قبل الاستفتاء، كان إقليم كردستان في ذروة استقلاليته
*عن صحيفة (وول ستريت جورنال) :
كان سقوط كركوك، بشكل صريح، نتيجة ملموسة للاستفتاء على الاستقلال الذي نظمته السلطات الكردية العراقية الشهر الماضي، رغم التحذير والمشورة الدولية بأنه خطر على بقاء الحكم الذاتي الكردي الحالي.
كانت العملية العسكرية الخاطفة للحكومة الفيدرالية للسيطرة على المدينة التي يسيطر عليها الكرد وحقول النفط المحيطة بالمدينة، الأحدث في سلسلة الخطوات التي اتخذتها بغداد لتبديد حريات كردستان في أعقاب استفتاء 25 سبتمبر (أيلول).
جاء ذلك في مقدمة تقرير أعده ياروسلاف تريفيموف، وهو صحافي مهتم بشؤون الشرق الأوسط، وكاتب دائم لدى صحيفة «وول ستريت جورنال».
يأتي الهجوم العسكري بعد التحركات الرامية إلى إغلاق الرحلات الجوية الدولية إلى مطارات كردستان، والحد من صادرات المنطقة النفطية عبر تركيا -يشير الكاتب- إذ أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أن قوات البشمركة الكردية التي عملت دائمًا بشكل مستقل يجب أن تخضع لسيطرة فدرالية.
يرى الكاتب أن السرعة التي سقطت بها كركوك -وهي مدينة ذات أهمية تاريخية للكرد يطلق عليها «القدس الكردية»- قد تُسبب بالفعل خللًا كبيرًا داخل إقليم كردستان العراق. وفي الوقت الذي تتهم فيه القوى السياسية الرئيسية في الاقليم بعضها البعض بالخيانة، أعادت الظاهرة المتزايدة المخاوف من نشوب حرب أهلية من النوع الذي مرت به كردستان في الفترة ما بين 1994- 1997.
وينقل تريفيموف ما قاله غاريث ستانسفيلد، أستاذ السياسة في الشرق الأوسط بجامعة إكستر في إنجلترا: «المسألة الآن هي بقاء إقليم كردستان؛ لأن قيادته السياسية قد قامرت وخسرت».
في الواقع، لقد أظهرت الأحداث الأخيرة مدى هشاشة وضعف كردستان العراق –يرى الكاتب- ومدى خطأ ومبالغة رئيس الإقليم مسعود بارزاني في تقدير قوة الكرد السياسية والعسكرية.
وبما أن الولايات المتحدة لم تتدخل حتى الآن خارج نطاق النداءات العامة لضبط النفس من الجانبين، ناهيك عن دعم تركيا وإيران لبغداد، فمن المرجح أن يشتد الخناق حول كردستان في المستقبل القريب.
كما ينقل الكاتب عن إميل هوكيم، وهو زميل كبير في الأمن بالشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن، قوله: «يستكشف الكرد بالطريقة الصعبة حدود التعاطف الغربي والدولي معهم. وسيكون هذا الأمر مؤلمًا».
يشير تريفيموف إلى ما يتمتع به الكرد العراقيون من دعم غربي، وحماية عسكرية في الوقت الذي حاربوا فيه من أجل الحكم الذاتي ضد ديكتاتورية صدام حسين. إلا أن الحكومة منتخبة ديمقراطيًّا في بغداد هذه الأيام، في حين انتهت فترة ولاية السيد برزاني في عام 2015، وتتنازع القوى السياسية الكبرى داخل كردستان على شرعيته. كما اختلفت أحزاب المعارضة هذه مع خطط الاستفتاء.
كما نقل الصحافي عن زلماي خليل زاد، السفير الأمريكي السابق في العراق والأمم المتحدة، قوله إنه لا ينبغي أن يخلط إحباط السيد برزاني بين النهج الأمريكي وأزمة كردستان في المستقبل.
وأضاف خليل زاد: «لقد تحدى برزاني العراق، وتحدى المنطقة، وتحدى الولايات المتحدة، الذين نصحوه جميعهم بعدم إجراء الاستفتاء، ومنحوه خيار المفاوضات. ولكن من مصلحة الولايات المتحدة القومية احتواء ذلك والبدء في المفاوضات في أقرب وقت ممكن. وعلى الرغم من الغضب من الاستفتاء الذي حدث، ليست الحرب بين كردستان والعراق -مع النفوذ الإيراني في كردستان والعراق- في مصلحتنا، وليس في مصلحتنا عدم استقرار إقليم كردستان».
كانت إيران، بسكانها الكرد المضطربين، أكثر المعارضين لاستقلال كردستان. وقد لعب قائد قوة القدس اللواء قاسم سليماني، الذي يقيم علاقات وثيقة مع بغداد ومعارضي بارزاني الكرد، دورًا رئيسيًا في السيطرة على كركوك.
وقد دفع هذا التطور حركة السيد بارزاني إلى اعتماد لهجة معادية لإيران، جاعلًا الصراع في الشرق الأوسط الأوسط مشتعلًا بين خصوم وحلفاء طهران.
قبل الاستفتاء، كان إقليم كردستان في ذروة استقلاليته. وكانت القوات الكردية تسيطر على مناطق شاسعة، خاصة في منطقة كركوك الغنية بالنفط التي تمت السيطرة عليها بعد أن تخلت القوات العراقية عن تلك المناطق لصالح «داعش» في عام 2014.
استعملت مطارات أربيل وسليمانية في كردستان سياسات تأشيرات مستقلة عن بغداد –يشير الكاتب- وكانت تعج بالرحلات الدولية التي تنقل رجال الأعمال والعاملين في مجال الإغاثة. وفي أعقاب الحملة المشتركة لإخراج تنظيم «داعش» من الموصل، انتعشت أيضًا العلاقات بين كردستان وبغداد أكثر من أي وقت مضى.
يرى تريفيموف أن إصرار برزاني على إجراء استفتاء الاستقلال -على الرغم من معارضة بغداد والمنافسين المحليين والمجتمع الدولي بأسره تقريبًا (باستثناء ملحوظ من إسرائيل)- قد زود الحكومة الفدرالية العراقية بذريعة استعادة سلطتها واستعادة المناطق مثل كركوك، التي فقدتها عام 2014. ومع ذلك، إذا اشتد الصراع وكسبت بغداد، قد ينقلب الرأي العام الدولي –والدعم الأمريكي- ضد الكرد.
واختتم الصحافي تقريره بتحذير نقله عن فنر حداد، وهو متخصص في السياسة العراقية في الجامعة الوطنية بسنغافورة، من الخطر الذي يمكن أن يتبعه بارزاني الآن على وجه التحديد كاستراتيجية تصعيد. وأضاف أن هذا سيسمح للبارزاني «بالظهور بصفته المدافع الوحيد عن الكبرياء الكردي بدلًا من كونه العراب والمنتج لهذا الخطأ الوجودي».[1]