الاصلاح و التغيير من الرؤى الواقعية
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2663 - #31-05-2009# - 09:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
ان ما يمكن ان يُنتقد في استشراء الفساد كظاهرة اكثر من غيره هو الجمود و الركود المسيطر على واقع المجتمع مما يدفع للاستسلام و الالتصاق بحال و وضع مكبوح و متوقف على شكل معين دون حراك.
من المعلوم ان الفساد لم يكن مرتبطا بمجتمع ما و في مرحلة معينة و لعصر دون غيره دوما، و انما هو ظاهرة مستمرة و ينبثق من الركود و التخلف و التراجع و الفوضى و عدم الانتظام في اي زمان و مكان ، و في ظل انعدام ارادة التغيير و القفز على الحقائق و التضليل لمصلحة ما و من جهة او اخرى ،و كلما سيطر فقدان الارادة و انعدام الجسارة على مقارعة الاسباب المؤدية الى ترسيخ الارضية المولدة للفساد ، سيبقى ملتصقا دون ان يكون مرتبطا بوضع و و حالة و وضع ما ، و في حال يكون الشعب مستسلما مقشعر البدن متجمدا دون حراك و في وضع اجتماعي اقتصادي ثقافي ثابت .
و كما نرى لا يوجد احد لم ينتقد الفساد او يدينه عندما يرصده سوى كان في السلطة او المعارضة ، مستقلا كان او حزبيا ، مثقفا كان ام مواطنا بشكل عام ، و لكن لم نسمع يوما انتقادا و تقييما علميا واضحا للنظام المنتج لظاهرة الفساد و واقع الحال و البنيان الذي ينبثق و ينمو منه الفساد و هوالاساس لانتشاره .
هناك من يدرس و يحلل و ينتقد مستندا على الظواهر السطحية المتنقلة المحدودة التي هي واضحة للعيان و كانها لب الظاهرة الحقيقية الطويلة المدى للفساد ويطرحها على انها هي جوهر الفساد و بازالتها ستصفى الاجواء للمدافعين نحو التنقية و حل المشكلة ، و يستند عليها بنظرة شمولية . و لكن في الواقع نرى ان الفساد بحد ذاته غير ذلك و ما يطرح من الافكار لتعريف الفساد ينبع من الراء و القناعات الشخصية و من زاوية المصالح المتعددة ، ولايمكن ربطه بما يخص فردما او مجموعة أو تكتل أو حزب أو سلطة معينة ، ولايمكن علاج المرض بتداوى هؤلاء، ويصبح الفساد مسالة شخصيه وليس كما هو في الواقع مرتبط بنظام وبنيان سياسى لتفشيه في أي وقت، والتغير المطلوب في مثل هذه الحال سيكون شبه تغير وليس مكتملآ أو شمولياً لانه سيقتصر على فرد أو ماشايه، والاصلاح لم يبتدأ أو لم ينطلق أو سيكون وهمياً أو سيحصل في زاوية معينة دون ان يشمل الجميع وهو بعيد عن لب المسألة الذي هو الاصلاح والتغيير الشمولى في الارضية والبنيان المنتِع للفساد وانه لايمس فرد ما دون غيره ، ويكون حقيقياً ولن يصبح سطحياً ومظهرياً ، وكما هو الحال فيالادعائات التي تنبع من المزايدات التي تطرح من اجل مصالح ما لمطالبيه، وهذا ماسيقضي على الاصلاح وروح التغيير الحقيقي.
يجب ان نفهم العلاقة الوطيدة بين شكل الفساد والبنيان والسياسة العامة للنظام المسيطر لنكشف ماورائها ومن ثم نطرح الشروط السياسية والادارية لمحاربة الفساد من خلال انتقاد المسببات السياسية والادراية المولدة الظاهرة الفساد، وهنا تفتح الابواب امام الاصلاح عندما تصبح محاربة الفساد قضية الرأي العام، وتقوى الارادات، ومن ثم تصبح من المسائل التي تمس الجميع دون ان تتجزء وترتبط بشخص ما. ومن هنا ستتوسع النقاش والمحادثات، والمواقف الانتقادية العامة ستصبح تجربة حقيقية لفرض الارادة النابعة من جوهر المتطلبات التي تغرض نفسها على الجميع دون استثناء لمحاربة الفساد وايجاد التغيير وسيظهر الجديد ويسيطر الاصلاح ويتم الانتقال الى المراحل الاخرى، ومن خلال اتباع طرق واساليب تفرض نفسها لمراقبة السلطة وانتقاد الاساليب المتبعة، و سيصبح المواطن المقيٍم والمنتقد لجميع الحيل والمناورات السياسية لمن يريد التنصل وهو مستفيد من استمرار ظاهرة الفساد وعدم الغيير. وهنا يمكن لشغص أو مجموعة مايمكنها ان تقفز على الواقع، ويحاولون بكل الطرق الوقوف امام ارادة الغيير، وفي المقابل ستظهر مجموعات كثيرة متنفذة من البنيان ذاته ولهم النية الحقيقية والارادة القويه في التغيير والاصلاح والخروج من الركود، ولكن عليهم اثبات هذه الافكار بممارساتهم العلمية المثالية وقناعتهم للشعب ومن خلال اعترافهم بحقوق المواطن وتغيير الوضع ومن خلال مجموعة من الشروط السياسيه والادراية والاجتماعية لتوفير اجواء وواقع حرية الاختيار والانتخاب والعمل والانتقاد، ولايمكن بالشعارات والتلاعب بالكلمات الرنانة والشعاراتيه ان يتحدثوا عن التغيير والاصلاح. ومن اهم الشروط التي تعتبر سياسية وتأريخية هي، ايجاد وتوثير الارضية السياسية الملائمة لمشاركة الفرد في السلطة بكافة السبل، وعدم احتكار وسائل الاعلام وتشجيع المواطن لطرح ارائة بحرية دون أية قيود، وطرح قناعاته السياسيه والفكرية، والاعتراف بالتعددية بكافة اشكالها و مصالحها الاجتماعية السياسية ، و قبول و ممارسة تداول السلطة و من خلال عدم حكر المواقع و المناصب ايضا . و به يمكن ان نقول سوف يتغير الواقع المنتج لاركان تفشي ظاهرة الفساد ، و سيحصل التغيير التدريجي و الاصلاح و نعبٍر المرحلة و ننتقل الى ما يستوجب توفير شروط اخرى لمرحلة مغايرة للخروج من الركود و الكبت و الياس المسيطر على حال الشعب ، و عندئذ يمكن ان نقول اننا حاربنا الفساد و استئصلنا مسبباته من جذوره.[1]