لماذا يُستهدف الصحفيين في اقليم كوردستان ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 3002 - #12-05-2010# - 19:42
المحور: الصحافة والاعلام
بين فينة و اخرى و يعود القمع بشكل ما الى الساحة الكوردستانية، المسبب مجهول في اكثر الاحيان، و تكون الضحية في معظمه اصحاب الافكار و المواقف و الاراء الجريئة و النخبة التي لها التاثير المباشر على الحياة العامة للمجتمع بجميع جوانبها، و هي العقول و الافكار و الاقلام التي لا تخاف شيئا و لا يهمها سوى قول الحقيقة و تتبع طريق التغيير و التحول و الاصلاح سالكة الاسلوب و السلوك المتمدن طارحة كلمة معبرة عن امال الاجيال المؤمنة بمستقبل الاقليم و تطلعات شعبه الامن.
يبدو اننا توارثنا صفات من ظلمنا و اقمعنا من قبل، و قفل افواهنا حين دافعنا عن حقوقنا و طالبنا بما نستحق و عاملنا بابشع الطرق من السجن و القتل و الاعدام و التعذيب بمختلف الاشكال، ناهيك عن التسفير و الترحيل و سلب و نهب الاملاك و الممتلكات.
هل يصح ان نتعامل انفسنا بما تعاملنا به من كان جاثما على صدورنا لعشرات السنين، و ان نتصرف و كأننا في زمن ولى و ننظر الى الاحداث باعين الماضي و عقلية المحتلين و الدكتاتوريين، و نعمل بنفس الاخلاق و لكننا نحس بالفرق وهو اننا نتكلم بنفس اللغة فقط ، و من اعتدى علينا كان يشبهنا الا في اللغة و الاعتقاد، هذا ان لم تكن هناك ايدي خارجية تريد التخريب و الفوضى في الاقليم. اين الحرية التي ننادي و الديموقراطية التي ندعي و الحقوق العامة التي نطالب . اين الخلل في الخروقات التي تحدث و نبعد عن الاهداف المنشودة ، كيف نقرا الواقع و من المسؤول فيما يحصل من الفوضى التي تجري فيها ما يحز النفس، و لماذا الاقدام على قتل الانفس و الارهاب ، الم تتوفر وسائل رادعة اخرى لمنع ما يقف حجر عثرة امام تحقيق المصالح الضيقة غير القتل و كم الافواه ، ما الهدف وراء ارهاب الكلمةو الصحافة بالذات .
لو كانت الحالة واحدة و نادرة فربما يشك بعضنا في ان خطئا ما حدث في التخطيط و الاسلوب في التعامل مع الاحداث، او لقلنا انها ربما تكون تصرفات شخصية عابرة ليس بشرط ان تكون ورائها اجهزة و مخططات و عقليات مدبرة و ليست ورائها دوافع سياسية ، و العقليات التي نفذت هذا الخطا قد نفذت عملها بدافع من فكرها و ايمانها الفردي وارثا الصفات من نفي الاخر و اقصائه من ترسبات الزمن و العقود الدكتاتورية التي مرينا بها. تكررت الاحداث و اسشهد مناضلو الكلمة و الموقف، و هذا نذير شؤم و بداية خطرة لوأد المساحة المحدودة اصلا من حرية التعبير و الصحافة المستقلة و القلم الجريء المعبر عن امنيات الشعب في هذه المرحلة.
العملية السياسية برمتها لم تتغير بشكل ملحوظ كي تتلائم مع الواقع الجديد و الظروف المستجدة و ما تتطلبه الحياة المدنية في القرن الواحد و العشرين ، التحزب و ادارة الاقليم و الصراع و التنافس لم يتغير قيد انملة منذ انتفاضة اذار ، ما يسيطر على الحياة العامة هو المصالح و الترغيب و الترهيب و المحاباة و المحسوبية و المنسوبية و استعلاء المواقع الاجتماعية استنادا على القوة و الحجم و التكتلات و الارتباطات العشائرية و القبلية والحزبية، و لم نجد المؤسسات التي تعبر عن الواقع الجديد و المرحلة الجديدة و ما يتطلبه الاصلاح و التقدم المنشود.
لم نحس بوجود استراتيجية معينة في التخطيط لحكم الاقليم من اية ناحية ، كل ما نلمسه هو التعامل مع الوقت بشكل اني و مؤقت و بحالة طورايء مع الاحداث المتعاقبة دون اي اعتبار لما يتمخض مستقبلا عن السلوك المتبع .
الفاجعة الكبيرة التي حدثت اخيرا في استهداف شاب في مقتبل العمر جريء و مثقف صاحب راي و موقف و ان كنا نوافقه ام لا في ما يطرح ، هل تجاوز الخطوط الحمر بمعنى الكلمة و ما نوعها ، هل هي الخطوط الحزبية او الشخصية ، و هل فعل ما يضر بالامن القومي و مستقبل الاجيال ، هل اثر على اقتصاد البلد و استاثر بالمناصب و الممتلكات ، هل كان حجر عثرة امام التقدم و بناء الاقليم، هل خان كوردستان و تعاون مع اعتى اعدائه، هل كان جاسوسا لصالح المحتلين ، هل نهب ثروة البلاد و وزعها على الموالين ، هل سبب في قتل الالاف من الشباب ، هل عاش و نعم بملذة الحياة على حساب الطبقة الكادحة و الفقيرة المعدمة، هل سبب في حدوث الهوة الكبيرة بين الغنى الفاحش و الفقر المدقع، هل اضر بما يخدم حق تقريير المصير للشعب الكوردستاني . كل هذا و الجواب بالنفي يدلنا على ان السلطة و منها الامنية بالذات لا يهمها الامن القومي و لا يرف له جفن في المحافظة على حياة شاب واعد بقدر ذرة من اهتمامه بالحزب و القيادة ، لا يهمهم القانون بقدر اعلاء قرارات الحزب و القيادة فوق الجميع،و لا يهمهم امن الاقليم بقدر سلامة الحزب و القادة و عوائلهم فقط . قتل الصحفيين رسالة واضحة و صريحة لمنع الانتقاد و تخويف الاخرين دون ان يحسبوا للمتغيرات ما يعكس الامر عليهم و ينقلب الحال، انهم غلقوا الابواب امام الشفافية و الديموقراطية و حرية التعبير ، و لكنهم لم يحسبو بدقة ما الردود الافعال التي تغلق الطريق امام نجاحهم في كتم الافواه، فهناك الالاف من الصحفيين و الاجيال متطلعة بشكل واعي على الاحداث .
استشهاد الصحفيين نقطة سوداء في تاريخ الاقليم الحديث و يؤثر سلبا على كافة نواحي الحياة و على السلطة ذاتها و بمستقبل الاقليم و العملية السياسية وسمعتها، لم يبق امام السلطة الا البحث الدقيق في الحدث و اجابة الراي العام بشكل واضح و صريح ،و كشف الفاعلين من كانوا لبيان مصداقيتها و عدم خلق الشكوك في تورطها في مثل هذه الاحداث. ما يستنتج من هذه الاحداث المثيرة للجدل هو عدم ثبوت حق المواطنة ، و ليس للقانون صوت ، و كلمة الحزب و القيادة السياسية هي الاهم ، و لازال الفساد منتشرا و كلمة الفرد الحاكم الاوحد هو المسيطر على الواقع السياسي لاقليم كوردستان. ما يفرحنا في هذه الاحداث هو ردود الافعال القوية من قبل الجميع و مدى وعي النخبة و تاثيرات الراي العام، اما لماذا الهدف هو الصحفي ، فالوسيلة الهامة و الرئيسية الحقيقية لاظهار الحقيقة هي الصحافة و الصحفي الجريء ، و العامل الحاسم لتقدم الشعوب و اثارة الراي العام و كشف الفساد ، و ضرب المصالح الشخصية و الحفاظ على المصالح العامة ،لذلك هو المستهدف.[1]