يسعى الاسلام السياسي لاعادة التاريخ في كوردستان
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3134 - #24-09-2010# - 10:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مهما قيل فان التاريخ سائر في دربه و لا يمكن ان يعيد نفسه بفعل ونتيجة التغيرات المستمرة الحاصلة في كينونته في جميع المجالات وما تتسم به السيرورة الكونية و تسلسل المراحل و التطورات التي تفرض نفسها على شكل و تركيب و صفات المجتمع . ربما تحصل التشابه في زاوية او جزء او عملية ما او حادث يتكرر، و مع ذلك فان هذا ايضا لا يمكن ان يتطابق مع سابقه بشكل مطلق و انما يكون هناك وجه للتشابه تلك في صورة او حالة ما . لقد اُستغفِل الشعب الكوردي في العديد من مراحل التاريخ و فُرضت عليه امور كان بوسعه ان يتجاوزها او يتلافاها او على الاقل يقلل من تاثيراتها السلبية، لو كان يتمتع بمقومات و سمات تؤهله على التعمق في جوهر القضايا التي مر بها، و كان في جميع الاحوال اما اُجبر على ما ادخل فيه او ارتضى بما اريد منه لقناعته العقلية و الفكرية التي كان يلتزم بها حينئذ، و كان متضررا هو قبل غيره من مجريات الامور. نرى عبرتاريخه الطويل استغلاله و استخدامه في تحقيق مآرب جهات اخرى بحجج و مبررات اقنعته على الاقدام على اتباع توجهات و افعال كان هو في غنى عنها و لم تكن لصالح مسيرته الحياتية باي شكل كان . عبر مسار التاريخ فرضت عليه افكار و عقائد و اديان و مذاهب بكل الطرق غير ما كانت اصيلة نابعة من ذاته ، سوى كان الفرض ترهيبا او ترغيبا او بالحيل و الخداع و استغلت خصائصه و سماته الفضيلة العامة و دخلوا الى عمق داره مستغلين الثغرات المختلفة في تركيبه لتحقيق مرامهم و نجحوا كثيرا فيما هم نووا و وصلوا الى اهدافهم بسهولة لاسباب و عوامل عديدة سوى كانت سياسية ام اجتماعية ام اقتصادية او ثقافية او كافة هذه العوامل مجتمعة.
اليوم و بعد التغييرات الهائلة في طبيعة و شكل المجتمع الكوردستاني و انفتاحه و استدراكه للعديد من الامور و تحليله لتاريخه و قراءته لما مرً به و تحديده لنقاط ضعفه و قوته و محاولاته في ردم ثغراته في تركيبته المختلفة لحدما ، و الاهم ازدياد نسبة الوعي العام للمجتمع و غوره في مواضيع و امور لم يكن يقترب منها خوفا او حذرا من قبل و هي تمس حاضر و مستقبل اجياله و كان من الواجب ان يدرسها و يهتم بها بشكل دقيق جدا.
الجانب الهام الذي يفرض نفسه علينا ، و من الواجب التعمق فيه و تحليله و دراسته بشكل مفصل هو ما اعتنقه طوال تاريخه من الاعتقادات و الخرافات و الافكار و الاديان و المذاهب و كيفية انتشارها بين ظهرانيه و الظروف العامة التي كان يمر بها و كل ما يتعلق بهذا الموضوع من كافة الجوانب سوى كانت بالدراسة المتانية العلمية العميقة في قراءة الاحداث التاريخية او الظروف الاجتماعية السياسية الاقتصادية العامة التي عاش فيها و عوامل نجاح الوافدين مرات عدة و فشلهم عادة في مواقع هنا و هناك للوصول الى مبتغاهم او تراجعهم لصعوبة الامر و تحديد الطرق المتبعة من قبلهم، في سبيل الاعتبار منه و عدم التكرار و الاخذ بالايجابيات و تجاوز السلبيات و محاولة ازالتها مع اثارها .
من جانب المعتقدات و الافكار و الاديان ، و ما استورد فيما بعد تجسيد الحال و نجاح المحتلين و الوافدين القدامى، فاننا يجب ان نستذكر ما كنا فيه و ما آلت اليه اوضاعنا و كيف تغيرت احوالنا و فرضت علينا امور لم تكن من صلب تارخنا و مسيرتنا و لم نكن مؤمنين بها لا من قريب او بعيد، و بعد تحقيق اهدافهم العديدة، استغلوا هذا الشعب المسالم كوسيلة في مواضيع ابعد من المعقول و من اجل تحقيق اهدافهم البعيدة في مراحل من تاريخه العريق. لقد ثبتت الافكار و المعتقدات نفسها سوى ارتضينا ام لا و ورثتها الاجيال و فرضت مغالطات و شوه التاريخ و انقاد هذا الشعب نحو اهداف وهو في غنى غنها و يدل على مدى سذاجته بعض الشيء في مراحل متعددة من تاريخه.
استغل الدين منذ ابنثاقه او فرضه هنا بالقوة لتحقيق مجموعة من الاهداف اضافة الى ما يحوي بنفسه على امور مادية بحتة متحركة بدوافع و حجج مثالية و بوسائل من الناحيتين. لم يكن الاقتصاد و المصالح المختلفة بعيدة عنه يوما بل كان في مقدمة المواضيع المتصلة بامور الدين، لذا نلمس نحن بان الشعب الكوردي استخدم كاداة بيد المتنفذين مستغلينه بدوافع دينية بحتة في اعماقه للوصول الى الاهداف الاخرى و هو لا يعلم بها و فرضوا عليه ما كان عليه الا يتقبله لو كان لديه المستوى المطلوب من الوعي و الادراك بجواهر المفاهيم التي اتبعها الاخر دائما. فواجه الموت و الدمار و الحصار و الفناء جراء اتباعه لطرق المصلحيين الدهاة من الاخرين الذين وفدوا و احتلوا كردستان بكل السبل، و لم يكن ينظر الى ما يخصه و يهمه بانفراد و عزلة عن مصلحة الاخرين ، الى ان وصل الى ما هو عليه دون ان يستفيد مما اقدم عليه مثقال ذرة تُذكر في جميع مراحل التاريخ و التي دخل الاخرون الى ارضه و قدم تضحيات جسام و ادخلت في حساب الاخرين.
بعد ترسيخ ما فرض عليه بشكل نهائي و توارث الاجيال من الترسبات و بقت احواله كما هي طوال القرون و العقود المنصرمة، ابعد عن صفاته الاصيلة و ما كان يتميز به في كثير من الجوانب، فاليوم نرى من يحاول اعادة التاريخ في هذا الصدد و ما شاهده تاريخ هذه المنطقة، و لكن بوسائل عصرية مغايرة و لكن لنفس الاهداف و التوجهات القديمة الحديثة. ان لم تبق من العوامل و الارضية المناسبة لتساعد في اعادة الكرٌة من الاحتلالات و الاستغلالات و السلب و النهب و السرقة للثروات و الاستعباد، فان هناك من يعمل على الوتيرة ذاتها سوى كان بعلمه او مستغفلا من قصر عقليته او تفكيره او لفقره الذهني و سيطرة الافكار و العقائد المتوارثة المساعدة على تكرار ما حدث من قبل. ان كانت المراحل السابقة من تاريخ كوردستان بالذات و نحن تحت ضيم الاعداء و المحتلين و نفذوا فينا ما كان يحلو لهم و وصلوا الى غيهم بشتى الوسائل، فاليوم ما افرزه التاريخ من الافكار و العقليات و ما فرضت من العادات و التقاليد تساعد على التزام العديد من ابناء هذا الشعب بما ليس من عمق مصلحتهم ، الا ان التطورات اصبحت عائقا موضوعيا امام اعادة التاريخ. فاستغل الدين من قبل الاخرين لتثبيت الذات و ترصين الاوضاع الخاصة و الامور التي تهمهم بنفسهم دون غيرهم ، اما نحن فلم نكن ولو لحظة نفكر في مصلحتنا لا بل ساعد ما التزمنا به و ما فرض علينا على فرقتنا و تبعيتنا للاخرين و استغلالنا لما استهدف الاخرون اليه .
يسعى الاسلام السياسي بالذات في هذه المرحلة في اقليم كوردستان و لمصالح حزبية و اعتقادات و افكار لاعادة التاريخ بوسائل اليوم من التجمع كاحزاب سياسية مشابهة لاخرى فيما كان عليه في حينه في الجوهر ومختلفة عنها في الشكل و التركيب، و مستغَلين من قبل الاطراف الخارجية، و هم يستغلون الظروف الاجتماعية الاقتصادية و ما لصالحهم منها لتحقيق ما يعملون و من يساعدهم من اجله، و لكن التغيرات الكبيرة الهائلة في الاوضاع العالمية و ما فرزته العولمة من جوانبها المختلفة و الايجابية منها و خاصة الاتصالات و الاكترونياتمن الجانب الموضوعي و التطورات الحاصلة ذاتيا في الشعب الكوردستاني لم تدع العقليات و الافكار المنتشرة ان تكون محصورة في بودقة واحدة و لم تدع الامور بيد شخصية او جهة معينة، فالاحتكاكات و ما يتلمسه الشعب الكوردستاني من التطورات لم تدع ان تصبح الطرق مفتوحة و واسعة و سهلة كما كانت عبر التاريخ كي يسلكها الاسلام السياسي لتحقيق ما حققته اسلافهم في القرون الماضية، لذلك لم نشهد تطورا ملحوظا في بنية و ثقل احزابهم ، و لم تمتد ايديهم لغير مساحة معينة و محددة من ابناء الشعب غير الذي استغل الظروف الاقتصادية السياسية الاجتماعية القاسية التي مرت بها كوردستان و خاصة هذا الاقليم في مرحلة محدودة، و اليوم انتقلت لمرحلة اخرى مغايرة تماما وهي ليست لصالح الاسلام السياسي و اهدافه و شعاراته المعلومة.[1]