوب .
لذا، اصبحت هذه التصرفات و التوجهات و السلوك مستقرة في عمق تفكير الجهات المختلفة المتعلقة بتلك الحقبة و توارثتها الاجيال و تتعامل بها وفق المصالح التي تفرض نفسها، و يمكن ان نسميها حقا عقدة الحرب الباردة كمفهوم ربما جديد .
ما يهمنا هنا و ما ننويه بيانه هو تاثيرات تلك العقدة على التغييرات المستمرة و المتغيرات في جيمع مجالات الحياة، و هي تمس جميع القوى و الاطراف و الجهات المنتمية لكلتا الكتلتين او خارجهما، و لازالت تفرض نفسها على ما يتسم به العصر، سواء من الناحية السياسية و العلاقات العامة للبلدان و توجهاتهم او المرتكزات الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية بشكل عام .
اوضح و اقرب مثال لتاثيرات هذه العقدة على المرحلة الحالية، هو تعامل الجهات المختلفة من بقايا الحرب الباردة مع ثورات العصر و نظراتهم لكل منها و الطرق التي سلكوها و التوازنات التي ارادوا البقاء عليها على حساب تضحيات الشعوب الثائرة و النابعة من العقدة اللعينة.
اي التعامل و التفكير ازاء متغيرات العصر بالوسائل و العقليات القديمة الجديدة و وفق القواعد الراسخة في عمق النظريات التي اعتمدت دون ولو تغيير بسيط في الشكل و المحتوى. هذه هي اكبر و اصعب الاشكاليات لما تواجه ربيع الشرق الاوسط، و الكل على امل بالانتقال الى المرحلة المقبلة مهما تطلب من الوقت وان تخفف من اعراض تلك العقدة و يمكن ان ننقل العالم اجمع حينئذ لمرحلة مابعد الحرب الباردة، و لا يخص هذاجهات معينة فقط .
المفيد في هذه الاونة التي يعيش فيها الشرق الاوسط بالذات محاولة الابتعاد عن كل تفكير و تحرك يقود الى تلك العقدة المستديمة، وو الاولوية المطلوبة هي الاهتمام الخاص بما يفيد التحرر من ربق الدكتاتوريات اولا كبداية مرحلة جديدة و خالية من سلبيات الماضي و من ثم التاكيد على ما يهم الشعب من التوجهات و الافكار و الفلسفات المعتمدة.[1]