ما التيار الغالب بعد موجة الثورات في المنطقة؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3330 - #08-04-2011# - 19:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الانظمة السياسية التي حكمت دول المنطقة بعد استقلالها في القرن الماضي، تميزت بصفات و بوجود تيارات مختلفة، التناقض الذي غلب على نوايا وعمل و علاقة بعضهم مع البعض ما حدى بالتعارض و التضاد بين جهات منهم و التكامل والتعاون و التوافق بين اخرى ، و منهم من كان يصبو لتحقيق اهداف و مطالب تكاد تكون متشابهة و مشتركة بينهم، و منهم التيارات القومية و الدينية في الدولة الواحدة، و اما التعارض فكان في اكثره مع اليسار على وجه الخصوص و ما دار في فلك العلمانية المعتدلة على العموم. كان لوجود جذور عميقة للبعض منهم دور قوي في تمكنهم من ابداء مواقفهم بصوت عالي و ان تكون لهم يدهم العليا في اعلاء كلمتهم، و ان برزت خلافات فيما بينهم في اكثر الاحيان حول ما يعلو منهم و يزيد من شانهم على الجميع، وكان اعتمادهم بالاخص على الجدل الفكري الفلسفي الذي دار في حينه حول قدم وجود القومية على الدين او الاسلام بالذات و منهم من ادعى الوحدة العضوية بين الاسلام و العروبة و التي اعتقدوا انه لا يمكن الفصل بينهما، واعلنوا ان الاسلام هو العامل الحاسم لبقاء و حيوية العروبة، الا انهم جميعا جابهوا على ارض الواقع تحديات و قضايا مختلفة منها التخلف السائد و التبعية و مستوى التنمية الاقتصادية و الاجتماعية، و هذه المشاكل جميعها فرضت طرق و اتجاهات و افكار لعدم تحديد الهوية الخاصة لكل دولة، و هذا ما خلق ازمات مختلفة الى ان استقر الوضع في كل دولة على حال و شكل من النظام و الحكم لم يكن في اكثريته ما كان تنويه الجماهير و القوى المؤثرة في حينه، و مالت الايديولوجية السائدة اما الى الفكر الديني القح او في احيان كثيرة الى الليبرالية و العلمانية بشكل عام، و منهم من حاول العودة الى الاسلام كنظام شامل و لكن بعد تنقيته من العادات و التقاليد و الاضافات و التفرعات كي يمكنه الالتقاء بالافكار الغربية العصرية في حينه . اما مناصري الاشتراكية امتدت تاثيراتهم متاخرا و في الفترة الثالثة من تطور الفكر في هذه المنطقة و قلصت من المد الديني السلفي و القومي العنصري الى حد كبير .
ما الت اليه الاوضاع في الدول المختلفة بعد استقلالهم هو سيطرة الخصوصيات الذاتية لكل بلد مما حدى بالجهات الى محاولة التوفيق بين العادات و التقاليد و الدين هنا و بين الدين و الفلسفة و الدين و القومية و بين الدين و الاشتراكية هناك، ولم يوفق اي طرف و لم يتم ترسيخ الهوية الخاصة باي بلد ايضا و الذي اصبحت هذه المعضلة القضية الكبرى و التي لم تحل لحد اليوم، و تعاني الدول من تشخيص الهوية و شكل النظام، و كل ما غير الانظمة كان عن طريق الانقلابات والتي لم تؤثر في الفلسفة السياسية و انما كانت تغييرا للاوجه و الشخصيات فقط، و عاشت الدول خلال العقود المنصرمة فاقدة للهوية الخاصة بها .
اما اليوم و بعد التغييرات و المخاض الذي تعيش فيه الدول اليوم في هذا المنوال و الشان و الصراع دائر، فتحتاج المرحلة للقراءة المتمعنة للمرحلة و الدولة المعنية مع الفهم الجديد و العميق للتراث الاجتماعي الحضري الذي من الممكن ان نستوضح جزءا منه في هذه الاونة الا انه مازال غامضا في نسبته الكبيرة و في اكثر من جانب منه، فجرى كل تلك التغييرات بعيدا عن الاسس الديموقراطية و المناخ المطلوب لتجسيد الحرية و السلام الدائم بعد انتهاء الامبراطوريات و الاحتلالات المتعددة .
اما اليوم و في ظل المتغيرات المتسارعة و الموجة العارمة من الثورات التي تزيح كل ما تعترضه من المعوقات ، و انها مسالة وقت ليس الا لتستقر المرحلة على حال. و هي ثورات فريدة في تاريخ المنطقة، و لم تشهد مثل هذه الدول التي تندلع فيها الثورات اليوم شيء مماثل او قريب منها في اي وقت مضى من حيث دور الشعب الرئيسي و كلمته و موقفه الحاسم، اي التغيير الشعبي الذاتي و بجهد و ساعد الشباب قيادة و قاعدة و في فضاء و مرحلة تتميز هي ايضا بما فيها من التناقضات العديدة من حيث المستوى الثقافي و الوعي العام و نوعية و جوهر التيارات و الفلسفات المعتمدة و طبيعة الحياة و المعيشة و التطورات المؤثرة على نمط و مسيرة يوميات المواطن و طرق ادائه لما على عاتقه من الواجبات و تعامله مع دقائق الامور و دائرة تفكيره، و هو وسط مجموعة غفيرة من التوجهات و التركيبات و التيارات و الاحزاب، اي التعددية البسيطة الحقيقية التي لازالت في بداياتها كي تتصفى و تتلائم بداية مع التراث و التراكمات الفكرية المتوارثة و المستجدة المختلطة مع بعضها، مع ما فعلته الانظمة المستبدة المؤثرة على تربية و اخلاق الفرد و هي متداخلة جميعا مع المصالح المختلفة للجهات المختلفة، و بقايا الافكار و الايديولوجيات القديمة التي منها تحتضر و منها لازالت تقاوم و تحاول التكيف مع العصر و ما فيه، اضافة الى ما تفرضه ضرورات و احتياجات المجتمع. كل ذلك من العوامل الداخلية في البلدان التي تختلف من بلد لاخر بمقدار و نسبة ملحوظة مهما كان قريبا منه تاريخا و جغرافية و مجتمعا و عقلية .
المؤثر و العامل الاكبر الذي يحدد الطريق و لا يمكن تغاضيه هو المصالح العالمية و متطلبات السياسة الدولية في هذا العصر و ما تفرضه مع وجود الصراعات و المنافسات الكبرى بين القوى الكبرى و ما تقتضيه الاهداف العامة للكبار مع الخطط و الاجندات و السياسات المنشودة و ما تفرضه الثقافات المختلفة.
ان تعمقنا و تشاورنا بجدية و علمية مع انفسنا و حللنا ما نعيشه مستندين على العوامل الداخلية الخاصة لكل دولة مع العوامل الخارجية الخاصة بكل دولة ايضا و التاثيرات المتبادلة بينهما من حيث التكامل و التناقض سنستخلص باراء و يمكننا ان نتكهن ما يمكن ان نستقر عليه بعد تهدئة الامور و الانتهاء من التغييرات الشاملة المطلوبة. في مقدمة ما يمكن ان نعلنه و نستبشر به هو ما نسميه بالايجابية البدائية التي وصلت منذ بداية الثورات و هو وضع الحجر الاساس الحقيقي الهام المطلوب للديموقراطية الحقيقية على الارض و بشكل عملي و مشاركة الجميع، و بمشاركة الثقافة الديموقراطية العامة التي كنا نفتقر اليها من قبل، اضافة الى احترام التعددية و الراي المخالف ، مع كسر حائط الخوف و الكبت من جبروت السلطات المتالهة ، و التماس المباشر من قبل الشباب مع القضايا التي تخص الشعب بشكل عام مع ما تفرضه المرحلة ان لم نكن متفائلين ازيد من اللازم.
اننا ما نعتقده بخصوص التيارات الجديدة في هذا العصر مابعد الثورات و منها التي يمكن ان تزول مع التغييرات و منها ما تبرز و تتطو، و تنتعش اخرى و تتحمل المتغيرات الجذرية، فيمكن ان نستكشف احتمالات عدة لما نقع فيه وفق عوامل محددة منها ذاتية او موضوعية مع وجود اختلافات بين دولة و اخرى في كافة النواحي. الاهم اننا لا يمكن ان نعود الى نقطة الصفر ، و ستقطع الديموقراطية الحقيقية شوطا نحو الامام ، و الاكثرية هي التي تقرر و الحرية ستسود، مهما بقيت من العوائق التي تحتاج لجهود و وقت لازاحتها و استئصالها من مناطق معينة.
من اهم المتطلبات التي يصر عليها الشعب في هذه المرحلة الاولية من متطلبات الثوار هو توفير الخدمات العامة و الحرية و ضمان حقوق الانسان و العدالة الاجتماعية و الضرورات الحياتية اليومية، لذلك يمكن لنا ان نعتقد بان التيار الليبرالي يكون له كلمة الفصل و الموقع المتميز في هذا الشان وفي المرحلة القريبة بالذاتش مع وجود الاخرين القريبين من متطلبات الشعب وكل حسب ارضيته و قدرته و حجمه، و التيار الغالب هو من ينبثق من تطلعات و امنيات و افكار الشعب.[1]