الاصح هو تكييف المسؤول الاول مع النظام و ليس العكس
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2763 - #08-09-2009# - 19:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
من اهم المشاكل العويصة التي اثرت على الحياة العامة و عرقلت التقدم السلس للنظام و العقلية الشرقية في كافة المجالات هو بقاء اشخاص معينة و عائلات و قبائل و عشائر سائدة و مسيطرة على الحكم لاطول مدة. و كما هو المعلوم ان الشخص الاول باقي في الحكم و على كرسيه كيفما كان مستوى حكمه و رضى الناس عنه او مستوى نجاحه او فشله لحين اسقاطه بالقوة او مماته او ابعاده من قبل القريبين او ما يمكن ان نسميه خيانة المقربين منه ، و ليس برضى النفس او بقانون يذكر و يتطلع عليه الشعب و يحدد مدته الدستور ، و كل ما يملا في الدساتير المؤقتة او الدائمية تلقى لها حيل شرعية لبقاء الحاكم الى مالا نهاية مهما كانت العواقب ، و اول الامر يبدا بتكيف النظام مع ماموجود من صفات الحاكم و ليس تطبيق النظام من قبل الحاكم او تكييفه معه .
و بعد القاء النظرة الفاحصة على حكام المنطقة الشرق الاوسطية بكاملها و مدة حكمهم و طبيعته ،نرى ما يثبت كلامنا و ما ذهبنا اليه ، الم نلمس رئيس جمهورية لثلاث عقود و اكثر وفي اواخر عمره وهو يهيء الارضية ليرثه ابنه ، الم نرى ابن الرئيس الجمهورية وهو يخلٍف اباه في نظام يمكن ان نسميه رئاسي جمهوري ملكي مختلط ، الم نر ابنا انقلب على ابيه و ابقاه خارج البلد و لم يسمح له العودة الى ان سيطر على الحكم بالتمام و الكمال و من ثم سمح له العودة ليرعى امه راضيا مرضيا !! الم نر عوائل تحكم البلدان لعقود و هم مسيطرون على المساحة الحساسة و الاطار العام للحكم ، و هو بيد الاقرباء من المنصب الاول و الى ادنى المناصب الحساسة في السلطة . و هكذا نجد ما يمكن ان نسميه باغرب التسميات السياسية ، و النظام المتكيف مع طبيعة و متطلبات الحاكم و ليس تطبيق النظام من قبل الحاكم .
اذن المرض المعدي الموجود هو اتباع احدث الحيل الشرعية و دعمها بالصيغ القانونية و الغرض بقاء القائد الاوحد الملتصق بمنصبه لحين مجيء القدر . و الغريب هو تغيير القوانين و البنود الدستورية وفق ما يهم الحاكم و عندما يعترض الهدف المنشود، و هو بقاء الحاكم على منصبه مهما بلغ الامر ، و العمل من اجل ذلك بكل القوة المتاحة ، من صرف الاموال و تهيئة الارضية و طرح الموضوع على الراي العام و الايحاء بانه للصالح العام و مستقبل الامة، و بكل السبل المتاحة سوى كانت عن طريق البرلمان او اثارة الشعب و الراي العام ، و هنا تبدا مصلحة الانتهازيين و المستفيدين لغرض ترويج ما يمكنه امرار قوانين و حتى الغاء بنود الدستور و اضافة اخرى ، و الهدف هو البقاء على سيطرة الحاكم المطلق مهما كانت النتائج ، و هذا ما يمكن ان يسميه المراقب السياسي بمرض الكرسي الاول المتفشي في الشرق و الذي له ملذاته التي تسببه و تنتج عنه اعراضه و السلبيات الناجمة عنه و المتضرر الوحيدهو الشعب و الطبقة الكادحة.
الغريب في الامرهو ادعاء هؤلاء بانهم ملتزمون بالنظام الديموقراطي و مبادئه الاساسية العامة ، الا انهم يتراجعون عن جوهره لو وصل ما يفرضه هذا النظام من شروط و متطلبات الى باب بيتهم، فيضحون بالشعب بكامله من اجل احد احفادهم ، و يامرون عاطفيا و عائليا بما يبقيهم في الابهة و الترف الذي وفروه لابنائهم و الاقربون و عشائرهم و قبائلهم ، و كل هذا على حساب النظام و الديموقراطية و المصالح العامة و المفاهيم العصرية و تقدم البلد .
و الاغرب ان بعض المناصب توفر لاصحابها حظ التدرج نحو الاعلى و لا يقبل اصحابه الا بموقع ارفع و اغلى وا ن كان فاشلا في اداء واجبه و لم يتقن ما كان يؤديه باكمل وجه ، و حتى في بعض الاحوال ان لم تجد السلطة منصبا عاليا ملائما له ، و هو مجبر على ازاحته منه فيستحدث موقعا و منصبا ذات صلاحيات اعلى لارضائه ، اي فتامر بتجديد منصب او خلقه لشخصه دونوجود مسبق و بدون تردد .
هذه من عجائب الديموقراطية الشرقية و ما موجودة عليه السلطات و الدول التي لم تنفذ ادنى مستوى للديموقراطية الحقيقية و مبادئها ، و لم يطبق جوهر الديموقراطية و مبادئها الا اسما، و لم نجد شروطها و ارضيتها الملائمة في الواقع الا رسما ، و الواقع المعاش للسلطة هو الملكي الوراثي و ان كان في الظاهر جمهويا شعبيا ديموقراطيا تقدميا او مسميات اخرى كما يدعون . و لذلك نرى ان الطبقات تبقى على حالها دون تغيير في مستوى معيشتها، و المستوى الاجتماعي ثابت و الارادة مثبطة و الطموحات ميتة و يائسة من جراء ما يُشاهد على الساحة ، و ليس هناك اي تشجيع او دعم للبسطاء من الناس و كأنهم خُلقوا لكي يكونوا مامورين طيل حياتهم و الاخرين يبقون ابا عن الجد في البذخ و الترف و الاسراف . و هذه الاوضاع تفرض على الطبقات الفقيرة الكادحة التفكير بعمق و العمل من اجل الوحدة و اتحاد الجميع و اتباع العصرنة و التقدم لازالة هذه المعوقات و الضغط بكل السبل من اجل تطبيق النظام الديموقراطي الحقيقي السليم و توفير الامكانية و الفرصة بشكل متساوي امام ابناء الشعب لتحقيق الاماني العامة لهم ، و هذا يتطلب الارادة الصلبة و اتقان الواجب الواقع على عاتقهم و اتباع النظام الذي تتوفر فيه الفلسفة التي تؤمن العدالة الاجتماعية و المساواة لجميع ابناء الشعب.[1]