عزيمة الشباب لن تدع التاريخ ان يعيد نفسه
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3273 - #10-02-2011# - 13:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
كلنا على اطلاع كامل بما جرى في الامس القريب ابان ثورة 1919 التي كانت ضد المحتل الخارجي و مصالحه و اليوم حل المحتل الداخلي بكل معنى الكلمة محله بكل تفاصيله، و يتعامل مع الواقع المصري كما فعل الاخر في حينه ، مع الفرق الضئيل في تغيير الواقع الاجتماعي المعيشي و ازدياد تاثيرات العالم المعاصر على البعض.
فلنذكر صفات و طبيعة المحتل الخارجي و تعامله مع الشعب المصري في حينه، و للمتابع ان يقيٌم و يقارن ما حصل مع ما يحصل اليوم من قبل الحكومات الجاثمة على صدور الشعوب في الدول المستقلة و في مقدمتها دولة مصر قلب المنطقة المفعم بالحيوية و مصدر الاشعاعات المتنوعة. كان الفلاحون اكثر تضررا اجتماعيا و اقتصاديا جراء مصادرة حاصلاتهم او احتكارها و امتهان قيمهم و كرامتهم و نبذهم بشكل فضيح، و من ثم الطبقة العاملة التي عانت من ظروف غاية في القسوة في ظل الغلاء و التضخم و العمل لمدة طويلة و في ظروف صحية سيئة للغاية، اما اليوم الشباب و ما ازدادوا وعيا هم اول المتضررين و هم من يعانون من النقص الكبير في احتياجاتهم و ضروراتهم المادية و المعنوية.
ظروف مصر في تلك الفترة كانت مشابهة مع اليوم من عدة اوجه و عاشت الناس في ظل الاستياء و الامتعاض و البغض من عدم توفر ادنى نسبة من متطلباتهم فكانت الارضية متوفرة و فرصة سانحة للهبة و الثورة و القضاء على المحتل فتكون وفد مصري من سعد زغلول و علي شعراوي و عبد العزيز فهمي للذهاب الى فرنسا حيث كان يعقد في تلك الفترة مؤتمر الصلح، سعيا منهم للاستقلال بالطرق السلمية محاولين عرض قضيتهم هناك، فمنعوا من قبل المحتل من الذهاب مما احدث ضجة و نفي زغلول الى جزيرة مالطا، و هذا مادفع بانطلاق شرارة اندلاع ثورة 1919 بعد ان اضرب الطلبة و اشتركت جميع الطبقات و الفئات في هذه الثورة دون استثناء كما يحصل اليوم و سقط عدد كبير من الضحايا بينما المحتل ازداد شراسة و قسوة و اتخذ كافة الاجراءات من الاعتقال و الاضطهاد و الانتقام و الخطف و الترعيب محاولة تفتيت الثورة و افراغها، و لم يتمكن من ذلك الا بعد ان اتبع سياسة فرق تسد بين الشعب و ممثليه و شتت وحدة صف الثائرين . بعدما سمح المحتل السفر و الاشتراك في ذلك المؤتمر بينما الوفد(تشكل و انبثق حزب الوفد من هذه العملية كضرورة تاريخية ملحة) الذاهب لم يكن متفهما للظروف المحيطة بالقضية بشكل وافي ولم يقرا او يحدد فرص النجاح، و خصوصا كان المحتل متيقنا بان مقررات المؤتمر سوف تكون لصالحه قبل ان يسمح لهم بالذهاب. ان اكبر نقاط الضعف الذي استغله المحتل هو وجود التناقضات في رؤى الوفد و الهوة الشاسعة في تماسك الثورة و نظرته للامور مع ما رفعه الشعب من الشعارات، و لم يتفهم القيادة في حينه طبيعة الاحداث (خوفي من عدم تفهم المتفاوضين لمطالب الشباب اليوم و ينعكس ذلك على خطواتهم) و لم يستوعب المحرك الاساسي لتلك الثورة، و تمكن المحتل من التغلب على تماسك الثورة و انشقت القيادة على نفسها و تشكلت كتل و منها السعديين نسبة الى سعد زغلول و العدليين نسبة الى عدلي يكن و انعكس سلبيا على مطالب الشباب و الجماهير في حينه، فيما نادى العدليون بضرورة الاعتراف بحق بريطانيا في مصر (كما اليوم يُطالب ببقاء مبارك) و الرضا بشكل من الاستقلال لضمان مصالحهم، فيما راى السعديين ان الحل هو تحقيق الاستقلال و الجلاء بشكل كامل(ان يرحل مبارك اليوم) و نجح المحتل في شق الهوة و وقف المنشقين ضد الثورة و ضحك المحتل عليهم و هو ينظر اليهم من بعيد و يساند ما لصالحه(اعتقد من المستبعد ان يحصل هذا اليوم لاسباب و عوامل عدة و منها وعي الشباب و وحدة صفهم و عدم اعتمادهم على الاخر فقط) و مرت الثورة بمرحلة الانحدار و تنازل الرجعيون عن اهداف الثورة الاساسية، و هذا يتحمل العديد من الاراء وفيه من الامور التي يمكن ان تبحث بتروي و عمق.
و قد استطاع المحتل الخارجي بسياسته القضاء على الثورة و احلام الجماهير بتحويلها الى عهد سياسي تتنافر فيه الاحزاب فيما بينها و تمكن من عزل الشعب بفعلته و زيفت ارادته( عدم اخلاء ميدان التحرير يبعد اعادة هذا الاحتمال اليوم في ثورة المصر العظيمة) على الرغم من تسجيل بعض الانتصارات او المنجزات القصيرة المدى من الثورة( وكما يحصل لحد اليوم في الثورة الجديدة، و ابتعد احتمال الفشل)و في مقدمتها الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، الا انها لم تحقق الاهداف الرئيسية و في مقدمتها الجلاء و التحرر الكامل من عبق المحتل الخارجي، و اليوم نتلمس ما يمكن ان نعتبر منه و ناخذ الحكمة من مضمونه هو علاقة القيادة مع بعضها ،ودروس هذه الثورة كثيرة، فعلي الجميع مراجعتها،، فاصرار الشباب و ارادتهم و عزيمتهم تفشل كافة المحاولات لتفريقهم و صدع صفوفهم الا ان الحذر من استغلال المصالح الحزبية و تواصل الجهود لراب اي صدع يجب ان يهتم به الشباب انفسهم، و هنا من العوامل التي تضمن النجاح و هي اعتماد الشباب على وسائل العصر و هم متمسكون بمتطلبات النهضة و بعقلية منفتحة، و تعاملهم الواضح مع الاحداث يبعد تصور اعادة التاريخ لنفسه، و العملية سائرة بنجاح طالما نرى ما لا يصدق من قوة و عزيمة و ارادة و صلابة و همة الشباب الثائر و افشالهم لحد الان عامل الزمن الذي كانت السلطة تراهن عليه، فالمرحلة الجديدة واضحة المعالم و يتعامل الشباب مع المستجدات من كافة النواحي بشكل جميل و صحيح و هم من يعلون همتهم باعلاءمطالبهم وباستمرار الثورة لتحقيق اهدافها الحقيقية الرئيسية، وسلوك و افعال الشباب تتميز بالحداثة و العصرنة و التعامل مع الواقع و ليس تغيير النظام السياسي فقط.
من جهة اخرى يمكن مقارنة ما يجري اليوم على ارض مصرمع ثورة #32-07-1952# ايضا من عدة جوانب لاخذ العبر منها و منها تعطل الدستور و التنافس على السلطة و رغبة السلطة بالحفاظ على نفس النمط و التوريث و تثبيت النظام الجملكي و انعدام الثقة بين الشعب و السلطة و غيرها من المشابهات التي يمكن استنباط الدروس فيها و اخذ العبر منها بشكل دقيق.[1]