كيف نقرا مواقف روسيا و امريكا حول ثورات العصر
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3474 - #01-09-2011# - 23:47
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
بداية و قبل كل شيء لابد ان نذكر ان القوى العالمية لم تكن تتوقع ان تقع هذه الثورات في هذه المرحلة بالذات، و هي تفاجئت من كيفية و زمن حدوث الانتفاضات الثورية في الشرق الاوسط، و التي ازاحت حكومات موالية و معادية لهم مهما ادعوا غير ذلك، وهي لازالت مستمرة لحد اليوم، وما تلقوه من ردود افعال الشعوب المختلفة من ما قامت به الدول المختلفة من تعاملاتها مع الاحداث و مواقفها المتناقضة مع الثورات اجبرت العديد منهم اعادة النظر فيما هم ذهبوا اليه بداية، و هذا لا يعني انهم لم يتوقعوا حدوثها او لم يدرسوها من قبل و لم يحللوا ما تصل اليه المنطقة بعد التغيرات المختلفة من الظروف الاجتماعية السياسية الثقافية في وقت ما و التي انتظروها و توقعوا ان تكون مستمرة من خلال المراحل التي لم يظنوا ان تكون في الوقت الراهن، لذلك لم يعملوا بشكل جدي من اجل ما نحن فيه ومن اجل ما يمكن ان يتغير اليه الشرق الاوسط باكمله وحتى هم من كانوا يأملون ذلك منذ مدة ليست بقصيرة، و خططوا من اجل ذلك كثيرا، الا الازمات العديدة التي حدثت هي التي اخٌرتهم في اشعال الشرارة المطلوبة لها. لذلك يجب ان نتكلم عن المواقف الانية لتلك القوى استنادا على ردود الافعال المبنية على الصدمة و المفاجاة التي حدثت لهم و ما جعلتهم يتخبطون كثيرا وماهم فيه من العبثية الواضحة على مواقفهم و تفاعلهم مع ما يحدث . يصح ان نقول ، انهم رجحوا انطفاء الشرارة و توقعوا عدم خصوبة الارضية اللازمة لنجاح مثل هذه الثورات وفق نظرياتهم التحليلية العديدة و النابعة من ما توصل اليه علمائهم و منظريهم من المواقف و النظريات الفكرية السياسية لما يمكن ان يصل اليه العالم، و هذا ما فرض عليهم المواقف المتناقضة لما حدث على الارض تجاه الثورات و الانتفاضات المتسلسلة، و هذا ما يوضح لنا بالدليل القاطع ما وراء تلك المواقف و كيف تنبثق بشكل عشوائي .
اراء و مواقف و توجهات امريكا في هذه المرحلة التي تعاني من ثقل الازمة الاقتصادية الجبارة الخانقة التي هي فيها، و هي تخطوا و امامها مناظر عاتمة صنعتها تلك الازمة و اولوياتها هي الخروج ومن تلك الاغلال المميتة و انقاذ نفسها، و همها الاول هي الانتعاش الاقتصادي المؤمل حدوثه و تفعل كل ما بوسعها من اجل ذلك، لذلك لم نسمع منها الكلام الحاسم في اية ثورة في الشرق الاوسط منذ اندلاعها، و هي تسير وراء الاحداث و تتخذ من الخطوات بما يفيدها في اكثر الاحيان، و لذلك تتاخر دائما في بيان توجهاتها و مواقفها و ربما تكون بعد فوات الاوان و تضيع الفرص، و لكنها تعيد الكرًة و تعمل على تنظيم و تصفية و ترتيب الاوراق في اخر المطاف بعد ان تحس انها تخسر الكثير لو لم تتدخل، و تقدم على خطوات نابعة من ايمانها العميق بحتمية الشرق الاوسط الكبير التي تروج له منذ امد طويلة، و تنظٌر كثيرا من اجل ذلك من الصراع الحضارات و الثقافات و تحلل ما تستقر عليه الاوضاع، و هي تتوقع انها تكون في طليعة ما تقع لصالحها سياسيا و اقتصاديا و ثقافثيا و تعتبرها من استراتيجياتها الهامة .
اما روسيا في المقابل و معها احيانا الصين متوافقان في اتخاذ بعض الخطوات، و هي لازلات تحت تاثير التراكمات و المخلفات المعوقة المتبقية امامها من خلفية ما تركها لها الحرب الباردة و ما توارثتها من كافة الجوانب، وهي في محاولاتها المستمرة لاعادة مكانتها المرموقة ابتداءا من الانتعاش الاقتصادي ، و اصرارها على ان تبقى عند مستوى الدولة العظمى التي تفتخر بها و تريد ان تعيد هيبتها، في الوقت التي تحس بالنقص من ما هي فيه من الواقع المزري في كثير من الجوانب، و هي تبحث و تتعامل مع الاحداث و القضايا العامة انطلاقا من نشوة الماضي و تتفاعل مع المستجدات بطرق مختلفة و تصطدم في اكثر الاحيان بالعراقيل الكبرى من ما هي فيها من الواقع غيرالسهل، وهذا ليس بدافع لها ان تعتقد انها يمكن ان تنظر الى ما يحدث بتروي و هدوء و عقلانية اكثر، و لا يمكن ايضا ان تفكران الابواب مشرعة لها كي تتعامل بما يحلو لها، و هي تحلم في انهاء هذه المرحلة التي تعتبرها المتنقلة لها لاكمال دورها العالمي و الخلاص من فترة النقاهة التي هي فيها. الا ان تنسيقها الواضح في بعض الامور مع غريم الامس و قريب اليوم الصين الاقتصادية الجديدة تعتبرها طريق واسع لتقريبها من نهاية مرحلتها و ما هي فيه و تعمل ما تقع لصالح مستقبل شعبها، و هذا من حقها الطبيعي.
من هنا يمكن ان نقول ان روسيا يجب ان تفكر مليا فيما يهم الشعوب و ان لا تعيد اخطاء الماضي من هذا الجانب، و لا يمكن ان تعتمد على سياساتها الكلاسيكية في تعاملها مع الثورات المتتالية في الشرق الاوسط كما كانت من قبل و ما فعلت مع الحكومات المختلفة فيه، و ما يحزننا ان روسيا تتخذ من الخطوات اعتمادا على الردود الافعال تجاه القوى الراسمالية الغربية الكبرى، و تعتبر ان هذه التعاملات و التفاعلات هي التي تقع لصالح استراتيجيتها و مصالحها البعيدة المدى، و هذا ما يزيد الطين بلة و يجعل من مصالح الشعوب الحقيقية ضحية لتلك الصراعات الدولية و تقع لغير صالحها في النهاية. بدلا من تصحيح المسار لما اتخذت من الخطوات الخاطئة اثناء الحرب الباردة في المرحلة السابقة فانها في بداية تكرار اخطاء التاريخ . هذا لا يعني ان مواقف الدول الراسمالية الكبرى تكون مبنية على مصالح و اهداف الشعوب المغدورة التي تعاني من الدكتاتورية اكثر من مصالحها الذاتية ، بل الاول و الاخير في تلك المواقف هو من اجل مصالحها وما يهم شعوبها فقط، و الدليل هو الازدواجية و التناقض البين في مواقفهم ازاء الثورات المختلفة لشعوب المنطقة ذاتها و ما تدعمه على النقيض مما تدعيه من الحكومات السلطوية الدكتاتورية و حتى المتخلفة منها لانها تمس جوهر مصالحها الحيوية .
هذا يعني ان موقف الجانبين الروسي و الامريكي ليس في محله و لا يمت بصلة بالمباديء الاساسية و القيم الاساسية المهمة للانسانية جمعاء، و لا للمفاهيم التي تدعيان التشبث بها في السر و العلن و تعتبرانها تهم مستقبل و جوهر مصالح الشعوب و الانسانية كافة، سواء كانت المصالح الذاتية هي التي تفرض عليهم ما يتخذون من الخطوات و ما يمكنهم من الخروج من الوحل و عبور المرحلة المتازمة التي هم فيه من كافة النواحي، او ما تتطلبه صراعاتهما الخفية و ما تفكران فيه و لم تخرجا لحد الان من عقدة الحرب الباردة .
من هنا، سيبقى لنا ان نذكر ان تلك المواقف تكون ذات ايجابيات تنعكس على مستقبل الشعوب بعد نجاح الثورات ، بحيث تبقى ثوراتهم خاصة غير قابلة للتاثر بما يتطلبه الاخر الاقوى او اي كائن كان خارج الحدود ، و تكون نقية نظيفة معقمة من كل شائب و هذا ما يقع لصالح مستقبل الشعوب الثائرة لوحدها قبل اي اخر ومن ثم يفيد الانسانية في النهاية من دون بقاء التبعية التي فرضتها الظروف السابقة، اما السلبية الانية و المؤقتة هي صعوبة المرحلة و العمل الاني و اطالة مدة الثورات و تعقيداتها، و يمكن ان تتطلب تضحيات اكبر، و لكن الارادة الاقوى و العزيمة الاشد تُنجح الثورة و تُزيح العوائق المرحلية .
اهم ما في الامر و في هذه المرحلة بالذات و يكون موضع الافتخارللشعوب الثائرة هو استقلالية الثورات و حياديتها ، و التي تعتبر من اهم الصفات العصرية التي لم تكن الثورات السابقة تتمتع بها كثيرا، و هذه الصفة الجديدة المهمة التي تقع لصالح الشعوب و السلطات التي تنبثق منها، و في النتيجة هذة هي التي تعيد التوازن الى العلاقات الدولية العامة و المتفرعة و السياسات الدولية المتعددة ، و ستعود بالخير لهذه المنطقة و تحفظ لها ثقلها و مكانتها و ستوفر امامها فرص التقدم و التطور و ما تدفعها الى التغيير الجذري الشامل مهما تطلب الوقت، و في النتيجة ستفيد العالم و الانسانية بشكل عام.[1]