كيف تُمحى مخلفات عقلية البعث في العراق؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3201 - #30-12-2010# - 17:41
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لو اعدنا بذاكرتنا قليلا الى بدايات بروز البعث الى الساحة السياسية العراقية و ما اعتمد من الحيل و الخديعة لتثبيت نفسه حينما كان ضعيفا، و قمع و ضرب كلما احس بقوة موقعه، و عندما نقارن اليوم و ما نلمس مما موجود من المشابهين لما انتموا اليه او من وريثيه على الارض لم نتيقن لحد الان من استئصال مخلفاته و ترسباته، و من يحمل بذور تلك الافكار و هو مستمر على تلك الافعال و يتبع سلوك تلك التجربة المشؤومة نفسها و التي لا يمكن تسميتها بالحزب او مؤسسة، و بالاخص منذ تسلم الدكتاتور البائد راس السلطة بشكل رسمي، ان قيمناها علميا وبشكل قاطع.
لو اعدنا النظر و بعين محايدة بعيدة عن التحزب و الافكار و العقليات المنتشرة هذه الايام في هذا التركيب الذي يمكن نسميه فرضا الحزب و هو تجربة شاذة لا مثيل لها من قبل و لن تكون مستقبلا في اية منطقة في العالم، و ما كان عليه منذ البداية وهو يتسم بوجود مجموعة من الكتل المتنفذة و التيارات و التوجهات و المحاور المختلفة بعض الشيء في تركيبته و كينونته من الداخل، و محاط باكثر من قوة متنفذة جماهيريا على الاقل نسبيا كالحزب الشيوعي و الاحزاب الكوردية في مراحل معينة مع تيارات هنا و هناك. نرى التحولات التي جرت على بنيته و تغيرت ملامحه من تركيب شبه حزبي و فيه شيء من الضبط و الربط الحزبي الى تجمع شرذمة من المرتبطين مع البعض لاجل مصالح شخصية بحتة.
منذ اعتلاء الدكتاتور الموقع بدا بتصفية من كان يمتلك شيئا من القيمة بحيث يفكرويدفعه ان يقف يوما بكلمة امام رغباته، و حادثة قاعة الخلد دليل قاطع على نوايا الدكتاتور منذ البداية ، و عند تفرغه من مهمته الداخلية بشكل كامل و اطمئنانه على تصفية الحسابات بدا بما حوله من محاربة القوى الاخرى و اكتمل المهام ايضا و فرغت الساحة الداخلية العراقية بشكل واسع لتحقيق رغباته الخبيثة و بهذا سيطر على العراق و مقدراته و مصير ابنائه بمساعدة حفنة من الاميين و باموال النفط، و البعث كهيئة و اداة لتحقيق الاهداف الشخصية الضيقة ، و لم يكن اعتماد الدكتاتورعلى ( الشقاوات ) اعتباطيا بل نفذ ضد مناوئيه ما لا يقبله العقل بهم من القمع و القتل و الارعاب و التخويف و التعذيب باعتى الاشكال مالئا افواههم باموال النفط.
لو نبشنا في تركيب هذا الحزب لم يبق فيه في مراحله الاخيرة من يمكن ان يشار اليه بانه فيه من السمة و المميزات او صاحب فكر او فلسفة او ايديولوجية معينة ، بل مجموعة من الاهل و الاقارب و ابناء العشيرة و القبيلة و المتملقين ، و بهم سيطر على كافة مفاصل الدولة الرئيسية، و هناك من الارقام او الاسماء الصورية الذي طرحهم الى الاعلام كلما احس باحتياجه اليهم ، لا يسعنا ذكر اسمائهم هنا و منهم من ندم او لم يتحمل كثيرا و هجر و منهم تلقى الضربة القاضمة بعد ان صحى ضميره بعد مدة.
اما من حيث الفكر و العقيدة و الايديولوجيا التي كانت تربط بالبعث ظلما و بهتانا لانه تفرغ منها بعد فرض الدكتاتور نفسه عليه ،و تبجح به هذا الحزب في بداياته و لم يكن الا تجربة مقززة و خلط و مزيج من مظاهر الحداثة و قشرة علمانية على الظاهرايضا مع الانحراف و التزييف و استغلال الدين لجوانب سياسية في نهاياته.
اي لا يمكن وصف هذه التجربة الخبيثة التي خلط فيها المظهر العلماني مع الدين و الايديولوجيا مع فلسفة بانها ليست الا خلطة (التضليل الفكري الايديولوجي) كما اشتهاه الدكتاتور ، و كل هذا من اجل مصالح شخصية بحتة ، لذا لا يمكن تسميته بالحزب او تيار وفق المقومات الاساسية للحزب والاسس العلمية المطلوبة لها.
اعتمادا على المستلزمات المتوفرة لديه، تبنىالدكتاتور العديد من الشخصيات الضعيفة و المهزوزة التي لا يمكن تسميتهم الا بالخدم ، و سيطر بهم على الدولة العراقية و اقنعهم بتلبية المصالح الخاصة لهم و وفر لهم من مستحقات الشعب العراقي، بينما عامل الشعب كقطيع وهو يفعل ما يشاء و يعامل المعارض بالحديد و النار وكان مصير من يئن غياهب السجون او الاعدام، و اشعل الحروب و راح ضحيتها الكثير الكثير. و ساعدته على هذه العملية الطويلة اللاانسانية كما نجح فيها الظروف الدولية و ما كانت عليه العالم من الحرب الباردة، و فيها فسحت المجال للتلاعب بالدول المعنية، و المصالح منعت التكلم او الاعلان عن اي سوء يتعرض له الشعب استنادا على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان بما فيهم العراق.
استمرارية هذه الحال طوال اكثر من خمس ثلاثين سنة افرزت شخصيات تتمتع بهذه المواصفات و العقلية و الفكر و لا تمتلك غير هذه الاعمدة الخبيثة التي تبنتها الدكتاتورية، سوى كانت في ادارة الاحزاب او الدولة بمفاصلها المختلفة، و تركت هذه المرحلة اثارا و مخلفات من جميع النواحي على الشعب و ما فيه و وفرت ارضية مناسبة لانتاج تلك العقليات و ادامتها ، و هم بذاتهم الذين يتعاملون مع الواقع الجديد بعد سقوط الدكتاتورية بالروحية و العقلية و السلوك و النظرة ذاتها و لم يتعلموا من التغييرات العالمية و النظام العالمي الجديد و ما افزتها العولمة الا القليل، فلازالت عقلية الانقلابات و البيان رقم واحد مسيطرة على تفكيرهم ، و هم يحاولون لهذا بطرق شتى ان توفرت امامهم فسحة و مجال ما ، و الى اليوم يفكرون بالشكل المطلق كما كانوا و لم يعلموا مفهوم الحوار و كل ما يؤمنون به هو الغاء الاخر غير الموافق معهم ، و يعملون على انهائه بكل السبل و الاشكال، و بنفس الذهنية الدكتاتورية ينظرون الى حياة الجديدة و لم يتعظوا ابدا لا بل يعتبرون المرحلة مؤقتة مؤملين العودة و يتربصون فرصة لاستغلالها لضرب هذه الجربة و الهامش من الديموقراطية الموجودة و بدعم اقليمي و بعفل نابع من المصالح الضيقة التي تبث السموم من قبل هذه الانظمة في المنطقة و تعتبر الديموقراطية مزلزلا لكيانها لو اقتربت من باب دارها.
اليوم نتلمس مخلفات و ترسبات و عقليات شبه ميتة تريد احياء تلك التجربة البغيضة بحجج و مبررات و اعذار واهية مستغلين الديموقراطية و المستوى الثقافي العام و الديموقراطية لضرب البلد والديموقراطية بنفسها مستندين على ذات الاركان و الاعمدة و القواعد و الفكر و العقلية التي تبنتها الدكتاتورية المقبورة و يحلمون بفرض ما يمكن ان يعيد بنا الى الماضي، و اليوم نراهم مستخدمين المال الخارجي و الامية المتفشية و كياناتهم التي سمحت لهم الديموقراطية بتاسيسها.
من اجل عدم الدخول في النفق الضيق الذي يصعب فيه محاربة هؤلاء و العمل على استئصالهم وقطع دابرهم بشكل نهائي لابد الحذر و العمل الدؤوب على محو ما خلفها البعث و قطع الطريق امام احيائه بشكل و قشرة اخرى و بنفس الجوهر و اللب. و يتم ذلك من خلال منع بناء تركيبته المعروفة و الا يسمح لمن يحمل تلك الذهنيات ان تصل يدها الى تلك المقومات التي تقف بها في بناء تيار او حزب كما كان . و من جانب اخر على المهتمين تفسير و توضيح ما كان البعث عليه للجيل الجديد و خير وسيلة هو رفع المستوى الثقافي و الوعي العام و توفير الخدمات العامة لعدم فسح الطريق لاستغلال ولو ثغرة من قبلهم ، و كلما قلت نسبة الامية ضاقت الطريق و قلت نسبة و احتمال انبعاث تلك المخلفات و عندئذ يمكن استئصال البقايا من جذورها. وهو خير ما نعمل من اجل تامين الحياة الحرة الكريمة و الديموقراطية الحقيقية و المعيشة الصحيحة لابناء شعب العراق المغدور، وعلى الجميع و خاصة الخيرين من الوطنيين عدم التغفل عما يجري و الا العواقب لن تكون مضمونة.[1]