المركزية لا تحل المشاكل الكبرى بل تعيد التاريخ الماساوي للعراق
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2819 - #04-11-2009# - 17:37
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كما هو المعلوم، ان تاريخ العراق مليء بالحوادث، و مر بمراحل عديدة متفاوتة الشكل و التركيب و الصفات من كافة النواحي السياسية و الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية، و ما اتصفت به كل مرحلة من انها اختلفت فيها الاولويات في العمل و تشابهت المهمات الرئيسية، وكانت الخصوصيات متطابقة لحد كبير بين السلطات و متشابهة و ثابتة في جيمع المراحل، بسبب الاصرار و التثبيت في الحكم المستندعلى المركزية و التهميش ما يخص الاطراف و ما يحتويه المجتمع من المكونات المختلفة، مهما اختلفت مسميات الدولة من الملكية الى الجمهورية، الا ان التطبيق العملي للنظام السياسي العام و الاهداف العامة كانت متشبهة في جميع المراحل التاريخية، و هذا ما يثبت ان المباديء الاساسية و الاعمدة و المرتكزات كانت مبنية على الخطا لانها لم تجلب للشعب العراقي في النهاية غير الويلات و المآسي المتكررة، و لم تساعده على تنظيمه و ترتيب اموره و تطوره، و لم يحس الفرد العراقي في اية مرحلة بالمواطنة الحقيقية و بوجود الافاق المضيئة لتقدمه و تنمية وطنه و كانه عاش في الظلام و في ظل انعدام الحرية و الديموقراطية الحقيقية. و ما فرض فوقيا و مركزيا من قبل السلطات المتعاقبة و ما عملت على ان تبني العراق عليه هو من اجل فرض كيانه المعلٌب و المصنوع من عقليات معدودة في من كافة جوانبه و محاولتها لفرض النظام بالقوة بعيدا عن الاقتناع و الايمان بالوطن و الوطنية النابع من الجوهر الفكري العقيدي الصحيح، فجلب معها الضيم للعراقيين، و هو نتيجة طبيعية لاتباع المركزية القحة المفروضة فوقيا دون ارادة الاكثرية، و هي المعبرة عن الهوية الوحيدة الرؤيا و النظر و المضمون التعبير. و على الرغم من استخجام القوة بجميع اشكالها الا ان الكيان العراقي المتعدد الجوانب لم يكتمل طيل اكثر من ثمانين عاما و الذي كان من المفروض ان يكتمل ذاتيا .
المرحلة الحالية بعد سقوط اعتى دكتاتورية، فان الاوضاع غير مستقرة لاسبابها المختلفة ، من توارث العقليات و الترسبات التي وفرتها لنا المراحل السابقة المستندة على المركزية و الاستعباد و الاستعلاء، الى اصدار الاوامر الفوقية دون اي اعتبار للاختلافات و الامنيات و مصالح الفئات و المكونات. و الحالة الانية طبيعية ان قرانا الواقع و تاريخ العراق و استمرار الانظمة السياسية على ارتكاب الاخطاء المتكررة من الجوانب الفكرية العقيدية و طرق تنظيم الامور و منظومة النظام السياسي و محاولتها فرض هوية معينة على العراق بعيدا عن تقييم الاوضاع الاجتماعية و السياسية العامة و ما تتمتع بها المكونات المختلفة للشعب العراقي الموزائيكي التركيب، وما يجري في هذا الزمن لا يمكن محوه بين ليلة و ضحاها، و انما المخلفات التي تركتها الانظمة السابقة و بالاخص النظام الدكتاتوري لا يمكن تلافيها بسهولة في فترة قياسية و في ظل الظروف الدولية و الاقليمية و الداخلية و العقلية الحالية الشائبة و التي تؤثر عليها جهات متعددة عدا ما ابقاها لنا النظام البعثي و اذياله. و ما اتسم به الفرد العراقي هو احساسه بالاغتراب المستمر منذ نشوء الدولة العراقية و اختلاف منحنيات المستوى الثقافي العام للشعب و عدم ترسيخ الديموقراطية و القيم و المباديء العامة لها في ظل المركزية المفرطة المؤدية في اكثر الاحيان الى الدكتاتورية باشكالها المختلفة، و في جو سيطر عليه استعلاء مكون واحد على الاخرين وفي ظل وجود درحات متفوتة و متباينة للمواطنة بين افراد الشعب، و هذا ما جلب الحالات غير الصحية في تصرفات و تعاملات المكونات و المواطنين مع بعضهم و سيطرة الافكار الضيقة على عقلياتهم و ترجموها الى الواقع بحذافيرها، مما نتج ما زادت الطين بلة. ان ادعاء احد الاطراف في ما يؤمن به هو لصالح الجميع و تصرفه و تعامله مع العراق على انه صاحب الملك و الباقون هم الرعية دون توفر ادنى مستوى للمساواة في ظل المركزية، مستغلا بقائه في السلطة لسنين عجاف على الشعب و ما وقعت على كاهله من الماسي في ظل المركزية ، وفرض الحكم على مختلف المكونات بالحديد و النار دون استرضاء، لم يخلف ذلك سوى الدمار و الخراب. و لم يكتمل بناء الدولة العراقية طيل هذه العقود لعدم صحة اساس ما بنيت عليه الدولة و سيطرة فئة دون اخرى و هي التي اعتبرت نفسها صاحبة الدولة و السلطة فلم يبق اي مجال للصراع على السلطة او التنافس على بناء الدولة المدنية الحديثة التعددية الديموقراطية، كما بحدث الان رغم الشوائب ، بل كانت الدولة تعيش تحت الاحكام العرفية باستمرار و ان لم تعلن الحكومة ذلك، وكان المجتمع مقسم الى مواطنين من الدرجات المختلفة المتسلسلة ، و لهذا لم يهضم بعض الفئات حتى اليوم ما يراه من اشتراك جميع الفئات في السلطة و الحكم و كانه ملكه و سرق منه بالاكراه و قسرا .
بمعنى اخر، لو ظن احد ان المشاكل المستعصية نتيجة عدم فرض المركزية فانه مخطيء لحد النخاع، لا بل العكس صحيح تمام ، و ان المشاكل التي فرضت نفسها على الساحة نتيجة طبيعية للافرازات السلبية المتراكمة من فرض المركزية بالقوة الغاشمة دون اقتناع المكونات و في غياب الوعي العام و المطالب الحقيقية من قبلهم.
اننا لو قيمنا الواقع الاجتماعي العام و ما يتسم به المجتمع من الصفات و وضحنا مزاجه و قناعاته و ايمانه و مدى وعيه السياسي العام، لا يمكن ان نصفه بانه يعيش وهو مدرك لما يمسه و يخصه و ما يمكن ان تبنى عليه الدولة و ما يجب ان تكون هويته ، الا ان خطا المركزية في الحكم و سلبياتها المتراكمة تفرض عليه عدم العودة الى المربع الاول في بناء الدولة العراقية الحديثة، و ما يجري له بعيدا عن ارادة مكونتاه المتعددة، و هذا ما ادى الى الصراعات المتشددة و المتطرفة الدموية بعيدا عن العقلانية المسالمة، و هذه نتيجة طبيعية لتراكم الاخطاء و الخلل في البنية العرافية منذ تاسيسه، و ليست بافرازات الظرف الطاريء ابدا. ان انعدام بناء الدولة الشرعية الجديثة المستندة على التمدن و الحداثة و الهوية الوطنية المحكومة بقوة القانون و الدستور نتيجة المركزية المفرطة التي فرضتها الدكتاتورية و بدرجات اخف في السلطات التي سبقتها، و الاستناد على المركزية في بلد يتكون شعبه من مكونات مختلفة و مجتمع موزائيكي التركيب و البنية ، و مختلف الجوهر و المظهر فلم يثمر الا الصراع الدموي و الاحتراب و التناقضات و التخلف في النهاية.
الصحيح، ان الشعب و بالاخص المخضوعين لقرارات و قوانين السلطة الجائرة خلال العقود المنصرمة اتسمت بصفات اجتماعية لم تكن سائدة في العقود التي سبقتها من التملق و الانتهازية و محاربة القريبين و الابتعاد عن الاعراف الاجتماعية و التقاليد و العادات من اجل المصالح الذاتية، وما انوجدت من الوشاية و الاعمال الكيدية التي كانت من بنات النظام الدكتاتوري حتى بين ابناء العائلة الواحدة، و كانت هذه الممارسات المتشددة ناتجة من الانانية و حب الذات للقيادات العراقية التي كانت اخلاقياتهم نابعة من صفات قئة معينة واحدة، و كان الرجل الاول مسيطر على فكر و ذهنية الفرد العراقي بدلا مما تتطلبه الدولة و ما تحويها من السمات، و هذا لم يحل بمركزية منتجة لنفس الحالة استنادا على الصفات التي يتسم به الشعب، و المطالبة بمحاولة الجهات كافة من التخلص منها ،و مما اكتسبه خلال العقود السابقة، لا بل المركزية ازدادت العلات و اختلقت الاجواء المؤدية الى العودة الى العتف و الاغتراب و تضييق الحريات و ابعاد الديموقراطية الحقيقية في طريق الحكم و العودة الى الدكتاتورية مهما كانت نوعها، اي دكتاتورية فئة او مذهب او عرق او الاكثرية او دكتاتورية المظلوم امام الظالم، و سيعود الانسان العراقي تابعا مخنوعا لكاريزما الشخص الاول و عبادته بعيدا عن بناء الدولة الحديثة الحقيقية.
لم يكن الاقتناع الكامل باحقاق الحق و تمتع كافة الجهات به و بما توفره الدولة الحقيقية للمواطن الكامل المواصفات حجر عثرة في بناء البلد في اي يوم كان، و الهوية الخاصة لكل دولة هي التي تفرض نوع النظام و كيفية الحكم و الجغرافية السياسية و طبيعة الحكم و مكوناته و ثقافته العامة المختلفة و ما تتمتع بها الفئات المتنوعة للشعب العراقي من الدواعم الرئيسية لبقاء الدولة حرة ديموقراطية مؤمنة لحقوق كافة المواطنين بالتساوي .
لو تكلمنا بكل صراحة و وضوح، ان الدولة العراقية و منذ نشوئها بدايات القرن الماضي من قبل البرطانيا العظمى ، و التي انبثقت بارادة خارجية دون قناعة و ارادة المكونات الاساسية للشعب العراقي جميعا في ظل ظروف معروفة من النواحي الثقافية الاجتماعية السياسية، و كما هو المعلوم ما يبنى على الخطا فهو الخطا و ينتج الخلل في البنية التي يكونها ، و عندما يصر اي طرف على ان العراق الحديث مبني على الخطا فان اساس الدولة اتية من الخطا، فيجب على الجميع الاعتراف و تصحيح المسار مهما كلف الامر.
مكونات الشعب العراقي كما خلقها الله هم الكورد و الشيعة و السنة و الاخرين مهما تملص البعض، يمتلكون من الصفات المختلفة و لهم تاريخهم و طبيعتهم الاجتماعية و سماتهم المميزة و كانت هذه المكونات متكاملة و لهم لغتهم و ارضهم و عاداتهم و تقاليدهم قبل انشاء الدولة العراقية من قبل بريطانيا العظمى في حينه.
اليوم على الجميع الاعتراف الكامل بما يتطلبه الواقع العراقي الجديد و ما يفرضه المستقبل الصحيح للعراق، لكي يتمكن الجميع من المشاركة في بناء العراق بشكله الصحيح المتكامل و باسترضاء الجميع دون فرض اي شرط من اي طرف او مكون كان، لاعادة الحقوق و النظام الصحيح المتوافق الى جميع اصحابها و عودة النظام العراقي المترسخ على اساس قوي متكامل مبنى من جميع المكونات الى نصابه الصحيح، و لا يتم ذلك الا بعقليات متفتحة قابلة لموقف و راي الاخر و ضامنة لحقوقه و مؤمنة بكيانه ومواطنته و عدم تسقيطه ،و متسمة بروح التعايش و الصراحة و التعاون، و مبعدة لصفة الاستعلاء التي اتسم بها فئة معينة دون اخرى لازالت الى اليوم تحن للماضي و ما كان فيه، و قابلة للواقع الجديد بعيد عن الانانية و الانتهازية.
اذا تقبلت هذه الاطراف العراق الجديد و متطلباته و نزل كل منهم من عرش تخيلاته و ما يجب ان يكون كل شي تحت سيطرته، و التي ترسخت في عقلياته تسمية الاخر بكلمات نابية، ستكون الطريق مفتوحا و امنا لبناء الدولة العراقية الفدرالية الديموقارطية الجديدة الضامنة لحقوق المواطنة رغم كل العوائق، و الادعائات الباطلة تكمن وراء مطالبة البعض المركزية لتحقيق ما فاتته من الملذات التي استحوذت عليها خلال القرون المنصرمة، و هناك اقاليم قطعت اشواطا(رغم ممانعة البعض) في الديموقراطية و التقدم و تجسيد حقوق الانسان ، و لم يعد الى الوراء، و هو الجزء الحيوي في ارساء الديموقراطية و الفدرالية و الحرية في العراق استنادا على القانون و الدستور و ما تتطلبه الحداثة و النوير و التقدم و ما يتطلبه التمدن و العصرنة في ظل النظام العالمي الذي لا يمكن ان تغطى فيه اية جريمة او الظلمات لتُسحق الشعوب كما كان في السابق، و يجب ان يعطى لكل ذي حق حقه بعد بروز الارادة السليمة الحية، و مكونات العراق كافة( و لم نقل فئة واحدة كالاخرين) لهم تاريخ هائل و مليء بالمفاخر و لهم الحصة الكاملة الوافرة في نشر الثقافة الكونية العامة، و لم يعد بعد اليوم من يفرض تصوراته على الاخرين، و ليست هناك قوة هامشية و اخرى رئيسية التي هي من صناعة العقلية الدكتاتورية و موروثاتها، و السلطة الاتحادية هي التي تفرض نفسها و الهوية ستفرضها كافة مكونات المجتمع العراقي، و التاريخ سيستمر و لابد للعقليات المستندة على عروش الماضي ان تعود الى رشدها، و اولوية الجميع هو ترسيخ النظام الفدرالي الدديموقراطي التعددي، و لم يبق للمتعصبين المحاربين للنظام و الدستور الا الخذلان و الندم.[1]