لماذا التملص من اجراء الانتخابات البرلمانية في اقليم كوردستان ؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2591 - #20-03-2009# - 10:03
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بين كل يوم واخر و نسمع الجديد عن اجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة لاقليم كوردستان العراق ، في حين اُعيد القانون الذي ناقشه و اقره البرلمان لاليات اجراء الانتخابات، من رئاسة الاقليم مع العديد من الملاحظات ، تتسرب يوميا العديد من الانباء عن الاتفاقات السرية و العلنية بين الحزبين المتنفذين حول كيفية اجراء و اتمام الانتخابات و كان هذه العملية الديموقراطية الحيوية عبأ على اكتافهم، و يريدون باي ثمن التخلص منه، و يعملون بكل جهدم من اجل ذلك . و هم يتمتعون بالاكثرية البرلمانية لهذه المرحلة ، و لولا الضغوطات المختلفة هنا و هناك و من المصادر العديدة الخارجية والداخلية لما تكلموا عن العملية الانتخابية و بحثوا عن الف مبرر و مبرر من اجل عدم اجرائها و الالتفاف حول العملية الديموقراطية ، او لو سمح القانون بان يمدوا في الوضع الحالي لما ترددوا لحظة واحدة في ذلك . من يقرا الوضع السياسي العام و ما يعاني منه الشعب و ما عليه الحكومة او السلطة المعلومة ، من الفساد المستشري و مراوحة الاقليم في مكانه دون تقدم يذكر في اي جانب الا بشكل طفيف و الذي لا يوازي الواردات و الامكانيات المتوفرة اصلا ، و لو تمعنٌا في الحكم و كيف يقاد و بشكل عشوائي و حزبي ضيق دون اي اهتمام بالمؤسساتية و عدم اتباع الديموقراطية و مبادئها الاساسية ، و ما يعملون عليه من تضييق المساحة للحرية التي وفرها الشعب لنفسه و استنادا على الظروف الموضوعية ،و ان تحرينا عن كيفية انبثاق الحكومة واعتمادهم على المحسوبية و المنسوبية و سلطتهم المطلقة و عدم قراءة الاخر و تهميش من لهم القدرة على تطوير البلاد من المثقفين و الاكاديميين ، تحز الانفس و يتالم القلب لما سكبت من الدماء من قبل الابرياء و المضحين في طريق هذا البلد المغلوب على امره و الذي افتدوا بارواحهم من اجل الاهداف السامية، و لم يتصور احد ما وصل اليه الواقع . و لكن خُيب الظن بما نحن فيه اليوم و لم يفلح القادة في تسيير امور اقليم كوردستان في هذه الفترة الانتقالية الحساسة جدا .
الكل على علم و دراية تامة بان حجر الاساس للحكم و السلطة التقدمية و الحداثة و هو ما يدعيه الكل من السلطة الى الشعب نظريا فقط ، و لكن ما نراه هو عدم الاستناد على اي ركن من العلمانية و لم نحس بالعمل من اجل المباديء الديموقراطية الحقيقية و نتلمس تضييق الحريات يوما بعد اخر ، و لم يلتفت احد على ايجاد الوسائل الضرورية لنجاح اهداف العصرنة و الحداثة و كل ما يتماشى مع متطلبات التقدمية ، و بقاء المستوى الثقافي العام رهن المعوقات الماضي، و الوعي على ماهو عليه ،و الحيوية و الخصائص العامة للمجتمع الكوردستاني في مرحلة يؤسف لها . ومن يتابع الخطوات التي تتبعها الاحزاب السياسية المسيطرة بشكل عام و السلطة بشكل خاص، يتلمس جوهر التخبط و انعدام البرامج و مسايرة الاوضاع وفق ما تتطلبه الظروف اليومية المؤقتة دون استراتيجية معينة ، و تمشية السلطة و الحكم استنادا على امزجة الاشخاص و عقلية السلطة الحزبية و قادتها من دون خبرة او حكمة تُذكر . و بعد الماسي و الويلات من اقتراف الاخطاء الجسيمة المتكررة و الحروب الداخلية و عدم التفاهم، و انعدام الحوار و محاولة الغاء الاخر طيل سنين ،و بعد الانتفاضة بالذات الى التجامل مع البعض و انعدام الثقة و الالتفاف على مصالح الشعب من اجل المصالح الحزبية و الشخصية ، لم تهتم الحكومة بشكل يمكن ان نذكره بفخر الا بمظاهر و تقليد اعمى من دون توفير اية بنية تحتية و بقاء البنية الفوقية على ما هو عليه ، بل تقلصت بعض المكتسبات مع تضييق الحريات وانعدام المجال امام الانتقادات البناءة، و لم يتقدم المستوى الثقافي خطوة ملحوظة الا من قبل بعض الاشخاص و بجهودهم الذاتية فقط .
و بعد تقييم الوضع القائم علميا و بشكل دقيق و من كافة جوانبه ، يمكننا ان نصف الواقع حياديا بانه غير مفرح ، و بعد عقد و نيف من التحرر و انبثاق البرلمان و الحكومة الذاتية كل ما يمكن ان نقوله هو التحسن البطيء جدا في الوضع الاقتصادي العام و خاصة بعد سقوط الدكتاتوريةو بعد و تحديد ميزانية الاقليم من المركز، اما الوضع السياسي و الثقافي العام ليس بمستوى الطموح ، و لم نلاحظ استراتيجية واضحة مؤمٌنة للمستقبل في كافة النواحي ، على الرغم من الوضع القلق لمستقبل الاقليم و ما يجري على الساحة الداخلية في العراق و في المنطقة بشكل عام ،اي كل ما يمكن ان نصف به وضع الاقليم هو التردد و عدم التغيير جوهريا و هو غير مستقر و باعث للقلق من مصير اجياله ، و التغييرالقلي الحاصل الان شكلي قلبا وقالبا .
و الاخطر ما في الوضع و الذي لا يمكن تصحيحه بسهولة هو انعدام الثقة الضرورية المطلوبة بين السلطة و الشعب ، و كنتيجة طبيعية للاخطاء التي ارتكبت او الفشل في الوصول الى شاطيء الامان ، و الحدة في الصراعات الحزبية و انعدام النزاهة و ضرب المصلحة العامة عرض الحائط من اجل المصلحة الشخصية و الحزبية الضيقة ، و هذا ما يجعل الحزبين ان يبتعدا يوما بعد اخر من اتباع خطوات العملية الديموقراطية والاستناد على مبادئها ، و التصاقهم بالوضع الراهن، دون تغيير يذكر او اي اصلاح مطلوب وفق المستجدات ، و استنادهما على الاليات التي مرٌ عليها الزمن في العمل السياسي ، و ذلك بتعكزهم على الافكار و العقليات القبلية و العشائرية من دون اية خطوة نحو الحداثة في عملهم ، و استغلالهم الوضع الاقتصادي و المستوى الثقافي و مدى وعي الشعب ، و على الترهيب و الترغيب في سياساتهم لادارة البلاد ، و هذا ما يفرض عليهم التفكير الجدي قبل فسح المجال للديموقراطية ان تسلك طريقها لتقييم اوضاعهم و ما يضرهم من تطبيق الديموقراطية بجوهرها الحقيقي ، ومن دون شك مهما حاولا فان الديموقراطية و الياتها تفرض نفسها و بشكل طبيعي، و يتم تداول السلطة و هذا ما يحتاج الى وقت فقط، و هذا ليس من مصلحتهم طبعا .
و ها نشاهد في هذه الايام من التحركات المركٌزة من اجل ايجاد سبيل لبقاء سطوتهم و خروجهم من المازق ، و يحاولون بكل قوة استغلال فجوة او ثغرة بوسائل ديموقراطية ،و من اجل الحفاظ على وضعهم القائم و ابقاء الظروف الذاتية للسلطة على ماهو عليه ، و الخاسر الاوحد هو الشعب و العملية الديموقراطية الحقيقية و التقدم و العلمانية و مستقبل الاجيال . و بعد كل خطوة يبحثون عن قانون او فكرة لاعتمادها في الانتخابات البرلمانية المقبلة ، و همهم الوحيد بقاء الحزبين في السلطة و بشكل مطلق ، و تركيز هيمنتهم دون اي تنازل لما تتطلبه المصالح العامة للشعب و مهما كانت النتائج و الافرازات السلبية على حياة المجتمع في الوقت الحاضر و مستقبلا ،ان نجحوا في تحقيق نياتهم .
و للاسف ليس هناك اي رادع شعبي كما يدلنا تقييم الواقع العام و ما ترسبه التاريخ من زرع الخوف و السكوت على الظلم و ما هو عليه ظروف و عقلية و امكانية الشعب و ثقافته الحالية لوضع الحد المطلوب للسلطات و لارشادهم الطريق الضروري و لاخذ الحقوق العامة للمجتمع ، و الوعي الشعبي العام يشكل حجر عثرة امام تحقيق الاهداف العامة نتيجة الاسباب التي ذكرت و ما عليه الوضع الاجتماعي العام و الذي لا يمكن التعويل عليه في الوقت الحاضر، و لكن ما يمكن ان تهبنا ببصيص امل هو النخبة المثقفة و الطليعة من الشباب و الصحافة و الاعلام غير الحزبية من اجل تهيج الراي العام المفقود حاليا ،و لكي يسمع العالم الخارجي ما يريده و يحتاجه الشعب الكوردستاني و مستقبل اجياله . و ان كان الحزبان ارادا اعادة النظر في نهجهما و من اجل الاستقرار و السلام و ترسيخ الافكار و العقائد التقدمية فلابد من اتباع الطرق المناسبة و في مقدمتها ايجاد السبيل الملائم للخروج من الازمات الحالية من خلال العملية الديموقراطية الحقيقية و الياتها التقدمية . و اهم الوسائل هي التعاون مع جميع الجهات و المنظمات المدنية من اجل توفير الارضية المناسبة لطرح الاراء و المواقف و تقبل الراي الاخر، و تنازل السلطة عن حقوق الشعب ، و الخطوة الانية الضرورية هو اقرار قانون اكثر ديموقراطية للانتخابات البرلمانية و فسح المجال للقوائم المتعددة و تقبل تداول السلطة ، و قطع الطريق امام التملص و المماطلة ، و الاعتماد على القوانين التي يمكن ان تغير التوازن في مواقع القوى و ثقلها، و من خلال التغيير في عمل الحزبين من اجل مستقبل الاقليم ، و الامل ضعيف جدا كما اعتقد ، و ان يتسع صدرهما امام التنوع و التعددية في الفكر و السياسة بالقول و العمل ، و منع التوجهات نحو الاستبداد التي بانت ملامحه من خلال الاعلام و الاقوال في المنابر المتعددة، و هذا ما يوجهنا الى الدكتاتورية المقيتة . و الهدف الرئيسي الهام هو العمل من اجل المجتمع المدني الديموقراطي العلماني الحديث الذي يؤمٌن الوضع السياسي و مستقبل الاجيال ، و يبعد المؤثرات التقليدية و الرجعية التي مرت عليها الزمن ، و من خلال التركيز على العصرنة و اتباع الاليات الحداثوية في السياسة و الثقافة و الاقتصاد ، مع القدر الكبير من النزاهة ، لنسمو بالمجتمع الى مرحلة اعلى و من اجل غلق الابواب امام التراجع و التخلف و سد الطريق امام نوايا البعض في التدخل في الشؤون الداخلية للاقليم...[1]