هل المجتمع العراقي يتحفظ عن التجديد حقا؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3223 - #22-12-2010# - 12:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التجديد و التغيير عمليتان دائميتان و ربما تكونان متلازمتين في كثير من الاحيان لجميع جوانب الحياة، و هما سنة الحياة و لا يمكن تجاوزهما عبر المراحل المتعاقبة و الالتصاق بظرف و حالة معينة دون ان تجري عليها التغييرات لفترة طويلة ، و هذا ينطبق على كافة المجتمعات مهما كانت سماتها و خصائصها، الى جانب ذلك هناك عوامل و اسباب رئيسية مؤثرة في مسار العمليات الاجتماعية السياسية الثقافية الجارية في كل مرحلة ، بحيث يمكن ان ندرسها بشكل دقيق و نوضح مدى تاثيرها على الوسط و تاثرها هي بنفسها بحيث تتغير هي من جوهرها و تغير المجتمع و الواقع بها.
هناك العديد من النظريات التي تخص كيفية التغيير و كل منها وفق الخلفية الفكرية و الايديولوجية و لكن الاعتماد الاكثر يكون على المساند العلمية ان اردنا الدقة في التقييم و القراءة، و يخص الكثير منها بمدى قدرة المجتمعات على تقبل التجديد و التغيير ، و المحايدة منها تكون قابلة التصديق و الاثبات، اما الاخريات تكون نابعة من الامنيات او مراكزما تهدف اليه الايديولوجيات السائدة و فيها من الثغرات المكشوفة التي لا يمكن ردمها كي تفرض نفسها في الواقع، ولا يمكن ان يعتمدها الدارسون و المحللون.
التاريخ و ما فيه و طبيعة المجتمع و المسيطر عليه من الثقافة و محتواها و العلاقات الاجتماعية و الركائز التي تسندها و المعادلات التي تربط البنى التحتية و الفوقية و ما بينهما من الارتباطات و العلاقات الجدلية، و التاثيرات المتبادلة مع الاخر من الصفات و العوامل التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في كل عملية ، و ما تبرز من الاحتكاكات المستمرة و ما تفرضه المفاهيم السائدة و ما تحل محلها من الجديدة بعد التجديد و التغيير، كلها من النقاط التي يجب دراستها و بيان ما تفرضها.
عند القاء نظرة فاحصة على المجتمع العراقي و مكنونه و خصائصه و سماته و تاريخه و الحوادث و الظواهر الكبيرة التي حدثت فيه عبر التاريخ ، يمكننا ان نقيمه بشكل علمي دقيق و نعلم مدى تقبله لما يحصل له بعد كل مرحلة ، و ما نعلمه انه كان متلهفا الى التجديد عبر التاريخ ، و في نفس الوقت يمكن تحديد المعوقات و تشخيص العلل و تعين مصادرها التي تقف حجر عثرة امام التقدم و الانتقال بخطوات في اتجاه التجديد و التغيير . ان كانت العوائق الكبيرة اجتماعية بحتة و فرضت على المجتمع التزمت بعض الشيء ، فهناك ما يشجع على الاعتقاد بان قابلية الشعب كثيرة لهضم ما يستجد على الرغم من الموانع و العوائق و له القدرة الجيدة على التغيير و مسايرته لحين تثبيته و بيان صحته و الانتقال بمراحل نحو الظروف و الطبيعة و الخصائص و السمات الاجتماعية الجديدة التي تفرض نفسها بعد كل مرحلة متسمة بالتغيير و التجديد.
المعلوم ان المجتمع العراقي متعدد الاشكال و موزائيكي التركيب، و يحوي بناءه الاجتماعي على فئات و طبقات سوى كانت ناضجة ام لا، و شرائح و اعراق و اديان و مذاهب مختلفة، و استنادا على كل ذلك لا يمكن قراءة ما يتسم به البعض و تعميمه على الجميع دون الدخول في التفاصيل و دقائق الامور، بل يحتاج ذلك لتفاعل المكونات و تداخلهم كي نستنتج منه المعادلات التي يمكن بها قراءة قدرة المجتمع عموما على التغيير، اي تحديد المعيار و المقياس الملائم الذي يمكن ان نكشف به درجة تقبله لكل تغيير يجب ان يكون خاصا به، و معه يمكن قياس درجة استعداده بذاته دون تدخل اي طرف لهضم التجديد و التغيير و ان لم يتوائم مع صفاته، و بعدئذ يمكن ان نلمس ما يطرح من حاصل جمع التغييرات و يبرز منها السلوك و التعاملات و الاخلاقيات المغايرة مع ما كانت موجودة بحيث تلائم الجديد و تسايره.
لازال للحضارة العريقة متوارثاتها و نلمس ما يبرهن على ما يتصف به البعض من المجتمع بالحكمة و كأنها نبتت في كيانها و اصبحت غريزة له ، و هناك البعض يتنبا و يحلل و يرشد على ما هو الملائم للمجتمع بشكل عام مراعيا الخصائص بسليقته و خبرته التي تراكمت لديه عبر العقود ، اي انه فاضل بالفطرة و هذا ما يسهل سمة تقبل الجديد المفيد و يرفض القديم المضر و المعيق لحركة التجديد و التغيير.
يجب ان نعلم ان التغيير ان تم عبر المراحل بشكل طبيعي ستكون له حتمية الترسيخ و التجسيد في كافة النواحي مهما كانت العوائق، اما الوقت و طول المرحلة التي تتمخض فيها العملية التي هي معقدة في التركيب و الجوهر و الطرح فيتوقف على مدى تقبل المجتمع لها و لما تغيره ، و هذا ما يتوقف على المقومات التي تساعد على تسهيل العملية او الصفات التي تعيقها ، فالايديولوجيا السائدة و النظام السياسي من اكبر العوامل لهضم الجديد، و عدم تقاطعه مع المصالح الحيوية للسلطة، و شكل و خاصية النظام هي الابواب التي يمكن ان تدخل منها العملية التجديدية التغيرية لمسار حياة المجتمع و الوقت اللازم لتنفيذها و سيطرتها. اما ما يخص المجتمع العراقي وما نعرف عنه، انه طيل تاريخه لم نجد ما يعيق هذا المسار بشكل قاطع اللهم الا ما نلمس بعض الردات و الانحرافات التي لم تكن مانعا بشكل نهائي لما هو آت ، و كانت هذه الاعاقات من فعل السلطات المتنفذة التي لم تكن التغيرات لصالحها ، او فرضتها التدخلات من الاخرين في شؤونه.
نستخلص مما سبق ان التغيير و التجديد عملية حتمية واجبة الحصول و ان مانعت الجهات التي لم يقع لصالحها ، و الشعب العراقي فيه من المميزات التي تدع المراقب ان يتفائل في تقبل الاحسن و تصفية الموجود و بمراحل متعاقبة، اي مجتمع غير متحفظ و يتطلع الى الافق الجديدة دائما.[1]