هل اصبح التغيير شعار العصر في العالم
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2637 - #05-05-2009# - 09:55
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
كما نلاحظ، ان التغيير و الاصلاح اصبح شعارا عصريا ترفعه العديد من الاطراف و لاغراض مختلفة ، منها لاجل التغيير و التقدم الفعلي و التطور نحو الامام و هذا لخير المجتمع ، و منها من يلتصق به كشعار سياسي لمعارضة السلطة القائمة فقط دون اي خطة او برامج مطلوبة ، و منها تضليلية لاهداف سياسية اخرى فقط و ربما تدخل المصالح الذاتية في مقدمة متطلباتها ، و منها لا تؤمن بالتغيير كما بجوهره و هي تتصف بتقليدية السلوك و العمل و الصفات و هدفه الوحيد اسقاط السلطة دون تحديد المصير و الهدف النهائي .
الشعب بجميع فئاته يهدف و يتمنى التغيير في اوضاعه المعيشية نحو الاحسن مهما كانت التضحيات و باية و سيلة كانت ، و لكن كيف؟ و هنا يمكننا ان نسال ، من له قدرة التغيير و باية وسيلة ، و من اين يمكن البدء، من الاعلى ام من القاعدة ، هل التغيير شكلي و مظهري ام يحتاج الى طرق و اساليب علمية ، وهل يجب ان يبدا من التغييرفي نمط العيش و التفكير و السلوك بكافة جوانبه، ام نلتصق بالمظاهر فقط . لو دققنا اكثر في تركيبة الاطراف المدعية و المطالبة للتغيير و الاصلاح سنكشف ان اكثريتها تستند على التغيير السياسي الفوقي و كأنه الحل الحاسم و الجسرالمعبر من مرحلة لاخرى دون الاعتماد على الوضع الاجتماعي و الظروف الذاتية و الموضوعية و البنيان الثقافي و الفكري و تاريخ المجتمع . و هل بامكان التغيير الفعلي و الاصلاح من دون الاخذ بنظر الاعتبار مستوى و جوهر المجتمع الذي ينبثق منه التركيبات السياسية و المنظمات المتعددة الاوجه و الاهداف . من كان يرفع شعار التغيير هدفا عاما لصالح المجتمع من اجل تطوره ، لابد ان يدرس تركيبة المجتمع و علاقاته الاجتماعية و وضعه و مستواه الثقافي و وعيه العام و تاريخه و سلطته و تعامل الشعب مع مؤسساته ، اي تنظيم المجتمع و روابطه الاساسية عامل هام لمن يريد فعلا الاصلاح و التغيير و ليس الايمان بعصا السحري كما يدعي و تستخدمها المعارضة في هذه المنطقة بالذات ، من يؤمٍن و يضمن نجاح الخطوة الاولى من التغيير و الاصلاح دون تحويله و انقلابه الى الفوضى، و هو لم يدرس الوضع النفسي الاجتماعي للفرد و طبيعة علاقاته و العوامل التي تربطه مع العائلة و العشيرة و المجتمع ، و كيفية تفكيره و نظرته الى الفكر و الايديولوجيا و العقيدة و الى الحزب و المؤسسات و السلطة . و كيف نجسد الارضية المناسبة و نوفر العوامل المساعدة و نمنع الانحراف و نضمن عدم الارتداد و التراجع و التخلف اكثر مما هو موجود في الواقع .
من الطبيعي ان تختلف ظروف الدول من كافة المجالات استنادا على ثقله و مستوى تطوره السياسي الثقافي الاجتماعي و وضعه الاقتصادي و امكانياته العلمية و التكنولوجية و قدرته في تحمل الصعاب و سرعة التطور و تحمله للتغيير و الاصلاح ، و لكل من هذاعلاقات مباشرة و وطيدة مع بعضها و مع المفاهيم الاخرى . اذن التغيير و الاصلاح يجب ان يتم في كافة مجالات حياة المجتمع متواكبا او متسلسلا و لا يمكن تجزئتها و فصل بعضها عن البعض او التقديم و التاخير في فروعها الا اذا كان المطلوب التغيير السياسي الفوقي و من اجل اهداف سياسية ضيقة بحتة و كايجاد بديل للسلطة القائمة فقط و باي ثمن و ليس من اجل اي هدف اجتماعي سياسي ثقافي اخر ، اي ركوب التغيير كوسيلة للصراع بين السلطات و الاحزاب و ليس الهدف ما يمس الشعب بقيد شعرة ابدا ،و هذا ليس من اجل التقدم و التطور المنشود و انما يكون تغييرا شكليا و يحل فرد او حزب او معارضة بدل السلطة او الحكومة ، اي تُختصر كلمة التغيير و الاصلاح في الصراع السياسي فقط ، و كما نشاهد في اكثر المواقع و المناطق و خاصة في البلدان النامية و المتخلفة . و هناك تجارب كثيرة يجب الاعتبار منها ، كما حدث في فلسطين و الجزائر و دول اخرى و الذي لم يصب اي منها في مصلحة المواطن ، و حدث التغيير فعلا من اجل احلال الحزب محل الاخر و وجه سياسي مكان منافسه و عقيدة و ايديولوجيا و ان كانت غير عصرية بديلا لاخر دون اي تغيير فعلي على ارض الواقع ، و الا الظروف الموضوعية و الذاتية فرضت تكرار و تبوت ما حدث قبل التغيير . اي، نتاكد هنا بان التغيير عملية طويلة متعددة الاوجه و يحتاج الى ارضية مخصبة و اسلوب و تفكير و عمل و اداء علمي دقيق و بامكانيات متعددة و الا سيبقى التغيير شعارا دون اي تغيير في الواقع . و لا يمكن لدولة او منطقة ما ان تقلد الدول المتقدمة في عملها السياسي و في تقليد شعاراتها و اهدافها دون دراسة واقعها الذاتي و الخصوصيات التي تتمتع بها ، و يجب ان لا نعيد تجارب السابقين ايام الاتحاد السوفيتي و لكن بوجهه المعاكس هذه المرة و هو تقليد الليبرالية الراسمالية دون توفر عواملها ، و لنكن واقعيين و نعمل على تنفيذ اهدافنا بدراسة و تحليل علمي و الا لن يرحمنا التاريخ و كذلك اجيالنا ان كررنا اخطائنا في كل مرحلة تاريخية . و ان درسنا هذه المرحلة بدقة و جدية سنتاكد باننا نحتاج الى اصلاح في العملية السياسية حقا ، و يبدا من محاربة الفساد و تطبيق ركائز العلمانية بحذافيرها و فصل الدين عن الدولة ، و توسيع مساحة الحرية العامة و تطبيق الديموقراطية الحقيقية و ضمان حقوق الانسان و احترام الراي الاخر و تقديم افضل الخدمات للمواطنين .
و من الطبيعي و البديهي ان يتحول الاصرار على طلب التغيير دون قراءة المتطلبات للتغير العقلاني الى شعار خيالي و وهمي في جميع المجالات ان لم يستند على ما يزكي حدوثه ، و في النهاية و ان بقي شعارا سيفقد بريقه و فحواه و جوهره الحقيقي و يفتقد اصحابه المصداقية وان كان طلبهم لغرض شريف و سليم و يعتمدون على المباديء الاساسية الملائمة ايضا.[1]