هل تتحقق حلم انبثاق دولة كوردستان المستقلة؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3380 - #29-05-2011# - 19:45
المحور: القضية الكردية
مجرد التفكير و البحث في مثل هذا الموضوع قد يدخلنا في معادلات متنوعة و معقدة بشكل لابد التعمق و التمحيص الشديدين فيها كي نخرج باقل نسبة من الاخطاء و بنتيجة مقنعة مناسبة نسبيا، او ندخل في متاهات لا مخرج منها لو لم نحسب لكل دقيقة و كل ما يجري و بدقة متناهية. لابد لنا من الدخول من خلال بابين رئيسين و بشكل قانوني و عصري ، و هما ،قراءة الظروف الموضوعية بشكل علمي دقيق كي نخرج بطريق تسهل التعامل معها ، و هي شائكة لحد اليوم و مرتبطة بشؤون عديدة و منها لا دخل لها بالقضية الكوردية بشيء، و هي التي لها الاثر البالغ على مواقف الملمين بهذه المسالة ايضا، و الباب الثاني و ربما الاهم هي الظروف الذاتية و ابعادها .
تاريخ و جغرافية كوردستان معلومان للجميع، و المقومات الاساسية لدى الشعب الكوردستاني لبناء كيان خاص به، متوفرة و واضحة بدرجة وافية. اذن الواقع و ما فرضته المصالح الكبرى و سياسات العديد من الدول المعنية اصلا هي التي اوصلتنا الى هذا الوقت و نحن بهذا الشكل، و هي التي ابقت على هذا الشعب على ما هو عليه دون تغيير يذكر في هذا الاتجاه الذي نبحثه منذ عقود، لا بل منذ القرن و النيف .
انقسمت كوردستان بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م بين العثمانيين و الايرانيين و من ثم فرضت هذه الاتفاقية التقسيم المتتالي بعد انشاء الدول الجديدة و توزع الكورد في هذه المنطقة المحصورة بين اربع دول مختلفة متجاورة، و هذه التقسيمات كلها كانت وفق ما اقتضته المصالح العالمية و الدول التي ساهمت في بناء هذه الكيانات الجديدة مراعيا ما كان يهم استراتيجياتهم البعيدة المدى فقط دون اي حساب لما يخص هذا الشعب المغلوب على امره و ما يحلم به.
قبرت معاهدة سيفر التي كانت تحوي في طياتها ما يهم الكورد في حينه و غطتها معاهدة لوزان و ما فيها من البنود و اجبرت الكورد على الغوص في اوحال الثورات التي لم يكن يامل حصولها ابدا، و هو لم يكن يتوقع ما فرض عليه اصلا ، و هكذا كانت العوامل و الاسباب موجودة منذ البداية لدفع الشعب الكوردي الى النضال بكل السبل، و هو ضحى بما يملك من اجل امنياته و تحقيق اهدافه و ضمان مصالحه الحيوية و مستقبل اجياله .
شهدت المنطقة ثورات و حركات كوردية متتالية، فافشلت العديد من المؤامرات و فشلت بعض منها لاسباب مكشوفة للجميع و تعقدت المشكلة و تداخلت و لم نصل لحد اليوم الى ما يمكن ان نعتبره البداية الصحيحة لضمان الامن و الاستقرار و السلام النهائي للمنطقة عموما، و الظلم و الغدر و القمع و التنكيل الذي مورس بحق هذا الشعب وصل الى ذروته، و لم تشهد منطقة اخرى لمثل هذه الممارسات ، فخرج ما مورس بحقه عن كل التوقعات و فرض احيانا كثيرة الاستقرار المزيف بقوة السلاح و بجبروت الجيوش الجرارة دون قناعة ذاتية من الشعب المعني ، وعلى الرغم من ذلك لم تتوقف الحركات التحررية ولو لمدة بسيطة من نضالاتها العديدة.
من المعلوم ، ان الشعب الكوردستاني يقطن في المناطق الجبلية المحاذية لبعضها و هي بعيدة بعض الشيء عن عواصم الدول المنقسم عليها ، و الحركات التحررية استعرت نيران ثوراتها في الاغلب في المناطق النائية ، و هذا ما كان من الاسباب التي مكنت الدول من اخمادها قبل ان تؤثر على مراكزها الحساسة و عواصمها، الى ان وصلنا الى الانتفاضة الاذارية المجيدة للشعب الكوردستاني عام 1991م في المدن الرئيسية و تم تحرير غالبية اراضي كوردستان الجنوبية لحين سقوط الدكتاتورية البعثية، و اكتملت الخطوة الاولى التي خطاها الشعب الكوردستاني في تحقيق اهدافه الاولية.
المصالح المختلفة التي تفرض العديد من الامور و تعقد المشاكل و تشبٌك الظروف الموضوعية و تحاصر الظروف الذاتية و ان كانت ملائمة لتحقيق ما يمكن تحقيقه احيانا. تدخٌلت الدول العظمى في هذه المنطقة و ما يخص الكورد من القول جانبان ،اولهما، يمكن الاستناد على ما يسيرون لو توافقت المصالح و سمحت بها الشؤونالخاصة بالكورد و توائمت معهم، و ثانيهما، الاعاقة و فرض مساحة ضيقة من الخطوط الخضراء مع مساحة واسعة من الخطوط الحمر، و وضع القيود امام الحركات التحررية و تحركات قادتها ، و لم يستغل الكورد بانفسهم الفرص السانحة امامهم و ان كانت قليلة جدا .
اليوم، و بعد انتهاء الحرب الباردة منذ عقود و ما فرضتها افرازاتها و ابعادها المختلفة و تاثيراتها على كافة بقاع العالم و من ضمنها كوردستان و ما يهم الشعب الكوردي ، و بعد سقوط الدكتاتورية البعثية في العراق و دخول امريكا المباشر في المنطقة و اهتماماتها بالحكومات الصديقة او المناوئة لها، و كيفية ادارة جنوب كوردستان ضمن المعادلات المستحدثة و اهتمام امريكا الكبير بمثل هذه المنطقة الاستراتيجية و اتباعها هي الخطط الاستنراتيجية الواضحة المعالم من جهة و السرية من جهة اخرى، و هي تعمل على مسايرة ما يجري و تحاول مليء ما يهمها على الجميع . فانها تعمل على دمج الشعب الكوردستاني بشعوب المنطقة و بالاخص شعوب الدول الاربع، و ان تمكنت فانها تحاول صهرها في بودقة القوميات السائدة او بالاحرى القوميات الكبرى للدول الحاكمة دون اي اهتمام بالاهداف و الاحلام الخاصة باي شعب من شعوب المنطقة. و هي تعمل وفق مصالحها وعلاقاتها المختلفة في المنطقة و وفق اولوياتها فقط، و انها لم تضع حدا لتسلط الدول المركزية الفارضة نفسها على شعوبها ، و هناك من المناطق الاستراتيجية الحساسة تهمها اكثر من غيرها و ما تخص الاقتصاد العالمي ، فهي تعمل بكل دأب و جهد من اجل بقائها امنة مستقرة و ان شابتها الاحتكاكات هنا و هناك، و ستتدخل لمنع تعقيدها و تطورها مهما حصل، و من ثم تتوسط في تقوية العلاقات الثنائية في المناطق المختلفة وهذه المنطقة بالاخص و ما تهمها و لصالح استراتيجيتها بعيدة المدى، اخذة بنظر الاعتبار المشاكل المستعصية و محاولاتها لحلها بالطرق التي تعبرها ديموقراطية و بسلام، مستعملة كافة انواع الضغوطات في هذا الشان، و هي بصدد تثبيت الشرق الاوسط الكبير في هذه المنطقة و بكل ما يحمل من الجواهر المختلفة .
الاشارات التي تصل الى المعنيين لم تدل يوما على ان امريكا لديها نظرة معينة بما يهم الشعب الكوردي من حيث تحقيق حلمه الازلي وهو انبثاق كيان مستقل به كما كانت امريكا تعمل عليه في المناطق التي تهمها من حيث بناء دولتها و تساندها بكل ما تملك ، و كل الدلائل تشيرعلى الاقل لحد الان الى انها تستمر على هذا المنوال طالما بقت المنطقة على هذه الحال التي لم تضر بمصالحها الهامة . هذا لا ينطبق على دول كبرى اخرى و هي تفكر فيما يخصها و تريد ان تعيد النظر فيما اقدمت عليه منذ قرن تقريبا .
المهم هنا، يمكننا ان نسال هل الظروف الموضوعية هي اول و اخر العوامل التي يمكن ان تُعتمد و اولى المفاتيح لفك الالغاز المعقدة ام ان هناك ما يفرض نفسه على تلك الظروف دائما و تغير من فرضياتها و يجبر حتى الدول العظمى على مسايرة المتغيرات على الارض كما هو حال و سلوك امريكا ازاء الثورات الاخيرة في المنطقة . لذا على الشعب الكوردستاني ان ينظر الى ما يهمه من النافذتين و ان يفكر مليا في اية خطوة و يُبعد الخوف من اي عمل ان حسب له و يقرا كل الاحتمالات الممكنة و النتائج المتوقعة له، و عليه ان يعلم ان الظروف الذاتية الملائمة و الدوافع الحقة و الارادة القوية و التنظيم و النظام الجيد و الامن و الاستقرار و التنمية و التقدم و التعايش بعيدا عن الفساد و المصالح الضيقة في ادارة اية منطقة، سيسوي الطريق و يخصب الارضية و يفرض على المهتمين التفكير و اعادة العمل و التغيير في التعامل مع الحوادث و القضايا الكبرى . اي الظروف الذاتية في ظل القراءة الدقيقة للواقع و ما يجري من الاحداث و تعامل الدول العظمى بها و تحليل المعادلات و التاثير على المصالح و الاستراتيجيات الكبرى سيؤثر على الظروف الموضوعية غير الملائمة و يمكنها ان تغيرها جذريا لصالحها، لو حللت ما تجري على المنطقة المعنية من التوافقات و التوازنات بدقة و بشكل علمي سليم .
اي، بشكل اكثر وضوحا، ان التشبث بما يقرره الاخرون و ما تفرضه مصالحهم ليس بالطريق الصحيح دائما و ان كان سهل الاتباع من قبل اية سلطة اوقيادة كلاسيكية، و هذا لم يحتاج الى مغامرات مطلوبة لقضية معقدة كما هو عليه الكورد في هذه المنطقة. لابد ان نعلن اليوم، ان هناك من الاشارات المضاءة في الافق التي تفرض التمعن و التمحص فيها للتفسير و اعلان المواقف و الاراء و من اجل وضع الحجر الاساس لبناء الصرح الكبير للحلم الكوردي القديم الجديد.[1]