كامل سلمان
هناك حقائق تأريخية جرت أحداثها على شعب أسمه الكورد الفيلية ، نعم إنهم شعب وأمة ذات ثقافة وعادات ولغة وتأريخ وخصوصية منفردة ، فهم أكبر من أن يكونوا مكون أو شريحة ، ما جرى على الكورد الفيلية من مصائب وويلات فيها علامات إستفهام وألغاز قد نحتاج إلى عقود زمنية لفهمها بشكل واضح . العملية كلها حدثت في زمن النظام السابق ، والنظام السابق يعلم يقيناً بأن الفيليين هم من القومية الكوردية لكنهم يسكنون بعيداً عن كوردستان في مدن يكثر فيها العرب ، فالتساؤل هنا ، لماذا لم يعامل النظام السابق الفيليين كأقوام من الكورد ويشملهم بما شمل الكورد من تعامل سلبي أو إيجابي ، أو يرحلهم الى أماكن تواجد الكورد بدل طردهم إلى إيران ؟ هنا نضع علامة استفهام أولية . المسألة الثانية مسألة التسفير أو التهجير ، حالة تحدث في معظم الدول المتجاورة في العالم ، أن يتم تهجير أو ترحيل الداخلين إلى البلد من الدولة الجارة بشكل غير شرعي وخاصة في ظروف الأزمات السياسية أو الاقتصادية مع أحتفاظ المهجر أو المسفر بكامل أوراقه الثبوتية وكافة أمواله و ممتلكاته أو يتم الحجز عليه في حالة المخالفات القانونية ، لكن أن يتم تهجير أبن البلد وإلصاق صفة التبعية عليه عنوة ومصادرة أوراقه الثبوتية ومصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة واحتجاز شباب العوائل المسفرة ومن ثم قتلهم وتهجير كبار السن والنساء والأطفال بشكل مهين ومخالف لكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية ، هي بالضبط نوع من أنواع الإبادة التي تمت بوضح النهار وفي غفلة من الزمن بحق هذا الشعب المظلوم ، ومن دون أن يكون للفيليين من مدافع لا على مستوى دولة ولا على مستوى منظمات دولية أو حتى منظمات مدنية أو إنسانية . فالتساؤل هنا مرة ثانية لماذا الإبادة للفيليين واستئصالهم ، ماذا فعلوا ؟ . من يعتقد و يقول لأنهم شيعة فهذا كلام فارغ وهراء ، فهؤلاء العرب الشيعة كانوا يتنعمون كأخوانهم السنة بالأمان والخير والمكرمات في زمن القائد صدام ، إلا من وقف بوجه النظام فقد تحمل العواقب الوخيمة بسبب موقفه ، مع العلم أن الفيليين غالبيتهم لم يك لهم ميول والتزامات دينية ، فكانوا محافظين ومنفتحين ومحبين للحياة والأفراح . همهم الوحيد تطوير أنفسهم وخدمة وطنهم والتعايش مع أبناء شعبهم من مختلف القوميات والأديان . مع هذه المقدمة من التساؤلات نجد أنفسنا أمام حقائق لم تك تخطر على بال أحد ، الكورد الفيلية بالنسبة للحكومات السابقة وحكومة حزب البعث القومي العربي ، كانوا يشكلون هاجساً أو هماً كبيراً ، فأعداد الفيلية في العاصمة بغداد وبعض المدن الوسطى كانت كبيرة جداً وتشكل نسبة لا يستهان بها قياساً بمجمل سكان العاصمة وبعض المدن الأخرى ، بمعنى آخر أن الحكومة كانت تنظر لهم كالقنبلة الموقوتة وسط العاصمة ، فأي إستفتاء مستقبلي قد يكون للكورد الغلبة فتصبح بغداد حالها حال المدن الكوردية ، يعني أن العاصمة بغداد في خطر وقد تصبح بغداد جزء من كوردستان مستقبلاً ، وتصبح كوردستان نصف العراق ، هذا من الجانب القومي ( النظرة القومية للكورد ) أما النظرة الاجتماعية والسياسية ، فأن الفيليين أظهروا ابداعات ومهارات جعلت الدولة تشعر بالخوف والقلق على مستقبلها ، فخلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، برزت موجة من الفنانين والشعراء والأدباء والمثقفين والرياضين والعلماء والأساتذة والصحفيين الفيليين إضافة إلى التجار في الشورجة ( مركز التجارة في العراق ) استطاعوا التسيد والهيمنة على معظم نشاطات الحياة الثقافية والفنية والرياضية والتجارية والعلمية ، فأستشعرت الدولة بالخطر بأن الفيليين ممكن أن يسيطروا على الدولة خلال فترة زمنية قصيرة ، وكما هو معروف للجميع حزب البعث حزب قومي عربي والكورد الفيليون ليسوا عرباً ، فكان ولابد من إيجاد طريقة تنهي الفيليين وتبعد تأثيرهم عن الحياة وإزالة المخاوف منهم ، وتجعل من عودتهم إلى نفس المستوى من القوة والنشاط شيء مستحيل فأبتكروا فكرة التسفير وفكرة اعتقال الشباب الفيلي وتغييبهم ثم قتلهم وقرارات كثيرة لمجلس قيادة الثورة أنذاك ، منها اعطاء المكافأة لبعض شيوخ عشائر الجنوب الذين يستطيعون تحويل العوائل الفيلية اصحاب الأوراق الثبوتية الدامغة ، تحويلهم إلى عرب ضمن عشائرهم ، أي استعرابهم ، واعطاء مكافأة لكل عربي يقوم بتطليق زوجته الفيلية أو المرأة العربية أن تطلب الطلاق من زوجها الفيلي ، فكانت العملية عبارة عن مسح الهوية الفيلية ومحوها من العراق ، وهي عملية إبادة حقيقية لشعب حي ، فالقضية ليست قضية تبعية إيرانية كما يظنها البعض ولا قضية مذهب ، بل قضية إلغاء وجود شعب يمثل تهديداً لمستقبل البلد كما يعتقدون ، ولا أستطيع تسميتها بغير تسمية ( إبادة الشعب الفيلي ) .. عندما ننظر للوضع الفيلي من هذه الزاوية وبهذه الصورة ستكون لنا القدرة على فهم الواقع بشكل أصح ، عندها نستطيع فهم اللعبة وإعادة ترتيب البوصلة لكيلا نقع بنفس الفهم الخاطىء مستقبلاً . فعندما يتوحد الفيليون ويثقف بعضهم للبعض الاخر ويطلعونهم على حقيقة ما حدث لهم و لأبائهم ، ويبعدون أنفسهم عن كل الولاءات الحزبية والطائفية المتطرفة سيعودون بسرعة لمكانتهم الحقيقية ويعودون إلى سابق عهدهم ، وسيظهر معدنهم الحقيقي الثمين لكل شعوب الأرض ، هذا الذي سيرفع من شأنهم و شأن الوسط الذي يعيشون فيه ، فالكورد الفيلية أكثر الناس وأكثر سكان العراق المتنوع قدرة على التآخي مع جميع القوميات والاديان والطوائف الأخرى والتوجهات الفكرية المختلفة . هذه هي الحقيقة المخفية ![1]