المجتمع بحاجة الى المؤسسات و العقليات الثقافية التقدمية اكثر من الاحزاب
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2582 - #11-03-2009# - 10:48
المحور: ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
لو القينا نظرة عابرة على ما هو عليه شعوبنا و كيف توصلت الى هذا المستوى في المنطقة و ما تتمتع بها من المميزات الاجتماعية المختلفة جدا ، و قارننا بين الصفات العامة لنا مع الشعوب الغربية، و كيفية تعاملهم مع الاحداث عبر التاريخ ، و تاثير الراي العام على السلطة في خطوات عملهم او عند تراجعهم في اتخاذ الخطوات الضرورية لتطبيق متطلبات الشعب في العديد من المراحل التاريخية الغابرة ، سنلمس حيوية الشعوب في البلدان الغربية المتقدمة ، فكانوا دائما العامل الحاسم للتقدم و منع انحرافات السلطات عن المسارالصحيح ، و هم بالمرصاد لتحركاتهم دوما ، و يمكن ان نخص هنا الشعب الفرنسي في نشاطاته و دوره البارز و فعاليته في اعادة مسيرة التطور لبلدهم و اصرارهم على تنفيذ مقررات الثورة العارمة التي لم تؤثر على الاوضاع الثقافية الاجتماعية العامة لشعب فرنسا فقط و انما على سائر شعوب العالم قاطبة بما انجزوه ، و ان كان بشكل غير مباشر ، رغم تعرضهم للاخطار و مرورهم بحروب طويلة الامد و تقاطع مصالحهم مع الدول المجاورة و المنافسة لهم . و عند التمعن بالدقة اللازمة في جوانب تخص هذه الشعوب ، لم نجد فروقات شاسعة بينهم مع بقية العالم في حينه الا ماكان تتمتع به اكثريتهم من قوة الارادة و الاصرار على توفير مستلزمات حياة الدنيا اكثر من تعلقهم في الاوهام ( و ان كانت هناك فترات ارتدادية شاذة ) و استندوا بشكل عام على العقلانية رغم معوقات بعض الفئات و الاطياف في مراحل معينة من تاريخهم .
اليوم توصل اصحاب الارادة و العزم الى عهد لا يمكن ان نتوقع تراجعهم عما هم ماضون فيه في انحاء العالم ، او كما يدعي البعض من عودة الكرٌة و تقدم شعوب اخرى عليهم و كأنهم سرقوا الحضارات منهم ، ويدعون بانهم هم من منعوا مناطقهم للوصول الى ما توصلوا اليه من المستوى الثقافي العلمي و الاقتصادي ،ويعتقدون بان هذا السبب الرئيسي في تغيير واقعهم الاجتماعي ! .
فلنعترف و نصارح بعضنا و بشكل علني ، و انني على اعتقاد كامل بان المجتمع الذي يفتقر الى مقومات التقدم الثقافي - و الى مؤسسات و مراكز ثقافية في هذا العصر – و كذلك الى الدعم الفني و العلمي المستقل غير المسيس النابع من ثقافة الشعب بذاته ، سيكون مجتمعا فقيرا و خاملا من الجانب العلمي الحضاري و الثقافي بشكل عام ، و البلد الذي يتصف بزحمة المؤسسات الحزبية و عدم احتوائه على المراكز و المؤسسات و العقليات الثقافية و العلمية المنتجة سيبقى مراوحا على ما هو عليه دون اي تقدم و ان احتوى على المئات من المؤسسات الحزبية ، و يكون مجتمعا مستهلكا قاتلا للاختلافات و التنوع و المواهب بدلا من الاستفادة منها ، و في النتيجة ، يخلق مجتمعا فوضويا غارقا في الجهل و عدم رؤية الحياة كما يجب . و به يفتقر المجتمع للمعرفة و يسعى دائما الى اللون الواحد و يقتل النقد و يكبت الثقافة ، و يكون غير منصفا في تمييز الحقيقة عن التضليل و الجهل .
عندما يصرخ المثقف وسط الازمات التي يحس بها دون غيره و يكشف الحقائق و يجد البدائل و يحدد المسيرة و يخطط ، هو الذي يهتم بالمسائل الجوهرية الحقيقية و الصفات الانسانية العامة من الحرية و العدالة و القيم ، و هو الذي يفضح التوجهات السلبية و ليس الاحزاب التي تعيش على المساومات و المصالح التي تغطي السلبيات التي تضر بالمجتمع كما نرى . و تتغير مهام المثقف من مجتمع و عصر الى اخر حسب مواصفات و ظروف المجتمع . و بعد التطورات المثيرة الكبيرة ازدادت اهداف المثقف الحقيقي و صعبت اعماله و تعقدت اليات عمله و صراعاته .
نرى اليوم الصراعات و المنافسات الثقافية تجاري و توازي الصراعات السياسية و الادارية و الاقتصادية و التجارية الى حد كبير ، و انتاج او خلق المعرفة الحقيقية يحتاج الى تلك المنافسات المنتجة ، و الثقافة العامة هي التي تنعش المجتمع و تفتح امامه الابواب نحو التقدم المنشود في كافة المجالات ، و الوضع الثقافي المقبول مدافع صلب عن حقوق الانسان الحضارية و حريته . الايدي العاملة الفعالة في هذا المسار هم المثقفون من الادباء و الصحفيين و الشعراء والاكاديميين و الكتاب و المراكز الثقافية و العلمية و الصحفية الحرة المستقلة ، و هم العين الناظرة الساهرة لكشف السلبيات و ازالتها و ايجاد او ابراز الحقائق للراي العام و المجتمع بشكل عام . اي مقياس المستوى الثقافي الحضاري لاي مجتمع ليس بعدد احزابه و مؤسساته السرية و ليس بمظهره المعماري و الفروقات الشاسعة بين الفقر المدقع و الغنى الفاحش ، و انما بالمستوى الثقافي العام و النشاط الثقافي و العلمي للمجتمع و مؤسساته الاجتماعية الثقافية مع توفرالحرية و العقلية المنفتحة . و المجتمع الذي يحوي في كيانه على افراد احرار اصحاب ارادة و احلام و اماني و اهداف ، مجتمع يحمل قوة و مقومات تاسيس و انبثاق مجتمع مدني حر ، اي المجتمع بحاجة الى مطالبي المعرفة و الحقيقة ، و اصحاب ارادة خالقة لمقومات التقدم و نشر العلم و الثقافة العامة لخير الانسان و تقدمه.[1]