ما العقلية التي تحل المشاكل العالقة بين الحكومة الفدرالية و اقليم كوردستان
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2767 - #12-09-2009# - 20:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
لا ندخل في عمق القضية الكوردية منذ نشوء الدولة العراقية و ما مرت به خلال المراحل و الحكومات المتعاقبة ، و التي انبرت بعضها الى ان تحل هذه القضية المصيرية و تقدمت في الاقتراب من الحل في بعض المراحل و من ثم ابتعدت و تراجعت عما اقدمت عليه في اخرى . و هي التي تتحمل الجزء الاكبر من الاسباب التي اوصلت العراق الى الحضيض حتى مرحلة ماقبل سقوط الدكتاتورية ، و الخلل الاكبر في عدم التوصل الى الحل المناسب كان يكمن في العقلية التي كانت تتعامل مع هذه القضية و تحاول ان تجد لها الحل الجذري و اخرى تدير العملية بالسطحية دون التعمق في الحل لاسباب سياسية مرحلية. و كل الحالات لم تكن بعيدا عن تاثيرات الظروف الموضوعية و الذاتية للكورد و الحكومة العراقية على حد سواء ، و هي التي مررت القضية بالموجات العديدة من المد و الجزر و من الحرب و التفاوض و السلام و استعملت فيها كافة الاوراق و تدخلت فيها معظم الاطراف الداخلية و الخارجية الاقليمية و العالمية. و كانت الاجواء التي تجري فيها جولات التفاوض و الاقتراب من الحلول مبتسرة و مجزاة و مؤدية في الحالات العديدة الى الابتعاد لحد الحروب المتعددة المتتالية ، و العقليات التي كانت تدير التفاوض و الحروب كانت منفعلة متاثرة بالافكار و الايديولوجيات و العقائد السائدة في تلك المراحل من القومية و الشوفينية و غير ذلك من الافكار التي كانت منتشرة في العالم، وكان محرك تلك العمليات، العقليات التي كانت مسيطرة في المنطقة شاملة و الشرق الاوسط قاطبة و ليس في العراق لوحده ، ناهيك التحدث هنا عن المد القومي العربي و الكوردي المتطرف و الاشتراكي و متطلباتها وفق الظروف المختلفة التي انتشرت فيها و ما طبقت منها عمياويا و بشكل متطرف و اخطات الملتزمين بها لحد الاحداث الماساوية و العلميات العسكرية البعيدة عن الروح و الفكر الانساني .
اليوم و بعد اكثر من ثمانية عقود من الاحداث و عدم الانسجام و ما جرى بين القوميتين الكوردية والعربية ، و صلت الحال الى اعادة المياه الى مجاريها الطبيعية لحد ما و حسب المستجدات و التغيرات التي حدثت عالميا و اقليميا و داخليا بعد سقوط النظام الدكتاتوري البائد ، و في ظل وصول و ترسيخ العديد من القيم السائدة عالميا الى المنطقة و هي القيم الانسانية السامية و الانفتاح المسيطر على كافة بقاع العالم، و التقدم الاتصالاتي و التكنولوجي الذي هو لصالح الانسان و الشفافية المطلوبة كاحد شروط الحكم الديموقراطي ، نرى بصيص من الامل في عدم عودة الكرة و الفرة في هذه القضية الهامة في المنطقة في المراحل المقبلة من حكم الدولة العراقية و ما يتعايش عليه مكونات الشعب العراقي . و لكن كيف يمكن تثبيت الوضع و ابعاد اي احتمال للعودة الى نقطة الصفر و المربع الاول ، هذا ما يحتاج الى العقليات و القيادات و نوايا حسنة و توجهات عصرية تقدمية انسانية و مستوى عال من الثقافة و الوعي العام ، هنا يجب ان نشير الى ان هناك رؤى مختلفة نابعة من نظرتين متاثرتين بالترسبات التاريخية و ما حل بالشعبين سابقا و الخوف المسيطر من عودة الاوضاع الى حالها ، بوجود المساحة الاساسية لممارسة العقلية السياسية بطريقتين ، مساحة القومية السائدة و هي صاحبة الدولة و المؤسسات التابعة لها بجيشها و شرطتها و قواها الامنية المعروفة منذ انشائها، و تريد ان تتصرف الان كما كانت في العديد من الامور ، و اخرى قومية منطوية تعتبر نفسها مظلومة و هي تان تحت ثقل ما جلبه لها التاريخ و ما تريده من ذلك الحكم من دون الحس بالمشاركة لاسبابه المعلومة و عائشة تحت مظلة الخوف من الظروف المختلفة التي مرت بها سابقا ، وهذا ما ينتج صراعات طبيعية اكثرها سياسية بحتة ، و ان كانت الدولة متقدمة و تتسم بالمستوى الثقافي و السياسي العالي فستكون الصراعات حضارية و تنصب في صالح المنطقة جميعا ، اما في الحالات و الاوضاع و الظروف و الخصائص التي تحملها الدولة المركزية من التشدد على المركزية و عدم تجسيد الديموقراطية الحقيقية و هي تعيش تحت طائلة ايدي الارهاب ، فان الصراعات ستنعكس عليها هي كدولة و بشكل سلبي ، و كما مرينا بها سابقا، كانت الحكومات حاملة للعقليات القمعية الغارقة في العقائد المتطرفة و الايديولوجيات العسكرية الهادفة للسيطرة و الاحتلال مستندة على القوة و وسفك الدماء. و ستبقى هذه السمات ملتصقة و مترسبة في عقليات الحكام لمدة غير قليلة حتى بعد التحرر الكامل من براثن الدكتاتورية ، و هذا ما يحتاج لجهد و عقليات للقتليل و التخفيض من سعتها و تاثيراتها و موروثاتها الباقية لحد اليوم ، و ليس هناك ما يمكن ان نطمئن عليه من العقليات المنفتحة العصرية المستندة على المباديء و القيم الجديدة و المستجدات و الحداثة و متطلبات المرحلة . اليوم ، النظام العراقي المثيت نظريا في الدستور هو الاتحادي اي الفدرالي المعلوم اسسه و مبادئه ، و الديموقراطية شرط ضروري للتعايش السلمي لشعوب العراق ، و لكن و في هذه المراحلة التي نعيش لم نحس بان بعض العقليات الموجودة و التي تحكم متفهمة لمضامين النظام، سوى كانت غير امنة بها و تريد تصريف الاعمال لحين انتهاز الفرصة و التراجع عنها او انها تريد تسيير الامور وفق المتغيرات اليومية و ما تتطلبها الصراعات الانية ولم تطبق النظام الوارد في الدستور بشكل واضح .و لكن من الممكن ان تستقر الاوضاع خلال هذه المدة بنسبة كبيرة لولا ترسبات العقليات و الممرسات الماضية الباقية باشكال مختلفة، معتمدة هذه الايام على الدين او المذهب او التعصب القومي ، و الا هل من يطلب و يثبت بالدلائل متطلباته هو متجاوز لحدوده كما يدعي بعض القادة المركزيين بين حين و اخر، و هم تحت تاثير مخلفات العقليات القديمة الحديثة و التي تجثم لحد اليوم على صدور الشعب العراقي و كل يوم بثوب مختلف و لون جديد ، و الا هناك من القضايا و المشاكل الجذرية لا تتحمل المماطلة و التقادم و كلما تراكمت افرازاتها السلبية نتيجة التريث في الاقدام لحلها كلما صعب حلها .
اذن ، اننا نستنتج من تحليلنا و قرائتنا لما موجود على الارض و ما نمسه في ممارسة الحكم و ما تصدر من افعال و مواقف و اراء و توجهات القادة المتنفذين لا يدعنا ان نتفائل في تاجيل حل القضايا الى المراحل الاخرى لننتظر ان تاتي بنتيجة مقنعة للاطراف كافة . العصر الذي نعيش لا يحتمل التشدد و القمع و الغاء الاخر و فرض الارادة من جانب واحد و تنفيذ ما تريده السلطات فقط دون التشاور و التوافق و بالقوة، العصر يتسم بالانفتاح و الاحتكاك الواضح العلني مع كافة بقاع العالم ، و لا يمكن تغطية ماليس بحق او الظلم الدائم كما كان سابقا و هضمت الحقوق في وضح النهار ، العصر يتطلب تجسيد و ترسيخ الديموقراطية الحقيقية و اتباع الوسائل السلمية و قبول المقابل ، العصر يتطلب الافكار و العقليات الانسانية و ينبذ التعصب و التشدد و التطرف .
اذن يجب ان يتصف العراق و حكومته و من يقوده بتلك الصفات العصرية الحديثة، و في المقابل كذلك من يحكم اقليم كوردستان يجب ان يواكبه و يناصفه في الصفات و العقليات للوصول الى النقاط المشتركة و ايجاد الحلول لكافة القضايا العالقة و هو لصالح الجميع.[1]