*أ.د. دلشاد عمر عبدالعزيز
المقدمة: تلعب الشخصية السياسية دورًا حاسمًا في تفعيل الأداء الدبلوماسي للسياسة الخارجية للدولة. فالشخصية السياسية النشطة والمؤثرة تستطيع بناء علاقات فعالة مع الدول الأخرى، وهذا يسهم في تعزيز مكانة الدولة وتحقيق مصالحها. كما تساهم الشخصية السياسية في توجيه السياسة الخارجية واتخاذ القرارات المهمة، لذلك تعتبر الشخصية السياسية إحدى الأدوات الرئيسية لتحقيق النجاح في العلاقات الدبلوماسية. حيث تلعب الدبلوماسية دورًا هامًا في تعزيز العلاقات الثنائية بين الدول. ويعد العراق من الدول التي تحتاج إلى تفعيل علاقاتها الدبلوماسية مع محيطها الإقليمي بعد سنوات من الحروب الداخلية و الاقليمية التي أثرت على قدرتها على التواصل والتعاون مع الدول الأخرى.
ومن الشخصيات السياسية العراقية التي لعبت دورًا مهمًا في تفعيل العلاقات الدبلوماسية للعراق خلال فترة ما بعد تغيير النظام السياسي في العراق عام 2003 هو الرئيس #جلال طالباني# . حيث تولى الطالباني رئاسة جمهورية العراق خلال سنوات 2005 - 2014، وخلال هذه الفترة، قام بجهود كبيرة لتعزيز العلاقات الدبلوماسية للعراق مع محيطها الإقليمي. وقد تركت جهوده الدبلوماسية أثرًا إيجابيًا على العلاقات الخارجية للعراق ومساعدته في تحقيق الاستقرار داخلياً واقليمياً الى حدما .
تهدف الدراسة عن طريق اعتماد المنهج التاريخي والتحليلي إلى بيان الأدوار والجهود التي قام بها الرئيس جلال طالباني في تعزيز العلاقات الدبلوماسية مع الدول المجاورة للعراق، ولاسيما استعراض الجهود التي بذلها في تعزيز العلاقات مع الدول المجاورة مثل إيران وتركيا. وسيتم أيضًا دراسة تأثير هذه الجهود على استقرار وتنمية العراق وتحقيق التعاون مع محيطها الاقليمي الغير عربي، من خلال سرد وإعادة قراءة المصادر والمراجع التاريخية والصحف العراقية لاستنباط تلك الأدوار والجهود خلال مدة الدراسة.
يركز البحث على دراسة الدور الدبلوماسي للرئيس جلال طالباني في تفعيل علاقات العراق مع محيطها الإقليمي خلال سنوات 2005-2012، من خلال المحاور الرئيسة للدراسة، إذ يتناول المحور الأول نبذة تاريخية عن سيرة والنشاط السياسي لرئيس جلال طالباني1937-2003، ويتطرق المحور الثاني عن الدور الدبلوماسي لجلال طالباني في تفعيل علاقات العراق مع ايران 2005-2012، اما المحور الثالث فيتناول الدور الدبلوماسي لجلال طالباني في تفعيل علاقات العراق مع تركيا 2005-2012، فضلاً عن النتائج وملخص البحث باللغة الانكليزية وقائمة المصادر والمراجع.
اولا: نبذة عن سيرة والنشاط السياسي لرئيس جلال طالباني1937-2003:
يُعتبر جلال حسام الدين نوري طالباني والمعروف ب(مام جلال ) واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ العراق المعاصر. وُلد في 12 تشرين الثاني 1937 في قرية كلكان التابعة لقضاء دوكان في محافظة السليمانية، أكمل الدراسة الثانوية في كركوك عام 1952م وثم دخل كلية الحقوق في بغداد عام 1953 ، لكنه اضطر لترك الدراسة في عام 1956 هربًا من الاعتقال بسبب نشاطه في اتحاد الطلبة الكردستاني. وبعد تغيير النظام السياسي في العراق في 14 تموز 1958، عاد طالباني إلى كلية الحقوق متوازياً مع عمله كصحفي ومحررًا لمجلتي خبات وكردستان، وبعد تخرجه عام 1959 اُستدعي لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش العراقي، حيث خدم في وحدتي المدفعية والمدرعات، وكان ضابطاً لوحدة المدرعات آنذاك.
بدأ الطالباني نشاطه السياسي في سن مبكرة، وأصبح عضوًا في الحزب الديمقراطي الكُردي عام 1947م، وتميز بنشاطه وكفاءته في أداء الواجبات والمهمات الحزبية التي كان مكلفًا بها، وعلى الرغم من أنه كان شابًا في ذلك الوقت، إلا أنه أظهر موهبة وقدرة استثنائية في القيادة وتنظيم العمل السياسي. وعندما اندلع الحركة الكردية المسلحة ضد حكومة عبد الكريم قاسم في أيلول 1961، كان الطالباني مسؤولًا عن جبهتي القتال في كركوك والسليمانية. وخلال الفترة تولى عدد من المهام الدبلوماسية التي مثّل فيها الحركة الكردية في اجتماعات أوروبا والشرق الأوسط وعندما انشق جناح المكتب السياسي لحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964 كان الطالباني عضوًا فاعلاً في المجموعة التي انفصلت عن مصطفى بارزاني.
في عام 1975 عقب انهيار الثورة الكردية، أسس الطالباني مع مجموعة من المفكرين والنشطاء الكرد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وفي عام 1976 بدأ تنظيم الحزب بالإعلان الثورة الجديدة للحركة المسلحة الكردية والمعارضة المسلحة ضد الحكومة البعثية من داخل العراق، واستمرت الحركة خلال الثمانينات من القرن العشرين بالنضال والمعارضة للحكومة العراقية من قواعد داخل العراق إلى أن قادت الحكومة بحملة عسكرية واسع سميت بعمليات الانفال سيئة الصيد في عام 1988.
بعد الاجتياح العراقي لكويت في اب 1990، استثمر طالباني خسارة الجيش العراقي في حرب الخليج الثانية عام 1991م بقيادة انتفاضة اذار وتحرير اغلب المناطق في كردستان من السلطة المركزية وساهم قيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بإقامة إقليم شبه مُستقل في كردستان العراق، بعد إعلان التحالف الغربي مناطق حظر الطيران مما شكّل ملاذًا آمناً للكرد، وبفضل قيادته الحكيمة ورؤيته الواضحة، نجح طالباني بالتقرب والتعاون مع الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني، لتنظيم انتخابات في إقليم كردستان ، وتشكلت بموجبها حكومة اقليم كردستان عام 1992 بإدارة مشتركة للحزبين، ونتيجة للأسباب الداخلية والصراع الحزبين وتأثير العامل الاقليمي ولاسيما السلطة المركزية في بغداد أدى إلى مواجهة عسكرية بينهما عام 1996، ولكن الطالباني قاد جهودًا حثيثة لتحقيق الوحدة الكردية وتحقيق التوافق بين الأطراف المتنازعة وحل الخلافات ، فانتهت الحرب الداخلية بتوقيع اتفاقية سلام في واشنطن عام 1998م، وبعد جهود امريكية حثيثة وتدخل بريطاني.
بعد الاحتلال الامريكي للعراق سنة 2003 وتغيير النظام السياسي في العراق ، دخل الطالباني في العملية السياسية في العراق وشغلا مواقع قيادية بارزة ومنها عضوا فاعلاً في مجلس الحكم، وكان له دور هام في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق، حيث عمل على تعزيز الحريات السياسية وحقوق الأقليات. وقد أسهم في إقرار الدستور العراقي الجديد وتنظيم الانتخابات الديمقراطية. وفي 2005 شغل الطالباني منصب اول رئيس لجمهورية العراق المنتخب، وانتخب البرلمان العراقي في تشرين الثاني 2010م الطالباني، رئيسًا لجمهورية العراق في ولاية ثانية.
عانى الطالباني في السنوات الأخيرة من حياته من مشاكل صحية، وفي نهاية عام 2012 غادر العراق للعلاج في ألمانيا من جلطة أصيب به ودخل على إثره في غيبوبة، ومكث هناك في ألمانيا نحو عام ونصف حتى عاد للعراق في تموز 2015، في يوم 3 تشرين الأول 2017 أعلن عن خبر وفاة رئيس الجمهورية العراقي السابق جلال الطالباني. وقد ترك وراءه إرثًا سياسيًا كبيرًا ومساهمات هامة في تطوير العراق وتعزيز علاقاته مع محيطه الاقليمي والدولي.
ثانياً: الدور الدبلوماسي لجلال الطالباني في تفعيل علاقات العراق مع ايران 2005-2012:
تُعد الازمات السياسة والخلافات الدولية التي مر بها كل من العراق وايران خلال عقود من التاريخ الحديث والمعاصر والتي تلت استقلالهما، وريثة التركة الثقيلة التي خلفتها الصراعات والعداءات فيما بينهما على مر التاريخ. إبتداءً من الازمات المتعلقة بالحدود البرية والانهار المشتركة بينهما ومشكلة الملاحة في شط العرب والقضية الكردية والاعتداءات المتبادلة بين الدولتين والاتفاقيات المبرمة بين العراق وايران، ومن ثم نقضها وعدم الالتزام بها وصولا الى الحرب بينهما والتي استمرت ثمانية سنوات 1980-1988، مرورا بالحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عام 1990 اثر احتلاله الكويت حتى الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 .
لكن بعد عام 2003 ازدادت أهمية العراق بالنسبة لإيران باعتباره احد البلدان الواقعة على الخليج والمقومات المهمة الضرورية التي يمتلكها، فالقرب الجغرافي والموارد الاقتصادية والبشرية مكنه من ان يصبح إحدى القوى الفاعلة في الاقليم وعنصراً أساسياً في تقرير التوازنات الاقليمية القائمة في المنطقة، ولهذا سعت ايران لاتباع وسائل متعددة لتحقيق أهدافها، لاسيما وان العراق شهد مرحلة يمكن عدها فرصة ذهبية لإيران لتطوير علاقاتها مع العراق.
أدى سقوط النظام السابق في نيسان 2003 بسبب الاحتلال الامريكي الى حالة من الفراغ السياسي اثرت في الساحة السياسية في العراق، والتي انعكست في موقف ايران الرافض ازاء قضايا الاحتلال والتواجد الامريكي، لكن بدأت بوادر التطبيع في العلاقات العراقية الايرانية خصوصاً مع وصول حكومة شيعية الى السلطة، وتسنم جلال طالباني سنة 2005 رئاسة الجمهورية بعد اجراء اول عملية انتخابية ديمقراطية في تاريخ العراق المعاصر، بدأت الانفتاح الايراني على العراق وتوضحت بوادر التطبيع من خلال الزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين والتفاهم على الكثير من القضايا المشتركة، وتوسيع افاق التعاون على شتى المستويات.
فكان هدف ايران الاساسي هو تشكيل حكومة موالية او صديقة لإيران في العراق، ولتحقيق هذه الاهداف والمصالح مدت ايران نفوذها ليس في جنوب العراق فحسب بل امتد الى شماله عبر توسع قاعدة علاقاتها السياسية مع الكرد الذين سبق ان حصلوا على دعمها ومساندتها قبل عام 2003، وفي هذا الاطار وضمن قدراته فقد تمكنت من بسط نفوذها تدريجيا على العملية السياسية في العراق.
شكلت مرحلة ما بعد عام 2003 بداية تعزيز العلاقات بين البلدين. فقد كانت ايران من اوائل الدول المجاورة للعراق التي سارعت الى تأييد العملية السياسية في العراق، فبعد تشكيل مجلس الحكم الانتقالي الى الاعتراف به مباشرة في 17 تشرين الاول 2003 كأول سلطة عراقية بعد سقوط النظام, واعادة علاقاتها الدبلوماسية في عام 2004 ثم رحبت بحكومة ابراهيم الجعفري ووجهت دعوة لرئيس جمهورية العراق جلال طالباني لزيارة طهران عام 2005 وكانت اول زيارة لرئيس عراقي منذ اعلان الجمهورية الاسلامية الايرانية .
وقد بينت الانتخابات البرلمانية عام 2005 ان ايران هي اللاعب المهيمن في السياسة الانتخابية في العراق من خلال استخدام علاقاتها الوثيقة مع المكون الشيعي والكردي والفوز لصالحهم للسيطرة على مقاليد الحكم في العراق.
فعلى اثرها اعلن كل من ايران والعراق عزمهما على طي صفحة الماضي والبدء بمرحلة جديدة مبنية على الاحترام والتعاون وعدم تدخل في الشؤون الداخلية، وهذا ما عبر عنه ايضا وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في 17 ايار 2005 لدى استقباله في بغداد وزير الخارجية الايرانية كمال خرزاي . حيث سارت العلاقات بين البلدين الى مستوى متقدم عندما قام رئيس الحكومة ابراهيم الجعفري في تموز 2005 بزيارة لإيران بهدف توثيق العلاقات بين البلدين وقد تمخض عن تلك الزيارة توقيع اتفاقية تعاون امني مشترك .
شهدت العلاقات العراقية- الايرانية تحسنا بعد انتخاب جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراقي سنة 2005 ، حيث لعب دبلوماسية حوار التي تميز به دورا كبيرا في اعادة قراءة وترتيب وتحليل وبناء هذه العلاقات على وفق مصالح البلدين، المصالح المتكافئة والعلاقات الإيجابية المتبادلة والنأي عن تراكمات التاريخ واشاعة الحوار العقلاني والتوازن الإيجابي ، وترك القراءات السلبية والخطابات التحريضية السياسية والقراءات السياسية العدائية التي تخدم الاعداء فقط ، لأن هناك كثير من العوامل المشتركة التي تؤلف محاور رئيسية في العلاقة بين البلدين على اساس متين وأمثلتها العامل الديني والعامل الجغرافي والعامل الثقافي والعامل الاجتماعي والعامل الاقتصادي والعامل السياسي.
ومما يدل على عمق العلاقات والدور الذي لعبه رئيس الجمهورية هو قيام الرئيس الايراني احمد نجاد باستقبال رئيس الجمهورية جلال طالباني والوفد السياسي والاقتصادي المرافق معه في 21 تشرين الثاني 2005، حيث اكد الرئيس الايراني اثناء استقباله لرئيس الطالباني قائلا: (( ان بلاده مستعدة لإحلال الامن كاملاً في العراق، لان أمن العراق هدفاً لأمن ايران... وان استقبالنا لرئيس الطالباني هو استقبال للشعب العراقي العزيز))، واشاد في كلامه على الدور الايجابي والدبلوماسي لرئيس جلال طالباني وحنكته السياسية في تفعيل العلاقات بين البلدين، وقد رد الطالباني عن ذلك بقوله:(( ان لديه ثقة بان طهران سوف يبذل جهده في مساعدة الشعب العراقي للقضاء واجتثاث الارهاب في البلاد ، ويمكن ان ايران بمكانها ان يكون نموذجا مناسبا للغاية في مجال تحديث الشؤون الاقتصادية والتطوير في قضايا البنى التحتية بالنسبة للعراق... ان العلاقات الاقتصادية والمصالح المترتبة عنهما بإمكانها ان تشكل اساساً لكي تقوم عليها العلاقات الراسخة بين البلدين))، واكد الطالباني ((ان علاقات بلاده مع ايران قوية لان المصالح المشتركة للبلدين بعثت على ترسيخ العلاقات بينهما مما جعلها تنمو في المجالات السياسية والاقتصادية))، وخلال زيارته الى طهران اجتمع الطالباني مع الوفد المرافق بكبار المسؤولين الايرانيين بمن فيهم المرشد الاعلى خامنئي، حيث اكد الطالباني في لقائه مع خامنئي قائلا((نحن نعتبر ايران حكومة وشعبا بانها صديق لنا ونؤمن بان العلاقات الوثيقة الحالية وتمتينها تخدم مصالح البلدين...))، وفي النهاية استهدفت الزيارة في سبيل تنفيذ الاتفاقيات الثنائية والاقليمية والاوضاع في المنطقة، ومن الجدير بالإشارة اله رافق رئيس الجمهورية كل من وزيري التخطيط والكهرباء ونائب وزير الخارجية العراقية .
بعد زيارة الرئيس جلال طالباني الى طهران وصف كبار المسؤولين الايرانيين العملية السياسية في العراق بانها منبثقة عن اصوات الشعب العراقي ولم تتوانى عن دعمها عملياً وهو ما ورد في تصريحات للمرشد الاعلى خامنئي والرئيس الايراني احمد نجاد ووزير خارجيته منوشهر متقي .
اشار المراقبين في تلك الفترة بان زيارة الرئيس جلال طالباني الى طهران تعد الاول لرئيس عراقي بعد اكثر عاماً. فتحت آفاقاً جديدة امام العلاقات بين البلدين ولاسيما في المجال الامني ودعم العملية السياسية وفي مجال ربط شبكات الكهرباء وربط عبادان بالبصرة حتى السليمانية بخط لسكك الحديد وعقد اتفاقات تجارية وسياحية بين البلدين .
وبالفعل فقد فتحت زيارة رئيس الجمهورية جلال طالباني آفاق التعاون بين البلدين، وعلى اثر ذلك زار الرئيس الايراني احمد نجاد بغداد قبل أي رئيس دولة اقليمية وعربية في 2-3 اذار 2008، وقد اشار الرئيس احمدي نجاد بان زيارته الى بغداد جاءت بدعوة من الرئيس جلال طالباني ورداً للزيارة التي قام بها الى طهران سنة 2005، وبحضور الرئيسين طالباني ونجاد تم في نفس يوم الزيارة ببغداد التوقيع على سبع مذكرات تفاهم بين الدولتين في مجالات التعاون الكمركي والتأمين وبناء المجمعات السكنية والتعاون في مجال الصناعة والتعدين، فضلاً عن مذكرة في مجال النقل واخرى في مجال التقييس والسيطرة النوعية، واقراض العراق قرض البالغ مليار دولار، ووقع المذكرات الوزراء المعنيون في حكومتي البلدين .
وكان الرئيس الايراني احمدي نجاد قد عقد في اليوم الثاني والاخير من زيارته مؤتمرا صحفياً، حيث اشار في المؤتمر لدور رئيس الجمهورية في دعم وتحسين علاقات العراقية- الايرانية، واشار الى دعم بلاده للعملية السياسية في العراق وللحكومة المنبثقة عن مجلس النواب المنتخب، واضاف في كلمته، حول مذكرات التفاهم التي جرى توقيعها وافاق التعاون المستقبلي بين البلدين، قائلا: ((مع توقيع سبع مذكرات تفاهم نكون قد خطونا خطوات جبارة في تنمية العلاقات بين البلدين)) .
شهد العراق في العام 2008 مجموعة من التطورات كان اهمها توقيع الاتفاقية الثنائية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية في 17 تشرين الثاني 2008، والتي شكلت هاجساً لدى ايران، فقد اعتبرت مضمونها وخصوصاً القواعد العسكرية الثابتة، بمثابة تكريس لاول انتداب عسكري في القرن الحادي والعشرين ، وهي برأيها سمحت بأن((تحتفظ الولايات المتحدة الامريكية بحق الدفاع عن نفسها، وهذا الحق يتناقض مع ميثاق الامم المتحدة...)) .
ففي الواقع مرَ الموقف الايراني من الاتفاقية الامنية بمرحلتين اساسيتين، هما الرفض والتكييف، ففي المرحلة الاولى ادلى مسؤولين الايرانيين بهجوم شديد على الاتفاقية واصفا الاتفاقية بنهب العراق وضياع السيادة وتعرض الشعب العراقي للخطر، اما في المرحلة الثانية اختلف الخطاب الرسمي الايراني، وبدأ بتكييف مع تلك الاتفاقية، كما جاء في تصريحات بعض المسؤولين عندما اشاروا الى امل ان تراعي الاتفاقية مصالح العراق والعراقيين .
وتفسيراً لتبدل الذي حصل في الموقف الايراني من الرفض الى التكييف حول الاتفاقية الامنية هو دور دبلوماسية الحوار الذي اتبعه الرئيس جلال طالباني في الحفاظ على التوازن بين القوى الاقليمية الفعالة وبين الولايات المتحدة الامريكية ، حيث عمل وحافظ في آن واحد على علاقاته مع ايران وامريكا، ويشير المراقبون والسياسيون في المنطقة بانه في عهد الرئيس الطالباني هدأ الى حد ما الصراع الايراني- الامريكي على الساحة العراقية نتيجة لحنكتهِ السياسية التي تميز به الرئيس طالباني واصبح رمزاً سياسياً وطنياً واقليمياً ودوليا .
وفي السياق ذاته، اشار الرئيس الطالباني في حديثه لقناة الفيحاء الفضائية، قائلا (( بان العراق يمر بربيع سياسي داخلي واقليمي ودولي والاستهانة به خطأ كبير... ولاسيما الدول المنتقدة للاتفاقية، فمثلا اصوات منتقدة ترتفع في ايران، ايران دولة صديقة لنا، ايران تتعاون معنا في مجالات عديدة كالمجال الامني والمجال الاقتصادي ومستعدة لتطوير هذه العلاقات، كذلك هنالك اصوات ترتفع من بلدان اخرى، هذه البلدان ايضا مستعدة للتعاون مع العراق))، وهذا دليل على ان الطالباني كان حريص على مصالح وسيادة العراق من دون التنازل للضغوطات الاقليمية والدولية على حساب الطرف الاخر بل حافظ على التوازن في التعامل مع القادة البارزين في الساحة السياسية العراقية، ولم يجامل على حساب العراق اي طرف خارجي رغم تمتعه بروابط قوية وعلاقات صداقة مع مختلف اطراف المجتمع من الجوار وغيرهم اقليميا ودولياً.
وعلى الرغم من ذلك كان الرئيس جلال طالباني عنصرا فعالاً في الدولة العراقية في تفعيل العلاقات السياسية والتجارية مع ايران، حيث انعكس ذلك في زيارته الى طهران في 26 شباط 2009 بعد ان تلقى الدعوة من الرئيس الايراني احمدي نجاد، وتم مراسيم استقبال الطالباني رسميا في يوم 27 شباط في مقر الرئاسة الايرانية بحضور الرئيس احمدي نجاد، وخلال الاجتماع الوفدين وجه الرئيس الايراني كلامه الى المراسلين قائلاً (( الرئيس طالباني رمز لخمسين عاما من النضال))، وجدد الرئيسين اثناء الاجتماع تأكيدهما على ان تكون العلاقات بين البلدين الصديقين متجذرة وموسعة خدمة للمصالح المشتركة، ولاسيما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والنفطية والغازية والسكك الحديد والمشاريع الانشائية والتعليم، وفي ختام الزيارة التي استغرق ثلاثة ايام و بحضور العديد من الوزراء العراقيين ونظرائهم الايرانيين واسفرت عن توقيع عدة مذكرات تفاهم مشترك في المجالات الانفة الذكر، وقبل اختتام رئيس الجمهورية زيارته التقى بكل من المرشد الاعلى خامنئي ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الايراني رفسنجاني وشخصيات سياسية اخرى.
كان الرئيس جلال طالباني حريص جدا على تقوية علاقات العراق مع محيطه الاقليمي والعربي والدولي، حيث اكد على تنشيط العمل الدبلوماسي من خلال لقاعه الخاص في 13 ايار 2010 بعدد من السفراء الجدد للعراق المعتمدين لدى بعض الدول الاقليمية والعربية والاجنبية، حيث اشار الطالباني خلال حديثه قائلا:(( انتم سفراء الشعب العراقي الجديد بكل مكوناته، ولستم سفراء طائفة او قومية او مذهب او دين بل سفراء العراقيين جميعا، لذلك نتمنى ان تعبروا عن هذه الحقيقة وتعملوا من اجل مصلحة العراق)).
في 19 ايلول 2010 وفي اطار زيارته الى الولايات المتحدة الامريكية التقى الرئيس جلال طالباني في نيويورك الرئيس الايراني احمدي نجاد والوفد المرافق له، وتم بحث العلاقات الثنائية بين الدولتين وسبل توسيعها سيما في المجالات الاقتصادية والتجارية . واكد الرئيسيين على ضرورة توطيد الروابط التاريخية وتعزيز اطر التعاون المشترك بين الشعبين العراقي والايراني بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين، فضلاً عن تبادل وجهات النظر حول الاوضاع والقضايا الاقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وبمناسبة انتخاب جلال طالباني رئيساً للجمهورية لولاية ثانية التقى بسفير الجمهورية الايرانية حسن داناني في بغداد ، ومن جانبه جدد السفير الايراني تهنئة حكومته بمناسبة انتخاب الرئيس طالباني رئيساً للجمهورية، معربا عن امنياته في ان تشهد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية بين البلدين الصديقين توسعاً اكثر وتفعيل المجالات كافة، واكد الرئيس طالباني في اللقاء على ان العراق الجديد اصبح عامل استقرار وامن للمنطقة والعالم.
وفي كلمة لرئيس جلال طالباني الى ابناء الشعب العراقي بمناسبة حلول العام الجديد عام 2011، اكد على تطلع الدولة بان يكون العام الجديد مدخلا لإرساء اسس العلاقات بين العراق ودول المحيط، قائلا (( يستعد الشعب العراقي لاستقبال واحتضان القمة العربية في بغداد في ربيع العام المقبل، فإننا نتطلع الى ان يكون عامنا الجديد مدخلاً واسعاً لإرساء اسس العلاقات بين العراق ودول المحيطة والاقليم بمتانة تحفظ الحقوق المشتركة وتصون مبادئ الاستقلال وتحترم الجوار وتهيء فرص العمل المشترك، وبما يخدم مصالح الجميع ويساعد في استقرار المنطقة وتقدمها)).
في 26 اذار 2011 يصل رئيس جلال طالباني العاصمة طهران تلبية للدعوة الرسمية التي وجه له من قبل الرئيس الايراني احمدي نجاد لحضور المهرجان العالمي الثاني للدول المحتفلة بأعياد نوروز، وجرى خلال اللقاء برئيس الايراني بحث واقع العلاقات بين البلدين والتأكيد على اهمية تطويرها والارتقاء بها بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين والبلدين، حيث قال الرئيس جلال طالباني(( ان من اهداف هذه الزيارة بالإضافة الى المشاركة في احتفالات اعياد نوروز، هو العمل على تطوير العلاقات بين بلدينا اللذين يرتبطان بروابط دينة وثقافية وتاريخية واجتماعية وطبيعية))، واكد الرئيس الايراني ايضا على حرص بلاده على العمل المشترك بين البلدين في مختلف المجالات.
شارك الرئيس جلال طالباني في المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب التي اقيمت في العاصمة طهران بحضور 60 دولة في 25 حزيران 2011، والقى الرئيس طالباني كلمة مفصلة عن كيف ان الارهاب يهدد الجنس البشري ويقوض الاقتصاد العالمي ويعيق التعاون والتكامل بين الدول ولاسيما الدول المحيطة بالعراق، وان العراق عانى لسنوات اشد المعاناة من الارهاب، واكد في كلمته على تصميم العراقيين على منع اي تطاول على الدول الجارة ولا يقبل التطاول على بلادهم من حدود الدول المحيطة بها، واشار الرئيس طالباني على الوئام بين الشعوب والبلدان ولاسيما المحيطة بالعراق يمنع الارهاب من ايجاد حواضن لها، واشار وزير الخارجية الايراني على اكبر صالحي في نهاية المؤتمر تم قبول مقترح لرئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني وهو الاستمرار في انعقاد مؤتمر عن الارهاب وتكون دورية كل سنة وان تكون المؤتمر الثاني تعقد في بغداد، حيث قرر المشاركون في المؤتمر على المقترح للرئيس طالباني، وهذا يؤكد على مدى تأثير الدور الدبلوماسي والامكانية السياسية للرئيس طالباني في المحافل الاقليمية والدولية.
وفي مجال الحفاظ على امن العراق والقضاء على الارهاب وظف الرئيس جلال طالباني دوره الدبلوماسي وزيارته الاخير الى طهران للمشاركة في المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب من اجل ذلك ولاسيما مع الجارة ايران لتكون داعما ومساندا مهما لتحقيق الامن والاستقرار في العراق، حيث اكد على اهمية توسيع وتنسيق العلاقات بين الدولتين خلال استقباله لنائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي في 6 تموز 2011 ، الذي زار بغداد على راس وفد رفيع المستوى من الوزراء ورجال الاعمال واصحاب الكفاءات في المجالات العلمية والصحية والخدمية، واكد نائب الرئيس الايراني الغرض من الزيارة هو المساهمة في اعادة اعمار العراق وتعميق العلاقات من خلال توقيع على عدد من مذكرات التفاهم في مجالات كافة.
يلاحظ من خلال السرد التاريخي لدور الدبلوماسي لرئيس جلال طالباني خلال سنوات حكمه في الرئاسة الجمهورية 2005-2012، الاثر الواضح على تفعيل علاقات العراق مع ايران، حيث تميزت هذه العلاقات بمجموعة من المميزات ومنها:
قامت ايران بتعزيز علاقاتها مع العراق من خلال تهيئة اسواق المدن الايرانية القريبة من المنافذ الحدودية المشتركة لتجارة السلع التي تحتاجها السوق العراقية، التي يمكن ان تتم عن طريق الترانزيت مع التركيز على التنمية الاقتصادية والثقافية في المحافظات العراقية المجاورة لإيران، وتشجيع القطاع الخاص العراقي على شراء البضائع الايرانية ، فمنذ عام 2003 وقعت كلا الدولتين عدد من الاتفاقيات الاقتصادية بينهما، وبهذا نمت التجارة بينهما بمعدل 30% بعد عام 2003 واستمرت بالزيادة في ظل ضعف البنية التحتية العراقية ،واشارت التقديرات ان التبادل التجاري بين البلدين وصل الى نحو 13 مليار دولار عام 2012 .
فتحت ايران اول قنصلية لها عام 2003 في إقليم كردستان العراق, وفي النجف عام 2010 وانضمت اليها بعد ذلك قنصليات جديدة في اربيل، كربلاء، السليمانية والبصرة، الامر الذي يوكد حجم الاقتصادي الايراني في العراق لتحقيق مكاسب مالية وسياسية .
خلال الفترة عالجت الحكومتان العديد من الملفات العالقة بين البلدين ابرزها مسالة الطائرات العراقية الموجودة في ايران اذ تمكنت في عام 2010 من الحصول على اعتراف ايران بوجود الطائرات العراقية لديه وتوقيع وثيقة رسمية تتضمن احقية العراق بها .
فضلا عن معالجة ملف الاسرى والمفقودين العراقيين حيث قامت الحكومة العراقية بتسليم الجانب الايراني في العام 2012 رفات 201 شخص، فيما تسلم العراق رفات 53 شخص المتوفين خلال الحرب بين البلدين 1980-1988 .
توقيع على اتفاقية غلق معسكرات مجاهدي خلق الايرانية في الاراضي العراقية والتي التزمت بها الحكومة العراقية .
كذلك دعمت ايران العملية السياسية في العراق خلال الفترة ولاسيما دعم مشروع الفدرالية ضمن تلك الاستراتيجية من اجل ضمان استمرار نفوذها في العراق .
تطور العلاقات الدينية بين البلدين، حيث اعلنت وزارة السياحة والاثار العراقية عن توقيع جملة من الاتفاقات مع الحكومة الايرانية بخصوص السياحة الدينية، حتى وصل عدد الزائرين الايرانيين الى العراق في نهاية العام 2012 تقريبا 850 الف زائر .
وفي مجال الطاقة وقع البلدين اتفاقية لتصدير الغاز الايراني الى العراق في تموز 2013، لتصدير كمية 25 مليون متر مكعب من الغاز يومياً( .
ثالثاً: الدور الدبلوماسي لجلال الطالباني في تفعيل علاقات العراق مع تركيا 2005-2012:
شهدت كل من تركيا والعراق حدثان مهمان في مطلع القرن الحادي والعشرين، كان لهما الاثر البالغ في التاريخ المعاصر للبلدين، تمثل الاول بوصول حزب العدالة والتنمية الى السلطة في تركيا في اواخر سنة 2002 حيث كانت مرحلة حاسمة في سياستها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الاقليمية والدولية، وتمثل الثاني تغيير النظام السياسي في العراق نتيجة للاحتلال سنة 2003 مما اثر في اوضاعه السياسية والامنية والاقتصادية وفي علاقاته الاقليمية والدولية وهو ما انعكس على العلاقات الثنائية بين البلدين. وأصبح لزاماً على اية دولة تريد التعامل مع العراق وبناء علاقات معه في المرحلة الجديدة ان تنسج علاقات جيدة بشكل مباشر مع الولايات المتحدة بوصفها الدولة المحتلة له، لاسيما خلال سنتي 2003 و2004 حتى الانتخابات البرلمانية الاولى مطلع سنة 2005 والتي انتج عنها انتخاب اول رئيس للجمهورية في تاريخ العراق المعاصر.
ان العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق دخلت مرحلة جديدة من التطور منذ سنة 2007 وحتى سنة 2011، وتوجت بإعلان تأسيس المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين سنة 2008، وهي اعلى مستوى من التحسن وصلت الية العلاقات الثنائية من عقود.
حصل تدهور في العلاقات السياسية بين العراق وتركيا سنة 2012، نتيجة للعديد من العوامل منها الخلافات السياسية الداخلية في العراق وانعكاساتها الاقليمية، وتدخل دول الجوار في الشؤون الداخلية للعراق، فضلاً عن اختلاف موقف البلدين من الثورة السورية سنة 2011 الامر الذي انعكس سلباً على العلاقات بينهما.
كانت هناك امور عديدة تشغل بال تركيا في العراق خلال سنة 2004 ومنها :
المشكلة الامنية والانتخابات في العراق.
الوضع القائم في كركوك والتطورات المحتملة( والمطالبة بحقوق الاقلية التركمانية).
وجود حزب العمال الكردستاني ونشاطه في العراق.
منع ظهور النظام الفدرالي في العراق ولاسيما للكرد في العراق.
ان تلعب تركيا دوراً هاماً في اعادة الاعمار السياسي والاقتصادي للعراق في المرحلة الجديدة.
ففي اعقاب الانتخابات العامة التي جرت في العراق في 30 كانون الثاني 2005، التي اغضبت نتائجها المسؤولين الاتراك، وعقب ظهور نتائج الانتخابات، صدر بيان من الخارجية التركية في 13 شباط 2005، ان عدم تنظيم الانتخابات في بعض المناطق فضلا عن حدوث تلاعب في مناطق اخرى، خصوصاً في كركوك ادت الى نتائج غير متوازنة .
وقد عد المسؤولون العراقيون التصريحات التركية تدخلاً في الشؤون الداخلية للعراق، خاصة ما يتعلق بدعوة تركيا للدول المجاورة للعراق لان يكون لها كلمتها بشأن مستقبل مدينة كركوك، معتبرة انها تشكل تهديداً محتملاً لأمن المنطقة، حيث هددت تركيا بتدويل ما اطلقت عليه (مشكلة مدينة كركوك) .
في بدايات التسعينيات من القرن العشرين برزت علاقات دبلوماسية بين الرئيس التركي الراحل توركت اوزال والرئيس جلال طالباني والذي اصبح معبرا للحوار والتعامل التركي مع واقع الكرد في العراق والتي سميت بدبلوماسية (اوزال-طالباني)، ومن اجل التعامل مع كرد العراق في اطار العراق الجديد بعد عام 2003 وتجاوز الاطر السابقة كقضية التركمان ومسالة كركوك واللتين وصفهما بعض الصحفيين الترك بانهما(نظرة قاصرة)، حيث يعود الفضل الكبير للرئيس جلال طالباني في تحويل العلاقة بين الكرد وتركيا من حالة العداء الى حالة التعامل السياسي والاقتصادي على اساس المصالح المشتركة، لم يتوان في ان يطور الحالة الى صداقة وروابط بين الشعبيين الكردي والتركي، ولم تكن مثل هذه السياسة لطالباني سهلة القبول ليست فقط من قبل الترك، بل من قبل بعض الاوساط الكردية ايضا والتي لم تتورع في توجيه شتى التهم لطالباني. لكن الرئيس جلال الطالباني تمكن من خلال سياسته الواقعية هذه من اقناع الرسميين في تركيا للتعامل بطريقة اخرى مع الكرد وحتى مع عبدالله اوجلان عبر اول لقاء رسمي بين اوجلان ومجموعة من البرلمانيين في تركيا. ولولا السياسة الراديكالية الخاطئة لحزب العمال الكردستاني لكانت العلاقة الكردية- التركية داخل تركيا قد قطعت اشواطا ابعد مما هي عليه الان.
اما بالنسبة لعلاقة تركيا بالعراق ولاسيما بعد حصول الشيعة على الاكثرية النيابية في العراق، فقد توجست تركيا لأنها لم تتعود حتى في عهد الدولة العثمانية ان ترى الشيعة في العربة الاولى لقاطرة الحكم في العراق، الا انها رجعت لتعيد ترتيب اوراقها بعد اجتماع مجلس الامن القومي التركي، لوضع استراتيجية جديدة تدعو الى تطوير العلاقات مع الشيعة بفضل دبلوماسية الرئيس جلال طالباني، حيث تسلم اوردوغان رسالة من طالباني حول العلاقات بين تركيا والعراق، ويبدو ان الرسالة قد خلقت حالة من الطمأنينة السياسية في انقرة جاءت في الوقت المناسب مما دفع بالحكومة التركية لان تختار طالباني الابرز في ترشيحات رئاسة الدولة في العراق، للحوار لان مصادر في الخارجية التركية تعتبر طالباني المرجع الكردي الذي يمكن التفاهم معه في شأن ما يمس مصالحها في العراق وخصوصا بعد جنوح طالباني الى اسلوب (ديبلوماسية الحوار) في تعامله مع تركيا ودول جوار العراق، ورغم عدم ازالة كل الخلافات بين العراق بكل اطيافها وتركيا الى ان توسيع معبر(طالباني-اوزال) للعلاقات التركية-الكردية جاء ليضيف معبرا اخر اليه الا وهو معبر (طالباني- اردوغان) لتوسيع قاعدة التعاون السياسي والاقتصادي وفق فهم جديد للمعادلة العراقية وذلك امر ضروري ومهم للطرفين العراقي- التركي .
وفي سياق ذاته، نشرت وسائل الاعلام في يوم 28 شباط 2005 زيارة غير مسبوقة لوفد تركي رفيع المستوى الى السليمانية واجتماعه بزعيم الاتحاد الوطني الكردستاني ومرشح لرئاسة جمهورية العراق جلال طالباني وتراس الوفد التركي السفير فخري توروتورك وضم مسؤولين من الخارجية والاستخبارات والمؤسسة العسكرية وحمل الوفد رسالة من اردوغان الى طالباني يعرب فيها استعداده للتعاون معه وتأييده للنظام الفيدرالي في العراق وتسنمه رئاسة جمهورية العراق ، حيث بدأت بوادر السياسة التركية الجديدة في العراق مع اعادة التواصل عبر بوابة الشخصية الدبلوماسية الكردية.
واكد السيد عثمان كورتورك مبعوث رئيس وزراء التركي الى جلال طالباني في مقابلة تلفزيونية مع قناة (NTV) التركية على ان تصريحات جلال طالباني الاخيرة حول صداقة الكرد لتركيا اتخذت اتجاها صائباً، مضيفاً، بالنسبة الينا، فلا صراع لنا مع الكرد لان كرد موجودون في تركيا ايضا، فلهذا لا يمكننا ان نخوض هذا الصراع الكبير، واشارة الى ان الكرد في كركوك يشكلون الاكثرية في كركوك وهم جزء من العراق لا نستطيع انكار ذلك وانهم يشغلون مناصب هامة في الحكومة.
ان البراغماتية التي اتسم بها اردوغان وغول كان لها قراءات ابعد من العلاقات الثنائية بين الكرد وتركيا لتشمل العلاقات المستقبلية بين العراق الجديد ودولة تركيا في ضوء الترتيبات الجديدة للاستراتيجية التركية حيال العراق، وما يحمله استقبال جلال طالباني في المستقبل القريب كرئيس كردي عراقي في انقرة وليس كزعيم حزب سياسي كردي في الحسابات التركية.
على هامش مشاركة الرئيس طالباني اجتماع السنوي الامم المتحدة في منتصف شهر ايلول 2005 التقى بعدد من زعماء وشخصيات سياسية في العالم ومن ضمنهم لقائه مع رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان، حيث اكد الرئيس التركي بان تركيا حريصة على العلاقات الجيدة مع العراق وشدد على ان بلاده تدعم الشعب العراقي والرئيس طالباني في جهوده الرامية لترسيخ الديمقراطية في العراق ودوره على ابقاء علاقات حسن الجوار مع البلدين.
ان العلاقات العراقية التركية وخصوصاً في المجالين السياسي والاقتصادي قد دخلت مرحلة جديدة من التطور الحقيقي الملموس في النصف الثاني من سنة 2007 والتي شهدت تطورات داخلية مهمة في كلا البلدين، ففي تركيا حقق حزب العدالة والتنمية فوزاً في الانتخابات البرلمانية في 22 تموز 2007، الامر الذي عزز الاستقرار السياسي في تركيا، وانعكس في مجال علاقاتها مع دول الجوار كافة ومحاولة تطبيق مبدأ تصفير المشاكل معها، اما العراق فشهد في النصف الثاني من سنة 2007 انطلاق حملة امنية مكثفة للسيطرة على تدهور الاوضاع الامنية في البلاد، مما ساهم في تحقيق استقرار نسبي في العراق مكنه من تعزيز آفاق علاقاته السياسية والاقتصادية مع دول الجوار وخصوصا تركيا، وفي هذا السياق، وفي اطار جهود الدولة العراقية الرامية الى توثيق اواصر العلاقات السياسية والدبلوماسية بين العراق وتركيا، وتعزيز آفاق التعاون بين البلدين في المجالات كافة، قام رئيس الوزراء العراق نوري كامل المالكي بزيارة رسمية الى انقرة في 7 اب 2007، واجرى لقاء مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية والتعاون الامني وتبادل الخبرات في المجالات التجارية والاقتصادية بين البلدين وسبل تعزيزها بما يخدم مصلحة البلدين، كما تم التوقيع على مذكرة تفاهم في مجال الطاقة بين العراق وتركيا.
وكانت للزيارات واللقاءات الدبلوماسية اثر على تحسين وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين من 900 مليون دولار في سنة 2003 الى 5 مليارات دولار في نهاية سنة 2007.
لقد اسهمت الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولي البلدين في التمهيد لانبثاق صفحة دبلوماسية جديدة بين العراق وتركيا، وقد عكست هذه الزيارات رغبة مسؤولي البلدين في تطوير علاقاتهما الثنائية الى مستوى استراتيجية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهو ما انعكس فيما بعد على ارض الواقع في عقد سلسلة من الاتفاقات المهمة التي تخدم ذلك التوجه، ففي زيارة مهمة للرئيس العراقي جلال طالباني لأنقرة في 7 اذار 2008، وهي الاولى من نوعها له بصفته رئيساً، بناءاً على دعوة من الرئيس التركي عبدالله غول في 21 شباط 2008، بعد ساعات من توقف الهجوم الذي استهدف قواعد يستخدمها حزب العمال الكردستاني لشن هجمات داخل الاراضي التركية.
واكد الرئيس طالباني على اهمية تطوير العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق وصرح قائلاً: ان العراق يأمل في إقامة علاقات استراتيجية ومتينة مع تركيا الجارة، واوضح ان الهدف من هذه الزيارة هو تمكن من إقامة علاقات استراتيجية ومتينة مع تركيا. وتحدث الرئيس العراقي جلال طالباني خلال مؤتمر صحفي في مقر الرئاسة مع نظيره التركي عبدالله غول، عن امله في تحسين العلاقات بين البلدين في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية وفي مجال الطاقة ايضا وان يصبح التعاون مع تركيا إنموذجاً يحتذى به في الشرق الاوسط.
لقد مثلت زيارة الرئيس الطالباني خطوة مهمة نحو تفعيل الدبلوماسية لتعزيز آفاق التعاون الامني والاقتصادي بين البلدين، فضلاً عن تعزيز وتطوير الاواصر السياسية بين الدولتين الامر الذي مهد لتوفير مزيد من الاجواء الايجابية لتوثيق التعاون الثنائي بين البلدين في مجالات كافة، توجت بتوقيع اتفاقية للتعاون الاستراتيجي في منتصف سنة 2008.
نتج عن زيارة الرئيس جلال الطالباني الى تركيا في اذار 2008، زيارة رئيس وزراء التركي في تموز 2008، والتي تعتبر من الزيارات المهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين والاولى لرئيس وزراء تركي بعد القطيعة الدبلوماسية دامت اكثر من 18 عاماً، وقد زارة رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان بغداد ووقع مع نظيره العراقي نوري مالكي اتفاقية سميت ب( الاعلان السياسي المشترك) والذي تأسس بموجبه المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي بين العراق وتركيا، حيث اشار المراقبون في حينها الى ان التوقيع على ذلك الاعلان يعد تدشينا لعهد جديد من العلاقات العراقية- التركية.
وبعد الاعلان اجتمع رئيس وزراء التركي بالرئيس العراقي جلال طالباني في قصر السلام، ووصف رئيس جمهورية العراق جلال طالباني زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى العراق بالتاريخية مشدداً على ضرورة تقوية وتوسيع العلاقات بين البلدين في جميع المجالات واوضح بيان صدر عن رئيس الجمهورية العراقية ان الرئيس جلال طالباني اجرى محادثات مع اردوغان، تناولت العلاقات الثنائية بين العراق وتركيا. ونقل البيان عن الرئيس طالباني وصفه الزيارة بالتاريخية معبراً عن سروره بتوقيع الاتفاقية الاستراتيجية في ختام محادثات التي جرت بين رئيس وزراء البلدين.
وجاء في نص الاعلان السياسي المشترك لتأسيس المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجية تتويجا لمذكرة التفاهم المشترك الموقعة بين رئيس الوزراء العراقي والتركي في 7 اب 2008، وزيارة رئيس الجمهورية العراقية جلال طالباني لأنقرة في 7-8 اذار 2008، تم توقيع اتفاقية ثنائية بين العراق وتركيا لتشكيل المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين في 10 اب 2008، هدفت الى توثيق العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين، ودعم اواصر العلاقات السياسية والاقتصادية والامنية بينهما، وتنسيق مواقفهما وجهودهما الاقليمية لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. ومن هذا المنطلق، تلتزم الدولتان بتطوير شراكة استراتيجية طويلة الامد تهدف الى تعزيز التضامن بين شعبي العراق وتركيا.
هدفت الاتفاقية الى ان يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين الى ما قيمته 25 مليار دولار خلال سنوات 2008-2011، بالإضافة الى تفعيل المجالات السياسية والدبلوماسية والثقافية والمجالات المتعلقة بالاقتصاد والطاقة والمجال التعاون الامني والعسكري.
وشهدت العلاقات العراقية التركية خلال سنتي 2009-2010 تعزيز العلاقات الثنائية والرغبة في تفعيل اتفاقية التعاون الاستراتيجي بينهما، حيث بدأت الزيارات الرسمية بين الجانبين، فقد قام وزير الخارجية العراقية هوشيار زيباري في 22 كانون الثاني 2009 بزيارة رسمية الى انقرة على رأس وفد كبير تلبية لدعوة وزير الخارجية التركية، وأجريَ خلال الزيارة مباحثات حول العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها وتطويرها على كافة المستويات.
وفي خطوة تركية مقابلة في اطار تبادل الزيارات الرسمية بين مسؤولي البلدين قام احمد داود اغلو وزير الخارجية التركية بأول زيارة رسمية له لبغداد بعد تولية المنصب، وكان الغرض من اجل تفعيل الاعلان الاستراتيجي وامكانية عقد اجتماع مشترك في اقرب وقت، وفي اطار تفعيل المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي العراقي-التركي انعقد الاجتماع الاول للمجلس الوزاري بين البلدين في 17 ايلول 2009 في اسطنبول، واكد الجانبين في الاجتماع على مجالات التعاون الممكن العمل فيها بين البلدين، ومنها الامن والنفط والغاز الطبيعي والمياه والصحة، مؤكداً تصميم البلدين على مواصلة الجهود لتحويل تلك الارادة الى واقع ملموس.
في السياق ذاته، اكد الرئيس العراقي جلال طالباني على رغبة العراق ببناء علاقات استراتيجية مع تركيا في جميع الميادين، واعتبر الرئيس طالباني خلال لقائه السفير التركي لدى بغداد مراد اوزجليك في 13 تشرين الاول 2010 ان تركيا جارة صديقة ومهمة للعراق، مجددا رغبة القادة السياسيين العراقيين ببناء علاقات استراتيجية معها لما لها من تأثير ايجابي على تعزيز روابط الصداقة التاريخية بين الجانبين.
وخلال زيارة الرئيس جلال طالباني لإسطنبول في 22 كانون الاول 2010، التقى بنظيره التركي عبدالله غول، واكد الرئيسان على اهمية تعزيز وتطوير العلاقات بين البلدين الجارين، العراق وتركيا. وفي مستهل اللقاء جدد الرئيس غول التهاني للرئيس طالباني لإعادة انتخابه رئيسا لجمهورية العراق، معربا عن امله في ان يكون انتخابه وتشكيل حكومة شراكة وطنية عاملا مهما في بناء العراق واستقراره.. كما اعرب عن رغبة تركيا في تنشيط التعاون المشترك بين البلدين، داعيا العراق الى الانضمام الى منظمة التعاون الاقتصادي التي يحضر الرئيس جلال طالباني قمتها في اسطنبول بدعوة من الرئيس غول. ومن جهته تحدث الرئيس طالباني عن اهمية تفعيل جميع الاتفاقيات المعقودة بين البلدين وعقد اجتماعات المجلس المشترك الذي يرأسه رئيسا حكومتي البلدين، وشكر الرئيس طالباني الرئيس عبدالله غول على الدعوة وحسن الضيافة.
في 17 كانون الثاني 2011 التقى الرئيس جلال طالباني في قصر السلام وزير الخارجية التركي احمد داود اغلوا ، حيث اشاد وزير الخارجية التركي في اللقاء بتطور الحياة السياسية في العراق والانتقال الى مرحلة جديدة بعد تفاهم القوى السياسية سلميا وديمقراطيا، واكد اغلوا اهمية تفعيل مجلس التعاون الاستراتيجي المشكل بين البلدين وضرورة السعي لعقد اجتماعات المجلس، واشارة بالدور الفعال لرئيس الجمهورية في تنشيط العلاقات العراقية-التركية قائلا: انكم وزملائكم تصرفتم بحكمة لتجاوز ازمة تشكيل الحكومة داخلياً... وانكم من اكثر القيادات حكمة في منطقتنا.. وليس العراق وحده يحتاج هذه الحكمة وانما المنطقة بأجمعها.
نتج عن زيارة الرئيس العراقي الى تركيا زيارة متبادلة لرئيس وزراء التركي رجب طيب اردوغان بزيارة مهمة للعراق في 28 اذار 2011 التقى فيها الرئيس العراقي جلال طالباني ورئيس مجلس الوزراء نوري مالكي ورئيس البرلمان اسامة النجيفي وقام بزيارة مهمة للمرجع الديني علي السيستاني،والقى اردوغان كلمة في البرلمان العراقي اكد فيها على التضامن والتعاضد بين البلدين.
وفي 6 تموز 2011 استقبل رئيس الجمهورية العراقي جلال طالباني ببغداد، السفير التركي لدى العراق مراد اوزجليك. وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الثنائية بين جمهورية العراق والجمهورية التركية والسبل الكفيلة لتطويرها. واشار الرئيس طالباني الى اهمية العلاقات المتينة التي تربط البلدين الجارين، مؤكدا ضرورة توسيع هذه العلاقات لتشمل كافة المجالات في اطار الاتفاقيات الموقعة بين البلدين بما يخدم المصالح العليا للشعبين، من جانبه شدد السفير التركي على ان تركيا ستواصل دعمها للعملية السياسية والديمقراطية وان استقرار في العراق مهم بالنسبة الى تركيا.
شهد عام 2012 توترا في العلاقات العراقية-التركية اثر تصريحات متبادلة بين الطرفين، ومن ثم استدعاء سفيري البلدين الى مقر الخارجية في كل من انقرة وبغداد، وجاءت هذه الاجراءات على خلفية التداعيات التي احدثتها قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي، بعد ان حكم عليه القضاء العراقي بالإعدام بسبب اتهامه غيابيا بالقيام بأعمال وصفها ب(الارهابية) في العراق، ونتيجة لذلك قامت الحكومة التركية في اواخر كانون الثاني 2012 باستضافة الهاشمي لاعتقادها بان هذه التهم مفبركة وهي عبارة عن استهداف سياسي للرموز الوطنية العراقية.وابدت الحكومة التركية في منتصف عام 2012 انزعاجا من الحكومة العراقية، لان العراق دولة مجاورة تشكل الاوضاع فيها خطورة جدية على تركيا.
على الرغم من محاولات الدبلوماسية من قبل الرئيس جلال طالباني في تهدئة الحدة في العلاقات والتصريحات بين الجانبين عندما التقى بسفير الجمهورية التركية يونس تيمور والوفد المرافق له في منتجع دوكان ، لكن انقرة تحركت بدبلوماسية مكثفة باتجاه وضع حد للصراع الداخلي في العراق وتصريحات المسؤولين العراقيين تجاه الحكومة تركيا، فيما بدأت اصوات داخل العراق، ومن بينها حكومة المالكي، تنظر الى تركيا بانها تتدخل في الشأن الداخلي. كما طرح تدهور الاوضاع في العراق بمجرد انسحاب القوات الامريكية اواخر سنة 2011 على خط الدبلوماسية التركية خلال المدة الماضية.
الخاتمة
في ضوء المعلومات المدونة في متن البحث والاهداف التي تسعى الى تحقيقها الدراسة تم التوصل الى الاستنتاجات التالية:
شهدت العلاقات العراقية- الايرانية تحسنا بعد انتخاب جلال طالباني رئيسا لجمهورية العراق سنة 2005 ، حيث لعب دبلوماسية الحوار التي تميز به دورا كبيرا في اعادة قراءة وترتيب وتحليل وبناء هذه العلاقات على وفق مصالح البلدين، المصالح المتكافئة والعلاقات الإيجابية المتبادلة والنأي عن تراكمات التاريخ واشاعة الحوار العقلاني والتوازن الإيجابي، فكان زيارته الى طهران عام 2005 اول زيارة لرئيس عراقي منذ اعلان الجمهورية الاسلامية الايرانية، دليل على دوره الدبلوماسي خلال فترة حكمه.
نتيجة لذلك تبادل البلدين الزيارات الرسمية وعلى المستوى الرفيع لتحسين العلاقات بينهما ، فكان لها الاثر الواضح على تفعيل علاقات العراق مع ايران، حيث تميزت هذه العلاقات بمجموعة من المميزات ومنها: دعمت ايران للعملية السياسية في العراق خلال الفترة، وتحسين العلاقات الاقتصادية حتى وصل التبادل التجاري بين البلدين بنحو 13 مليار دولار عام 2012، معالجة العديد من الملفات العالقة بين البلدين، وتطور العلاقات الدينية بين البلدين، فضلاً عن عقد الكثير من الاتفاقيات في مجال الطاقة والاعمار والنقل...الخ.
في بدايات التسعينيات من القرن العشرين برزت علاقات دبلوماسية بين الرئيس التركي الراحل توركت اوزال والرئيس جلال طالباني والذي اصبح معبرا للحوار والتعامل التركي مع واقع الكرد في العراق والتي سميت بدبلوماسية (اوزال-طالباني)، ومن اجل التعامل مع كرد العراق في اطار العراق الجديد بعد عام 2003 وتجاوز الاطر السابقة، حيث يعود الفضل الكبير للرئيس جلال طالباني في تحويل العلاقة بين الكرد وتركيا من حالة العداء الى حالة التعامل السياسي والاقتصادي على اساس المصالح المشتركة. لكن الرئيس جلال الطالباني تمكن من خلال سياسته الواقعية هذه من اقناع الرسميين في تركيا للتعامل بطريقة اخرى مع الكرد.
حتى بالنسبة لعلاقة تركيا بالعراق ولاسيما بعد حصول الشيعة على الاكثرية النيابية في العراق، فقد توجست تركيا لأنها لم تتعود حتى في عهد الدولة العثمانية ان ترى الشيعة في العربة الاولى لقاطرة الحكم في العراق، الا انها رجعت لتعيد ترتيب اوراقها بعد اجتماع مجلس الامن القومي التركي، لوضع استراتيجية جديدة تدعو الى تطوير العلاقات مع الشيعة بفضل دبلوماسية الرئيس جلال طالباني.
عكست الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولين البلدين في التمهيد لانبثاق صفحة دبلوماسية جديدة بين العراق وتركيا، وتطوير علاقاتهما الثنائية الى مستوى استراتيجية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهو ما انعكس فيما بعد على ارض الواقع في عقد سلسلة من الاتفاقات المهمة التي تخدم ذلك التوجه، فالزيارة المهمة للرئيس جلال طالباني لأنقرة في 7 اذار 2008، وهي الاولى من نوعها له بصفته رئيساً الاثر الواضح.
ان العلاقات الثنائية بين تركيا والعراق دخلت مرحلة جديدة من التطور منذ سنة 2007 وحتى سنة 2011، وتوجت بإعلان تأسيس المجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي بين البلدين سنة 2008، وهي اعلى مستوى من التحسن وصلت الية العلاقات الثنائية منذ عقود.
هدفت الاتفاقيات بين البلدين الى ان يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين الى ما قيمته 25 مليار دولار خلال سنوات 2008-2011، فضلاً عن تفعيل المجالات السياسية والدبلوماسية والثقافية والمجالات المتعلقة بالاقتصاد والطاقة ومجال التعاون الامني والعسكري.
حصل تدهور في العلاقات السياسية بين كل من العراق وايران وتركيا سنة 2012، -بعد تعرض رئيس الطالباني للمرض الذي ابعده عن الساحة السياسية والادارة- نتيجة للعديد من العوامل منها الخلافات السياسية الداخلية في العراق وانعكاساتها الاقليمية، وتدخل دول الجوار في الشؤون الداخلية للعراق، فضلاً عن اختلاف موقف البلدين من الثورة السورية الامر الذي انعكس سلباً على علاقات العراق بمحيطه الاقليمي.
أن جهود الرئيس جلال طالباني في تعزيز العلاقات الدبلوماسية للعراق مع محيطه الإقليمي ولاسيما ايران وتركيا خلال السنوات 2005-2012، ساهمت في تحقيق الاستقرار الداخلي والإقليمي للعراق، وأن هذه الجهود كان لها تأثير إيجابي على تنمية العراق وتحقيق التعاون مع محيطه الاقليمي.[1]