ما جوهر الثورات المندلعة في المنطقة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3393 - #11-06-2011# - 21:59
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
لا يمكن تعريف او تسمية الثورات المستمرة منذ اشهر بانها وطنية تحررية خالصة فقط دون التعمق في جوهر ما يجري و تحديد الدوافع الرئيسية ورائها، و دون تسمية ما نحن فيه على مسمياته الحقيقية،ما نلحظه من محاولات البعض ادلجة هذه الحركات و ما انطلقت من الثورات سواء لاسباب و مصالح مجموعات او جهات دون اخرى او لاهداف عالمية معروفة .
في حقيقة الامر، لا يمكن ان نقرا ما نحن فيه بشكل سطحي دون العودة بالذاكرة و حتى بلمحة بصر الى الثورات التي شهدتها العالم في التاريخ الطويل لها و الاغلبية المطلقة منها و ان لم يُنظر اليها كما كانت و ما جرت عليها فانها كانت نتيجة الظلم و الغدر و ما نتجت عن الفروقات الطبقية من اللامساواة قبل ان تكون ثورات شعبية وطنية شاملة.
فلناخذ الثورة الامريكية قبل غيرها لانها انتجت ما يعرف اليوم بالراسمالية العالمية و هي ام النظريات في بيان الفروقات الطبقية و ملهمها، ولا يمكن ان نقرا ما نحن فيه و ما وصلنا دون الاشارة الى التغييرات التي جرت على الاصل دون ارادة الاكثرية، فكانت هذه الثورة ضد الفقر اصلا و هي لم تحمل شعارا معينا غير الحرية و المساواة ، و عالجت دستور بنسلفانيا عام 1776 قضية المساواة الاجتماعية قبل ان تشير الى اي مبدا اخرو قبل الخوض في الاستقلال الوطني اصلا، اي الثورة قبل ان تكون ضد بريطانيا فقط كما يدعي المنظرون الراسماليون اليوم فكانت ضد الاغنياء في الولايات الامريكية، و الدستور اوضح بشكل جلي بان الحق في ان لا تسمح حكومات الولايات الامريكية لافراد معينين فقط امتلاك مساحات شاسعة من الاراضي، و ركز الهدف هذا و صقلها فرانكلن بحيث دعى الى ان على كل فرد ان لا يملك اكثر مما هو بحاجة له، و البقية يجب ان تكون ملك الولايات بذاتها، و هذا لا يعني بان امريكا لم تنحرف لحد اليوم عن الاسس التي تبنت عليها ما تملك الان من النظرية و التطبيق، فكيف تغير الامر فهذا امر اخرو فيه من الكلام ان اردنا الغوص فيه يحرفنا عن الموضوع، و خاصة بعد ترسيخ نظرة هاملتون الى الاقلية و الاكثرية و ايمانه بتجسيد عملية بقاء الحكم بيد الاقلية المتمكنة وفق ما كان يؤمن به من احقية الاقلية للغلبة الثقافية و ما يمكن ان تاتي به من الاحكام البعيدة المدى المناسبة و الملائمة و الصالحة للجميع حسب اعتقاده.
اما الثورة الفرنسية فانها رغم كونها تتميز عن غيرها من حيث مميزاتها الثقافية الا انها لم تختلف في جوهرها عما كانت تحملها من الدوافع التي اتسمت بها غيرها من الثورات في العالم، و العامل المشترك دائما هو الفروقات الاجتماعية و ما يمكن ان نسميها الفروقات الطبقية بعد تصنيف المجتمعات و بيان تركيبتها في تلك الازمنة.
و هنا، فليس من الضروري ان ان نذكر ما جاءت به الثورة الروسية و ليس بداع ان نوضح ذلك لانها امتلات العالم كلها بهذا الموضوع و ما الت اليه، لحين انهيارها و تفكيك المعسكر الاشتراكي لاسبابه المعلومة ايضا،لانها هي التي اوضحت و بينت ما نحن بصدد ذكره من جوهر الثورات الاخرى و ما نحن فيه الان في المنطقة بشكل مطلق، و ما اكدته من ان الدوافع الطبقية هي الغالبة على اندلاع الثورات قبل غيرها من الوطنية و القومية. و هناك ثورات عدة متفرقة في العالم و ان لم ترتق بعضها لحال ان ندعي بانها غيرت الواقع كما هو حال الثورات، الا انها لم تكن باقل من الاخريات كما هي الحركات التحررية المختلفة في العالم، و الشرق الاوسط و ما يتميز به من النواحي الثقافية الاجتماعية الاقتصادية ليس بخال من الثورات العظمى عبر التاريخ و ان عرفت بعض منها باسماء متنوعة و سميت في غير محلها، اودعنا نذكر بصراحة ان الطبيعة الاجتماعية و التاريخ غير من جواهرها او حرٌفها بعض الشيء و اهتزت و في الكثير من الاحيان اقلعهتها هذه المتغيرات عن مرتكزاتها الاساسية التي بنيت عليها.
اليوم و ما تشهده المنطقة في هذه المرحلة من الثورات تحمل في طياتها ما يوضح طبيعة و جوهر و شكل بذراتها و ما انضجتها و اين وصلت. الحكومات المتسلطة والانظمة المعتمدة و النهج المتبع في كل بقعة من بقاع الشرق الاوسط لم تختلف بكثير عن غيرها، و هذه الثورات انطلقت جراء الدوافع الطبقية اساسا و ما اقدمت عليه تلك الانظمة فافحلت المشاكل الاقتصادية المستعصية اصلا، ناهيك عن انعدام الحرية كالعادة.
عدم توفر نسبة قليلة من المساواة هو الجذوة الحقيقية الفعالة لاندلاع هذه الثورات اساسا، و الكل يتذكر بداية شرارة ثورة تونس و ما كان يحمله البوعزيزي من خصائص مجتمع مقهور و من سمات المغدور المظلوم من قهر الفروقات الطبقية قبل الاهداف الوطنية، اما بعد ذلك فبدات الشعارات الكبرى التي بدا البعض بحملها لتغطية ما يجري سواء كان جهلا بالواقع و ما يجري فيه او متقصدا لغرض في نفس يعقوب.
اننا على يقين كما هو حال التاريخ، لم تستقر المنطقة باكملها ان لم تندمل الجروح الاساسية النازفة باستمرارو ان لم يتوجه الفاعلون الى العمل على حل جوهر المشكلة و ليس قشرتها و هو الاقدام على كل ما ياخذ الناس الى المساواة الاجتماعية قبل غيرها من الاهداف، و هذا ما يحتاج الى عقلية و فكر و مدافعين صلبين اضافة الى المنفذين المنطلقين من لب القضية الحقيقية و هم اصحاب الشان، و هم الفقراء المعدمين، و لابد من الدفاع عن هذه الاهداف المركزية الصادقة و التعاون الجاد من اجل تحقيقها مهما كلف الامر، و الاهم ان تكون الخطوات صحيحة و مرتكزة و العمل على ازالة الشوائب يجب ان يكون مستمرا دون توقف لعدم اعطاء الفرصة للمتربصين من اصحاب المصالح العالمية لتحريف الطريق المتبع، و هذا ما يحتاج الى الجهد اللازم لمنع الانحرافات النظرية و العملية، ومنع استغلال هذه الثورات من قبل القوى الكبرى من اجل تحقيق اهدافها الاستراتيجية فقط، و هذا هو المبدا الاساسي لعمل الثوار و من اولى اولوياتهم، و الشعب وحده الكفيل القوي للحد من تدخل المغرضين، و الهدف الاسمى لهذه الثورات النبيلة هو ازاحة الفقر و ترسيخ النسبة المقنعة من العدالة الاجتماعية و المساواة، و انه لبديهي ان تشمل المنطقة باجمعها و يتحقق الهدف النهائي مهما تطلب الامر من الزمن.[1]