الديموقراطية و الطبقة الكادحة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2724 - #31-07-2009# - 09:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
بعد انبثاق و ظهور بدايات الديموقراطية كفكروعملية سياسية ادارية لتحديد النظام الذي يمكن ان تحدد به السلطة التي تدير الحكم ، و التي يجب ان تعتمد على اراء الشعب بشكل مباشر و ميداني، في بداياتها و منذ العقد الخامس قبل الميلاد ، بانت ثغرات واسعة في اليات تطبيقها و اصبحت محل انتقاد المفكرين و القلاسفة الكبار على الرغم من كونها افضل مفهوم طرح للنقاش و السجالات المتعددة في حينه و اصبح محل التداول و اقل سلبياتا مما كانت فيه ادارة السلطة البسيطة و ما كانت فيه الشعوب من الاعتقادات و الافكار و الفلسفات و الوضع الاجتماعي الاقتصادي السياسي الثقافي العام الذي كان المجتمع يعيشه .
و مرت الديموقراطية و الياتها كما هو جميع ما يخص الحياة بتطور و مراحل و تدرج و حسب التغييرات و المستجدات على ارض الواقع . و كانت الية و طريقة تطبيقها موضع انتقاد الفلاسفة بجميع مشاربهم و في مقدمتهم ارسطو الذي حللها و فسرها وانتقدها و في بعض الاحيان رفضها مستندا على ان الديموقراطية تبرز حكم و سلطة الاكثرية فقط و تهمل الاقلية ، و كان يركز على انه في هذه الحال سيكون الفقراء هم اصحاب السلطة المتنفذة لكونهم يشكلون الاكثرية و به تهمش الاغنياء و لم يتمكنوا من فرض ارادتهم و الحصول على مآربهم لكونهم الاقلية في حينه و لحد اليوم ، اي اكد ارسطو على انعدام المساواة في تطبيق الديموقراطية بين الفقراء و الاغنياء . و هكذا مرت العقود و القرون و استمرت الصراعات و برزت الافكار و النظريات و الفلسفات المتعددة الاوجه و تقدمت الشعوب و حدثت الاصلاحات و التغييرات و ما اجبرها الواقع المستجد ، و بها تعددت المفاهيم و الافكار المتقاربة و المضادة لبعضها و تكاثرت الفلسفات المتضادة لبعضها و المتصارعة ايضا في نفس الوقت و تعقدت الاوضاع و المواصفات للمجتمعات و احوالها ،الى ان طرحت الافكار و الاراء و المواقف اليسارية و الماركسية بداية و فلسفاتها و نظرياتها و الياتها و مضامينها ، و هنا اصبحت الديموقراطية محل الانتقاد الماركسية بشكل خاص و اليسارية بشكل عام في اكثر الاحيان و الى حد يمكن ان نرصد مجاميع مختلفة من المواقف الفكرية و الاراء المتعددة ،و استنادا على ان الية تنفيذ الديموقراطية تعتمد على مجموعة من العوامل المادية التي هي بالذات مُحتَكًََرة من قبل الاغنياء و التي بقدرتهم و امكانياتهم يمكنهم توجيه الراي العام ، و به يستمر الحكم و النظام كما يشاؤون و تكون السلطة الحقيقية و جوهر الافكار بايديهم مهما حاول الفقراء من مقارعتهم و الصراع المديد معهم ، و هذا ما يُفقد الامل بالمساواة وفي التمتع بالحرية و الارادة لتحديد و اختيار النظام المقبول من قبل القراء و السلطة المرادة ،اي الانتقاد عند ارسطو هو انعدام المساواة في توفير الفرص لاختيار النظام المقبول من قبلهم جميعا ، و انتقاد الماركسية كما هو انعدام المساواة في امتلاك الامكانيات و القدرات التي يمكن ان تؤثر على توجيه الاراء و التاثير على الشعوب ، اي اعتارضاتهم جاءت من عدم المساواة و لكن بعكس الاتجاه ، لكون الاغنياء هم اصحاب الامكانيات المادية و في مقدمتها وسائل الاعلام و المالية المتوفرة التي تدار بها العملية برمتها ، و في المقابل اعتراض ارسطوا على ان الفقراء هم الاكثرية و ستبقى السلطة مستمرة بايدهم .
اليوم و بعد اتساع الفجوة الكبيرة بين الاغنياء و الفقراء و سيطرة القطب الواحد لمدة طويلة نسبيا و ما اُفرزت من محاولاتها من فرض النظام العالمي الجديد و المستجدات المطروحة على الساحة و اوضاع الشعوب و ضرورات الحياة و المتطلبات الانية ، و قدرة العدد المحدود من امتلاك دخل العالم باجمعه و سيطرتهم على مصائر الشعوب و على الوضع العالمي بنظام راسمالي ليبرالي و بمواصفاته المعلومة للجميع من الحرية الفردية و الاقتصاد و السوق الحر ،في ظل الاحتكار من قبل الاثرياء في جميع المجالات . الا انه في المرحلة الاخيرة حدثت من التغييرات الجذرية المشجعة في مجال امكانية توفر المنابر الاعلامية للجميع تقريبا من خلال انفجار العملية المعلوماتية و توسع شبكات الانترنيت و عدد الفضائيات ،غير انها تكون لاصحاب الامكانيات ايضا تقريبا و بشكل يمكن للفقراء المساهمة و ليس الامتلاك لحد ما ، و على الرغم من قصر و قلة امكانية الفقراء في هذا المجال ايضا ، مما يدع الوسائل المادية المتعددة متوفرة لاصحاب القدرات و الامكانيات العالية ، اي فرصة المساواة لاستغلال الامكانيات في تنفيذ الية النظام الديموقراطي بما فيه الانتخابات قليلة جدا، و واضحة انها تكون بيد من . و هذا ما يدع امكانية توجيه الاكثرية الفقيرة سهل لاصحاب الامكانيات المادية فقط مهما كانت خطاباتهم و افكارهم و معتقداتهم و ارائهم و نظرتهم الى الحياة و ما فيها . و هنا نستخلص الى ان الطبقة الكادحة هي المظلومة من الانظمة المطبقة على الساحات السياسية للشعوب في كافة صقاع العالم لحد اليوم ، على الرغم من ان افضل الطرق و الوسائل و الاليات لادارة الشعوب و السلطة هو الديموقراطية الحقيقية و المتوفرة و المنتشرة لحد هذه الساعة في ظل عدم المساواة منذ انبثاقها . و كلما توفرت الامكانيات المادية الاتصالاتية المعلوماتية و المادية بشكل عام ، بسهولة و بالتساوي لجميع الطبقات، يمكننا ان نتفائل في ايجابيات النظام الحكم الديموقراطي ، و لكن متى و ما العملية التي يمكن تطبيقها لحصول ذلك ، لا اعلم.[1]