سمات المرحلة الجديدة في الشرق الاوسط
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3271 - #08-02-2011# - 23:50
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
نحن متيقنون جميعا بان المرحلة الجديدة في الشرق الاوسط باكمله بعد موجة الصحوة التي استهلت حركتها منذ مدة ليست بطويلة تسير بسرعة متناهية، و تتميز بسمات و خصائص جديدة خلفت ورائها ما كانت هذه المنطقة سائرة عليه لعقود طويلة وحتى الامس القريب،و كانت ثقيلةن وهي اليوم تسير نحو التغيير من الجوهر و المظهر، و لا يمكن لها ان تبقى على ماهي عليه و لا تعود الى الجمود و الركود الذي كانت هذه المنطقة بالذات غارقة فيه طوال المراحل السابقة. ليست هناك منطقة او بلد او بقعة بمنئى عن الاشعاعات التي هبت و التغيير التي جلبته معها و التي تغطي مساحة كبيرة، و لاتزال في امتداد و لها التاثيرات التنويرية و موضحة الطريق للانتقال الى حياة سياسية اجتماعية مغايرة، و ربما تستغرق فترة وصولها وتفاعلها و وضوح تاثيراتها مراحل و اوقات مختلفة هنا و هناك، الا ان الموجة المشعة بالحيوية و التغيير الايجابي تخترق كافة الجدران مهما كانت قوية و مسلحة، و على الجميع تقبل ما يجري و التعامل مع المستجدات بعقلية عصرية متفتحة، و التكيف و التواصل معها، من اجل ضمان الاستقرار و الانتقال السلس الى عصر الحرية و الديموقراطية و حقوق الانسان، و تيدا الخطوة متوجهة نحو العدالة الاجتماعية التي تفرض نفسها، و لابد منها مهما طالت المرحلة و مازاد الزمن، و ان شابتها تعقيدات و انحرافات مؤقتة. ان واجهت هذه الاحتجاجات الحالية و اندلاع الانتفاضة في تونس و الثورة المستمرة في مصر عوائق، الا انها وضحت و بينت للقاصي و الداني مدى عزيمة و قوة ارادة شباب اليوم و دوره و تاثيره المباشر في بناء العصر الجديد، لم تعد هناك ادنى شك في التغيير منذ البداية، و الوحدة و التعاون و العمل المشترك يوضح مدى اصرار الجيل الجديد لانبثاق حياة جديدة تلائم عقليتهم و فكرهم و توجهاتهم و نظرتهم الى الحياة، و هي مختلفة بالفعل عما تعوٌد عليه الجيل القديم و استمر على نمط معين غير موائم لما تغير على الارض، اي عدم توافق العقلية مع التطور رغم ارتفاع نسبة الوعي العام، و بالاخص لدى الجيل الجديد، على الرغم من توسع مساحة الامية و الجهل و هي من فعل السلطات البليدة و استراتيجياتهم الفاشلة المتحكمة بهذه الشعوب المغلوبة على امرها. ما ازٌم الموقف اكثر و اوصل الحال الى هذه النقطة و لا يمكن التراجع عنها هو انعدام العدالة و انتشار الفساد في شتى اركان السلطات و الحكومات، و هذا ما فرض الحركة من اجل سلخ ما يعيق العمل للوصول الى ما يمكن ان يجعل الشعب يعتمد على نفسه، و لا يعتقد ان ما يمكن ان يجري في جو من الديموقراطية و الحرية من ان يصيبه اي خلل بسبب السلطات الجاثمة على صدور شعوبها كما اليوم، بل يوجود الشفافية تصبح عوامل و اسباب الحياة الحرة تكون مكشوفة و يمكن تشخيص العلل مما يسهل العلاج الملائم، و هذا ما يفرض المواطنة و الوطنية على المواطن و يقلل الفجوات بين السلطة و الشعب، و يتم ذلك استنادا على الدستور و القانون المناسب الذي يفيد وهو لصالح الشعب قبل اية شخصية معنوية او سلطة ما، و ان وجدالقانون المناسب سيخضع له الفرد و السلطة معا دون اضرار باحد على حساب الاخر.
اذن السمة الرئيسية هي سلطة القانون على الجميع مبعدة الاهتمام بالكاريزما و تاثيرات العرف و العادات و التقاليد، و من ثم هذه هي التي تفرض مأسسة الدول و الاقتراب من المساواة و التعامل مع الجميع بالمثل، و ربما تتخذ المناطق المشمولة بهذه الموجات الخطوات الاسرع من الاخرى و تتنافس على تحقيق ما تفرضه الظروف الموضوعية، و تبادر في الاجراءات و تنتقل اشعاعاتها بالتسلسل في منطقة و بلد الى اخر الى ان تنتشر و تسود على النظام العام في هذه المنطقة بشكل كامل.
و عندما تستند الدولة على الشعب من دون اي حاجز في ظل نظام ديموقراطي حقيقي، فيمكن خلال فترة معينة ان تسود ولو نسبة غير كافية من الحرية و العدالة و المساواة مما تساعد على بناء دولة قوية شيئاما وتكون قادرة على حماية نظامها السياسي، و كلما ازدادت نسبة هذه المفاهيم كثافة بنيت الدولة بشكل امن و ارتكزت على اعمدة قوية داعمة لاستقرارها و امنها، و هذاما يفرض احترام الافراد للنظام و الدولة و الالتزام بالواجبات الملقاة على عاتقهم، و ربما سيتم هذا على المدى الطويل .
اما الموجة الحالية من الصحوة و الانتفاضات و الثورات التي تفرض ما يلائم العصر من المباديء و المفاهيم و القيم العصرية الجديدة فلها التاثيرات السريعة المباشرة مما يجعل اي متابع ان يتفائل على حصول التغييرات المنشودة، و الشعوب هي الوقود دائما للمحرك الدافع للانتقال من مرحلة الى اخرى، و هي التي تفرض ما تشاء لو استحسنت ما لديها من قوة الارادة و العزيمة، و هي التي تحقق من الشعارات و الاهداف التي تناضل من اجلها، و تجبر السلطات على الرضوخ لمتطلباتها الانية، و به يتم التطور و القفز احيانا نحو الامام. و هنا تتغير القواعد و الاحكام، و تصبح القديمة منها او اكثريتها مرت عليها مدة فاعليتها و نفدت تاثيراتها و يحل البديل المناسب مكانها من كافة النواحي. و استنادا على الاولويات فيمكن الاستبشار بان المرحلة و بداياتها يمكن ان تتحقق فيها العديد من الاهداف العامة و منها متطلبات الفرد الاساسية و احتياجاته الطبيعية الضرورية.
اي ان سمة المرحلة الاساسية هي ضمان الحرية و الاعتماد على القانون و العدالة في ظل النظام الديموقراطي و ضمان ضرورات الحياة للفرد، و لا يمكن لاحد التنصل مما يفرض نفسه على السلطات المختلفة في بلدان المنطقة مع الانفتاح ، و ان شابتها الردات هنا و هناك نتيجة الموروثات المتبقية في مجتمعاتنا الشرقية، و لكن سيتم في النهاية ماهو لصالح العام، و الاهم هو اكتساح العقلية التقدمية الانسانية الافكار و التوجهات وان تكتسي روح التعايش السلمي ابناء الشعب و العلاقة الطبيعية بين بينهم كما سنراه حتى في احلك الاوقات هذه الايام اثناء الانتفاضات و الثورات الجديدة، و من ثم تبنى العلاقة الطبيعية بين السلطة و الشعب على المدى البعيد بعيدا عن الاحتكار و اتباع الحيل و استخدام القوة، ان لم اكن مبالغا في تفاؤلي لمستقبل هذه المنطقة.
اكبر عائق امام ترسيخ ما يطمح اليه الشعب هو مقتضيات المصالح المختلفة و خاصة لدى الغرب، و التي تفرض على الحكومات هناك ان تتعامل مع ما يجري في الشرق الاوسط وفق استراتيجية خاصة بهم و ليس على ما يهم الشعوب هنا، و هذا من اكبر الاعاقات و ربما اكثر من المعوقات الذاتية، و انه لا يريد ما يتمتع به من السمات الجميلة هناك ان يطبق هنا لاهداف و مصالح سياسية بحتة، و هذا ما يكون على حساب مستقبل شعوب هذه المنطقة.[1]