العراق يئن بسبب التشدد و التعصب و ليس تحت ضغط الفدرالية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3248 - #16-01-2011# - 23:54
المحور: القضية الكردية
بين فينة و اخرى و يخرج علينا من يقيٌم الوضع العراقي القائم و يصب جام غضبه على اقليم كوردستان و شعبه و قادته منطلقا من خلفيته الفكرية و موروثات تاريخه الشخصي و العام المؤسف عليه و يخلط ما يشاء من الامور كي يضع اللوم على هذا الاقليم المغدور و شعب كوردستان بفعل السلطة المركزية طوال العقود المنصرمة، و من الملاحظ انه كلما جهد القادة الكورد في بناء العراق و حتى في اكثر الاحيان على حساب الاقليم فيعتبره الاخر انهم يعملون لمصلحة الكورد فقط و يعلمون يقينا ان بناء الدولة العراقية من اساسها لم يكن الا من نتاج الاستعمار الذي يسبونه ليل نهار، و لم تكن انبثاق الدولة العراقية باسترضاء جميع مكونات الشعب العراقي في وقته، لا بل علاوة على ذلك كان للكورد دور لا يمكن نكرانه في بناء اساس تلك الدولة و ركائزها ، وهم اعادوا العمل ثانية و بنفس الوتيرة بعد سقوط الدكتاتورية و انهيار الدولة العراقية كاملة. و من المفيد ان نذكر هنا انه كل ما بني على الباطل فهو باطل كما يستشهد به الجميع . الا ان الكورد رغم امنياتهم و طموحاتهم والتي لم يخفوها ابدا كانت لهم علاقات متينة مع محيطهم رغم تالمهم من سلوك و تعامل المركز معهم و الذي كان بشكل مجحف مع الاسف، بينما الكورد احترموا الشعب العربي و يكنون له كل الاحترام و الاعتزاز ، بينما تلقوا منهم ما عمق من جراحاتهم فعلا و دفعوا ثمن تلك السمات الحسنة التي يحملونها، و لم تلتئم جراحاتهم العميقة لحد اليوم، و في المقابل يخرج الينا من المتشددين و المتعصبين في هذه المرحلة ايضا و لم يذكر مرض الحكم المركز النفسي طوال هذه المدة و ما عملواعليه من قطع الطريق امام الشعب الكوردي، و بعد ان شاهدوا او لمسوا ما يوجد في الافق من الامال في تحقيق طموحاتهم في العيش بحرية و سلام و امان .
اختار القادة الكورد الفدرالية في المرحلة الحالية مما يستكثرها عليه الاخر و كلما احس ان الوضع يسير نحو الاحسن في هذه البقعة تدخل وحاول عرقلة الحلول النهائية لقضيتهم، و تبرز من الجهات المغرضة لتوسيع الهوة بين الشعبين، بينما نرى نادرا من يتفهم ظروفهم اوضاعهم . النشاط الاعلامي و السياسي العربي بشكل عام يتدخل من اجل مصالح خاصة و من مصلحتهم تثبيت الكراهية بين هذه الشعوب بينما لم يتحرك الاعلام الكوردي حتى في الدفاع عن نفسه وهوساكن و يُتهم بانه له الدور السلبي و هو اضعف مما يمكن ان يكون له الدور الذي يوصف به في هذا الشان وبما يقال لا يمكن مقارنته مع الاعلام العربي الجرار، و ما يزيد الجرح عمقا حقا هو وجود نسبة كبيرة من المثقفين ينظرون الى القضية الكوردية بتعصب و خلفية قومية عنصرية و يدعون عكس ذلك في ما يطرحون و ينطقون بعض المرات بكلمة حق بما يراد منه الباطل .
ان الانتقاد الحاد من قبل الاخر للقيادة اللكوردية التي انتخبها الشعب يعكس الانتقاد على الشعب بشكل غير مباشرو هذا ما يريدونه في قرارة نفسهم، وعلى الرغم مما لنا علي القادة من الانتقاد على الامور الداخلية لاقليم كوردستان، الا ان انتقاد هؤلاء للقادة الكورد ياتي كمناورة في عالم الكتابة و خاصة من قبل المتعصبين المتشددين و خوفا من لومهم عند انتقاد شعب بكامله ، و في المقابل لم نسمع من ينتقد الدكتاتورية في حينه و التي لم يبق سلاح و الا جربه على الشعب الكوردي ، و لم يسمع الكورد الا من القليلين ما كان من الواجب عليهم قول الحقيقة و توضيح ما جرى للكورد للعالم ، و هل من اعلام عربي اشار الى تلك المظلوميات او السياسات التي اتبعت و كان لهم من الامكانيات، وكانوا يتشدقوا بالانسانية في العقيدة و الايمان و الفكر.
الشق الكبير بين الكورد و العرب نابع من سلوك و تعامل و تصرفات السلطة للقومية السائدة صاحبة السيادة و لم يكن الكورد الا قومية خاضعة عديمة الدولة طيل حياته، و انعدام الثقة حقيقة فرضها الواقع و من يتحمل المسؤلية في هذا الجانب هو السلطة المركزية و القومجية العربية و المتعصبين العنصريين المتشددين و من لف لفهم.
حق تقرير المصير مكفول لكل من يستحقه و له مقومات تضمن بناء كيانه، و الشعب الكوردي يعيش على ارضه و لم يحتل يوما شبرا من اراضي احد بل تعرض للتعريب و ليس بضيف على احد و انه قرر ان يربط علاقاته بالمركز العراقي على اساس الفدرالية كما حصل، و ان كانت الظروف الموضوعية لم تسمح لخطوات اخرى هذا ليس بذنبه و لم يضر باحد عند اختيار هذا النظام و يمتلك من الثروات التي يمكن ان تعتاش عليها الاجزاء الاخرى من العراق ايضا. لم يتصرف قادة الكورد بثروات و ممتلكات الاخر و ان كان الاخرون يسرقون ما تحت ارض كوردستان طوال العقود المنصرمة دون اية خدمة تذكر لشعبها فما المنة التي يمن علينا بها البعض بين حين و اخر ، و لا يمكن نعت قادة الكورد بهذا الشكل و الدستور العراقي الدائم و بنوده فيه الحل للمشاكل ان طبقت بنوده بدقة، و قانون النفط و الغاز لم يطرح على البرلمان لحد اليوم و هذا ليس بذنب الشعب الكوردي و القادة الكورد ، و لا يمكن لهم الانتظار طول الدهر من يشفق عليهم و ليس الكورد بمن يتقبلون الصدقة من احد.
البيشمركة لم يكن في يوم جيشا مستقلا بل انه جيش مناضل و له تاريخ مشرف و قدم من الشهداء في الدفاع عن كوردستان و درء الاعداء و ليس معاديا للجيش الحكوميكما يصوره البعض بل هو الان جزء منه، و ما يخرج من الشعب العربي و من بعض المثقفين العرب من الذين يمكن ان نصفهم بعمود الفقري للثقافة العربية من اراء و مواقف ضد هذا الرمز لم يعد هناك ما يسمح لتقبله بعد، و تعد هذه التصريحات و الكتابات من التهديدات المباشرة لكيان الشعب الكوردي قبل البيشمركة، و كلما كان مستوى الثقافة العربية بهذا الشكل لم تعد هناك فرصة لبناء الثقة بين الطرفين بل تهدمها من الاساس، و لم يات الدكتاتور البغيض من الفراغ بل يتربص المتشددون الفرصة السانحة لاعادة التاريخ ، و لكن اليقظة لم تسمح لهم الكر مهما فعلوا. نعم كان تسلح الجيش العراقي على حساب الشعب الكوردي دائما و لم يدافع الجيش طيلة حياته عن ارض العراق بل اقحم في الحروب الخارجية التوسعية و قمع به الشعب الكوردي و المعارضة في الجنوب من الداخل.
اما الوزارات التي تسلمها الكورد و منها الخارجية في هذه الحقبة ، فهذا ما يجب ان نقيٌمه بشكل موضوعي و الشعب هو الذي يحكم و ليس المتشددين و الناطقين بالخلفية العنصرية المتعصبة المعلومة، و هم الذين لم يعرٌفوا العراق الا كدولة عربية قحة و كل ما فيه شعب عربي و لم يعترف هؤلاء بانجازات الكورد لهذا البلد مهما فعل .
التعامل مع امريكا ليس بسر و كانت كل العلاقات ضمن الحكومة العراقية وفق دستور يخول وجود اقاليم و برلمان و حكومات محلية و هي ذات صلاحيات و سلطات لا تحتاج الى مجيء جندي او شرطي عربي ليحمي الاقليم او ذهاب جندي او شرطي كوردي ليحمي الناصرية و الانبار، و الدستور الدئم يحدد الصلاحيات و كل ما يتكلم عنه هؤلاء هو رفضهم للدستور و هذا ما لا يقبله اي احد، و المحير و المخجل في الامر ان بعض ما يسمون انفسهم بالمثقفين يكتبون في هذا الشان دون ان يتعبوا انفسهم ولو للاطلاع البسيط على بنود الدستور العراقي الدائم .
ان كان لاقليم كوردستان حق بناء كيانه المستقل و تقرير مصيره و لم يمارسه و اختار الفدرالية فلماذا يعتبر ما ينفذه الاقليم لخدمة الاقليم و المحافظة على مصالحهم فقط ، اليس من حقهم الحصول على حقوقهم المكفولة بالدستورو القانون وهم ينعتون بالابتزاز، و لماذا يحسب البعض الحصول على الحقوق رشوة ، و ان كان ذلك صحيحا فلماذا يصر الكورد على اجراء التعداد العام للسكان ان كان ياخذ اكثر من حصته بينما يرفضه المتعصبون القومجيون، و ان كان محاولة ضمان تنفيذ الاتفاقيات ابتزازا فكيف بمن يشك و هو لا ينظر الى ما يحصل و لا يقرا التملص و المماطلة الكثيرة الحاصلة منذ سقوط الدكتاتورية في كثير من الجوانب الذي لا يتكلم المنتقدون عنها بل ينتقون ما يشفي غليلهم من التعصب و التشدد.
اما الاعلام الكوردي فليس الا مجموعة متواضعة من الصحف و الفضائيات الفقيرة و لا يمكن مقتارنته بالاعلام العربي الضخم الذي يقف وراءه اكثر القوى و المثقفين المتشددين ، و ليس الا اعلام لم يطرح يوما ما يسيء الى العراق و الشعوب الاخرى، بل حتى يُنتقد داخليا على انه يشوه الثقافة الكوردية الاصيلة و يخلطها بالاخرى، و كل الكتاب الكورد يبعثون عن الامل و هم معتدلون و يؤدوا الواجب الملقاة على عاتقهم في هذا الجانب بالذات بكل حيادية و عصرية بعيدا عن التشدد و التعصب الذي يتصف به الجانب الاخر السائد ، و الانسانية هدفهم و الديموقراطية و السلام و الامان توجههم.
و للجميع دون استثناء الحق في تقرير مصيره ، فالمحافظات و الاقاليم ان وجدوا ما يحقق لهم الرفاه و توفير الخدمات اكثرو اسهل باتباع بناء الاقاليم فيوفره لهم الدستور و لهم الحق في ضمان مصالحهم ، و هذا ليس بغبن او تعدي على حق الاخر.
المؤسف في الامر ان المتعصبين و المتشددين لم يدعوا العراق و شانه و انهم يضعوا العراقيل امام مسيرته و هم يريدون ان تسير اموره نحو الهاوية، و لم تعتدي الثورة الكوردية يوما على الشعب العراقي لا بالقوة العسكرية و لا بالاعلام، و كل ما في الامر انهم يحافظون على وجودهم و هم يطبقون ديموقراطية حقيقية و هناك شؤون داخلية لاقليم كوردستان يرتبها ابنائه، و حقا الشوفينيون هم من ينتقدون دون وجه حق ما ينعكف عليه الشعب الكوردي في بناء ذاته ضمن فدرالية يكلفها الدستور في هذه المرحلة. و هناك من يحارب هذه التجربة و هو قد افلس في فكره و توجهاته و يتارجح يسارا و يمينا في فكره و لم يستقر بعد على وضع، و كل ما ينطقه نابع عن تعصبه و عنصريته بعيدا عن الافكار التي يتشدق احيانا بها على انه تقدمي.
اما ما يخص التعداد العام للسكان و خاصة في كركوك ، فاسباب رفض الجانب العربي معلوم للجميع و هو نابع من تخوفهم من كشف الحقائق و توضيحه، و هم الوافدون الذين انتفعوا من اغداق الدكتاتور عليهم من الاموال و الهبات و الامتنيازات و يخافوا من ان يخسروها و اعادة الحقوق لاصحابها فيرفضوا ذلك، و ليس بعدم احساسهم بانه سيجري بشكل سليم كما يذكر البعض.
المراقب المنصف يجب ان يقيٌم الحال بحيادية و حينئذ يصل الى استنتاج بان الحال على احسنها و ليس لاحد التدخل في شؤون هذا الشعب ، العراق لايزال يئن تحت ضغوط الافكار الشوفينية و التشدد و التعصب الاعمى الذي من واجب الجميع رفضه. بل هناك من المثقفين لا يتفهمون ما مرَ به الشعب الكوردي و لا ينطقون بما حصل له الا البعض و منهم لتزيين ارائهم و مواقفهم و كي يثبتوا انهم على حيادو للتضليل ، و هذا لا ينبع الا من افكار ليس لصالح الشعب العراقي بعربه و كورده على العموم .
اما ما يخص بعلاقة الكورد باسرائيل ، فهذا ادعاء باطل و يعلم هؤلاء ما يعتبرون انفسهم بالمثقف ان العلم الاسرائيلي يرفرف فوق اكثر من عاصمة عربية، و من القوى العراقية و الشخصيات التي ينعت اسرائيل على العلن و هو يتلهف للتعامل معه و يعمل ذلك سرا، و يطلب رضاها.
اما يخص علاقة الاقليم بالمركز فيكلفه الدستور و القوانين التي يجب ان تصدر منه، وان الاستقلال من حق الشعب الكوردي، و كان بامكانهم ان يخطوا له في مراحل عديدة و انما اختاروا الفدرالية في هذه المرحلة، و هذا لا يعني بانه حمٌل الاخر الاذى و الاهانات و الابتزاز بل الحقوق لا يعطى بقدر ما يؤخذ و واجب الجميع ان يتعاونوا على ذلك و هذا هو المنطق السليم، و ان كان جنوب السودان توجه الى تقرير مصيره في الاستقلال و له كل الحق فان الشعب الكوردي لولا ظروفه الموضوعية يمتلك من المقومات لبناء كيانه اكثر من الاخرين، و لم يعتد على احد طوال نضالاته، بل تنهب ثرواته و يطرد و يرحٌل و يهجٌر ابناءه لاكثر من تسعة عقود، و ليس من الظلمات الا و تجرعها و لم يضر بالاخر كما يدعي البعض، و لكن يجب ان يتفهم الشعب العراقي ما يجري، و الخيرات و الثروات التي يمتلكها اقليم كوردستان تكفي لرفاه و سعادة شعبه و لم ياخذ من حصة احد و هو شعب كريم و يستحق ان يُحترم و يبني كيانه في الوقت المناسب، و على المتشددين و المتعصبين الكف عن ادعائاتهم الباطلة في هذا العصر الذي لا يتحمل غير احترام الاخر و عدم الغائه و تعامله وفق مباديء حقوق الانسان.[1]