*د. محمد نور الدين
يوم واحد فقط، فصل بين دعوة زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت بهتشلي ، زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، إلى التحدث أمام نواب «حزب الشعوب للديموقراطية والمساواة» الكردي في البرلمان، وبين الهجوم الذي استهدف، أول من أمس، مقرّ شركة صناعة الطيران والفضاء التركية في أنقرة.
وأسفر الهجوم المذكور عن مقتل ستة أشخاص، بينهم المنفّذان، اللذان نجحا في اختراق مدخل الشركة، واحتجاز بعض الرهائن، فيما فسّره البعض على أنه محاولة لتخريب عملية «الانفتاح» التي دشّنها بهتشلي، في الأول من الشهر الجاري، على الكرد، كان يُفترض أن تُتوج بإعلان أوجلان تسليم «الكردستاني» السلاح، وانتهاء العمليات الإرهابية في تركيا.
لكن المحللين اختلفوا في تحديد الجهة التي قد تكون متضرّرة من مبادرة بهتشلي؛ إذ رأى بعضهم أن «الكردستاني» نفسه منزعج من محاولة استغلال أوجلان المعتقل، في عملية تستهدف تصفية «القضية الكردية»، من دون أيّ مقابل جدّي، فيما اعتبر آخرون أن فئة داخل الحزب تعترض على المضيّ في عملية الحلّ على حساب «الهوية الكردية».
غير أنه ثمّة مَن ذهب الى أن الدولة العميقة في تركيا، تقف وراء العملية، لأنها وجدت في مبادرة بهتشلي إضراراً بالهوية والأمن القومي التركيين.
أيضاً، قال آخرون إن استهداف المجمع الذي تصنع فيه طائرات حربية تركية، ومسيّرات من طراز «أنكا» (مثل تلك استكشفت مكان سقوط الطائرة التي كانت تستقل الرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم رئيسي) هي رسالة تحذير إلى تركيا بألّا تحاول صناعة أسلحة حربية مهمّة تعزّز استقلالها العسكري.
وأياً يكن، فإن أحداً لم ينتظر أن تكون طريق مبادرة بهتشلي مفروشة بالورد؛ إذ لم يتضح ما إذا كانت ستمنح الكرد في تركيا المطالب الأساسية التي ينشدونها، مقابل التخلّي عن السلاح، أو أنها مجرد «فخ» يهدف إلى نزع سلاح «حزب العمال»، وضرب «الإنجازات» الاستقلالية في سوريا.
وفي الأول من تشرين الأول الجاري، وخلال افتتاح السنة البرلمانية الجديدة، التقى زعيم «الحركة القومية» نواباً «على الواقف» من «حزب الشعوب للمساواة والديموقراطية» الكردي، وصافح بعضهم، بمن فيهم رئيس الحزب، تونجير باقرخان، في ما مثّل حدثاً نادراً، خصوصاً أن المبادرة جاءت ممَّن يعتبره الكرد رأس الشوفينية التركية، ويصفهم هو بأنهم «خونة وانفصاليون وإرهابيون».
وإذ توقّف كثيرون عند هذه الخطوة، فهم استشرفوا فيها شيئاً يراوح بين بداية لعبة جديدة من جانب النظام، أو بداية مرحلة «حل المسألة الكردية».
وتزامن ذلك مع الكشف عن أن بهتشلي قدّم اقتراحاً، في 25 أيلول الماضي، بإطلاق سراح كل مَن أمضى 25 عاماً في السجن، ضمن بعض الشروط التي تتطلّب تعديلات قانونية. والاقتراح الذي يعرف باسم «الحقّ في الأمل»، كانت «المنظمة الأوروبية لحقوق الإنسان» قد اقترحته أيضاً، في نهاية أيلول، علماً أنه، في شباط المقبل، يكون قد مرّ 25 عاماً على اعتقال أوجلان.
ولعلّ المعنيّ الأول بهذا الاقتراح هو «حزب الشعوب للديموقراطية والمساواة» الذي قالت رئيسته بالتوازي، تولاي خاتم أوغوللاري، إن «حلّ المشكلة الكردية في أيدينا. وطريق حلّ المشكلة واضح لجهة المخاطب فيها.
المخاطب في عملية السلام في تركيا هو عبد الله أوجلان المعتقل في إيمرالي. وحلّ المشكلة يكون في البرلمان. ونحن مستعدون للمبادرة من أجل سلام عادل ومشرّف».
ومن جهتها، قالت صحيفة «أوزغور بوليتيكا» الناطقة باسم «الشعوب» إن «السلطة، وبعدما فشلت في ألاعيبها السابقة، تبدأ لعبة جديدة غير مضمونة النتائج. الحلّ يكون بخطوات تعترف بالوجود المطلق للكرد وكردستان».
أمّا ردود الفعل، فجاءت مختلفة؛ إذ قال رئيس الجمهورية، رجب طيب إردوغان، إن «تحالف الجمهور فتح نافذة تاريخية لحلّ المشكلة»، معتبراً أنه «يجب ألا تكون هذه الفرصة ضحية الحسابات الشخصية لأحد».
وأضاف أن «تركيا المستقبل لن يكون فيها إرهاب وإرهابيون».
وبدوره، رأى نائب رئيس «الحركة القومية»، فيتي يلدز، أن «تاريخ ال22 من تشرين الأول، هو ميلاد في السياسة التركية وسيتحدّث المحللون عن مرحلة ما قبل 22 تشرين الأول، وما بعده».
لكن الاعتراض الأول جاء من جانب زعيم «الحزب الجيد»، مساوات درويش أوغلو، الذي رفض أن «يتحدّث رأس المنظمة الإرهابية أمام البرلمان الذي أسّسه أتاتورك»، ثم قال رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، إن «حلّ المشكلة الكردية لا يكون بدعوة شخص إلى إلقاء كلمة في البرلمان.
من الواضح أن دعوة بهتشلي تخفي أمراً ما وهو أنها ليست لحلّ المشكلة الكردية، بل لحلّ مشكلة إردوغان رائحة كريهة تفوح من هذه اللعبة».
ومن جانبه، أشار رئيس بلدية أنقرة، منصور ياواش (الشعب الجمهوري)، إلى أن «الأمة تريد السلام، لكن هذا لا يعني أن يتحدّث رأس المنظمة الإرهابية أمام برلمان مصطفى كمال.
الأمّة كما التاريخ، لن تغفر ذلك». أيضاً، ثمة من رأى أن بهتشلي أراد، عبر مبادرته تلك، تمهيد الطريق أمام تعديل دستوري لمصلحة السماح لإردوغان بالترشح لولاية رابعة جديدة، وبدعم النواب الكرد، في مقابل منح هذه الفئة بعض المكاسب في التعليم والهوية.[1]