يتجسد الواقع الاجتماعي الجديد ما بين تغييرات الثقافة و السياسة والاقتصاد
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2891 - #17-01-2009# - 17:27
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
لو اعتمدنا على اية نظرية علمية مثبتة و مؤمنة بها من قبل الاكثرية، و منطق نابع من الخلفية العقلانية للفكر الانساني حول مسيرة البشرية، و مراحل تطورها و انتقالاتها و قفزاتها و تراجعها احيانا في المراحل التارخية الغابرة و في جزء من الحقبات الواضحة المعالم، و وصولها الى ما هي عليه اليوم من الرقي و الرهافة في العمل و التعامل و النظرة الى الاخر، نلاحظ مدى تغييرها من كافة النواحي ، اضافة الى ذلك نكشف طريقة غورها في العملية العقلانية المتعددة الجوانب في تسهيل امور الحياة و اعتمادها التقدم التكنولوجي من اجل راحتها و معيشتها و اتساع الهوة و المسافة الطويلة بينها من كافة النواحي الثقافية الاقتصادية الاجتماعية السياسية و بين الكائنات الادنى رتبة منها وفق نظرية التطور و ما تضمنها.
الانسان بحد ذاته محب للتغيير الدائم ان عاش طبيعيا و يستغل كافة القوى المتوفرة او يبتكرها كوسيلة للوصول الى المبتغاة ، و حب الذات دافع قوي للتركيز و تكثيف الهمة و اتباع الطرق المختلفة لحل المعادلات و التفاعل مع المحيط وانتاج الثمرة المنشودة في قافلة الحياة.
بدون شك، ان النظريات المختلفة و من الجوانب المتعددة تلتقي في النهاية في نقطة واحدة، و هي الانتقال المرحلي و التغيير الدائم و حصول المستجدات في كل مرحلة و تجمعها و تراكمها و التقائها في النهاية . فان التطور الطبيعي و الارتقاء و الانتخاب و الصراع من اجل البقاء تتوافق مع المادية في التفكير و الاعتقاد، و في المقابل ربما يفرز ما يقف ضد التجديد و التحديث و هو شان ما يجري في الحياة البشرية بين السالب و الموجب و مرادفاتها من حيث المضمون و المعنى و الشكل و التركيب و الاهداف من الناحية الفلسفية و الاجتماعية و السياسية و ما ينور الطريق و يجد الحلول و يعبر العملية نحو النجاح هو الثقافة الصحيحة الملائمة لكل جديد.
بما ان الحياة قد تبنت على العنف و الشدة و الصراع من اجل البقاء كما هو المعلوم، فان الثقافة هي التي غيرت الانسان و وجدت له طريق السلامة و الامان و استبدلت مجرى حياته و اعلتها نحو مرتبة اخرى من سلك تطور الكائنات الحية، اي اللغة و الصناعة و العلاقات و الروابط الاجتماعية و التجمع البشري و التركيز و التكثيف في العمل على تقوية العقلانية في السيرو التي هي من العوامل لاساسية للتقليل من حدة القمع و احترام الاخر و توفير الحرية بوجود المستلزمات الضرورية الهامة في حياته و التي تزداد يوما بعد اخر.
و بعد تعقيد الحياة و ما فيها من المستلزمات ، اجبر الانسان على اتباع طريقة لادارة التجمعات و كيفية التعامل مع المستجدات و انبثقت جراء تلك التطورات و التغييرات مصالح مختلفة و من ثم اعتلى شان القيم و المباديء في مراحل متلاحقة، و هنا احتاجت الحياة الى طريقة و فكر و عقل مختلف تماما لمسايرة الامور التي تمس الاطراف كافة، فبرزت السياسة كعلم و طريقة في ادارة ما يمكن تنظيمه لصالح الملمين و المهتمين، و هذه ما تحتاج الى اليات و وسائل و ابتكرت جراء التاكيد على ايجادها و ضرورتها ،و اثرت على القمع و الشدة الموجودة اصلا و بالتالي اثرت على الواقع و استجد اخر مغاير له تماما بمرور المراحل.
بعبور المراحل المتاخرة و المتخلفة من حيث المعيشة في العصور الغابرة، انتقل الانسان الى وضع و واقع لا يمكن التراجع عنه، و خلف ورائه الصراعات الحيوانية، و ترسخت ارضية ملائمة لما تهم الانسان و الانسانية و حقوقه و معيشته و احتياجاته و واجباته، و بدا عصر التنوير و التجديد و الذي استهل من الانسان و فيه بالذات، اي العمل على ازالة ما مرً عليه الزمن من تفكيره و عقليته و صفاته و معاملته مع الاخر و نزع الترسبات و التراكمات الاجتماعية السلبية منه و تحرر و انعتق من اغلال العادات و التقاليد التي كونتها الروابط الاجتماعية و الثقافية العامة للانسان في مراحله المختلفة.
و من ثم بدا التطور و التقدم في كافة الاختصاصات التي تهم الانسان نفسه و حياته من السياسة و ما تحتويها و الثقافة و فروعها و المجتمع و ما يتضمنها من كافة النواحي و الاقتصاد و روافدها و الادارة و اسسها و نظرياتها.
و عندما وُضع قطار معيشة البشرية على سكته الخاصة بدا التجديد و التحديث و الاصلاح و التغيير بعد تراكم التغييرات و اختلفت الموازين و انتقلت المراحل . و هنا ظهر التجديد الحقيقي و هناك وجدت الترددات و الخوف من الانتقال و ظهرت الثقافات المزيفة المعرقلة للحقيقة الصادقة الصحيحة للبشرية و ما تمسها، الى ان وصلت الحال الى الاعتماد على الفرد بنفسه و محاولاته المتكررة في التجديد و التغيير و من ثم التاثير على العام و حدث ما يدفع الى ايجاد المبتكرات و المخترعات و الابداعات في كافة المجالات، الى ان تم وضع حجر الاساس لعالم مغاير تماما لما كان عليه من قبل، و وصل الى مرحلة التقدم التكنولوجي و الاتصالاتي و ما فرضته العولمة و اثرت على البشرية، و لم نجد بقعة الا وتاثرت بالتطورات العالمية و ما لها من الابعاد و المعطيات و ما فرزتها من المنتجات الجانبية. و تغيرت الثقافات و تاثرت ببعضها و كما هزت التربية و التعليم و الروابط الاجتاعية الاقتصادية العالمية من مكانها و تغيرت مكانتها و موقعها و تواصلاتها و علاقاتها مع بعضها، الا ان الفروقات الطبقية ازدادت توسعا و اثرت على حياة البشرية ، و يمكن ان تكون مؤقتا لفترة او تبقى هذه الفروقات لمراحل بسيطة و قصيرة مقارنة مع تاريخ البشرية، و من ثم تبدا مؤثرات و موجبات العدالة الاجتماعية المطلوبة و تطلق تاثيراتها و تفعل فعلتها في نخر كيان الفكر و العقيدة و الفلسفة التي تضر بالبشرية و ما يهمها، و يسير العالم نحو المساواة.
اذن بانبثاق ثقافات جديدة من رحم التغييرات و انعكاساتها او بالعكس و بازالة القمع و الشدة و العمل على تخفيف اثارها و بسياسة واضحة مدبرة لامور المجتمع سيتجسد واقع اجتماعي مغير لما قبله و يحدث التطور المشود و به تتقدم البشرية و تبدا مرحلة انسانية جديدة و عامل انساني اكثر امنا.
و عند القاء النظرة الفاحصة الان و نحن في القرن الواحد و العشرين على ما فيه العالم في كافة بقعه نرى اختلافا واضحا في طبيعة المعيشة للفرد و المجتمع،و اختلاف المواقع يكون حسب الاجتهادات و اصرار الشعوب على التطور المستمر، و هنا يبرز عامل الحسم في انبثاق التغيير و يتكون واقع جديد مغاير تماما لما قبله في كل بقعة، و تكون التغييرات متوالية و تلتقي البقع اخيرا و ربما تكون متسلسلة و لكن يكون السير دائما نحو الامام.[1]