تحليل: د. علي ثابت صبري ..
تُعد علاقة الكُرد والأرمن أحد الأمثلة التاريخية المهمة عن إشكالية العلاقة بين شعوب المنطقة وحالة التعايش السلمى الآمن القائم على روابط اجتماعية واقتصادية إلى حالة التوتر والصراع المحموم، فقد عاش الكُرد والأرمن لقرون خلت وقبل ظهور القضية الأرمنية عام 1877 فى مدن وقرى مختلطة، أو منفصلة قريبة عن بعضها البعض من ضمن المناطق الواقعة تحت النفوذ العثمانى.
وعلى سبيل المثال ورد عن القنصل البريطانى فى أرضروم (جميس برانت) فى الأحاديث المتبادلة بينه وبين رئيس عشيرة حيدران الكردية (سلطان أغا)، عند تجواله فى المنطقة الكردية أواخر العقد الرابع من القرن التاسع عشر ما نصه : ( … قال لي سلطان أغا : إن عشيرته تسكن شتاءً فى القرى مع الأرمن ، غير أنهم يهيئون التبن والعلف لأغنامهم ومواشيهم . وإن زودهم القرويون الأرمن بذلك ،فإن ذلك كان مقابل مبلغ من المال متفق عليه بين الطرفين ” ، فيما أكد المحامي السوري فايز الغصين فى كتابه ” المذابح فى أرمينيا والصادر فى القاهرة عام 1917 – أول كتاب وثق ما حدث للأرمن خلال عمليات الإبادة الممنهجة من قبل الإدارة التركية – أن الأرمن والكُرد قد عاشوا جنباً إلى جنب بسلام وتعايش سلمى ، ولم تحدث أية احتكاكات بين الطرفين حتى عام 1888 م، وحسب النص ( .. لم يذكر التاريخ أن الأكراد مواطني الأرمن فى الولايات التى يسكنها الأمتنان قاموا على بعضهم وتقاتلوا أو أن الأكراد استحلوا أموال الأرمن وسبوا نساءهم إلى تاريخ 1888 . فإن الأكراد قاموا بأمر من الحكومة التركية وقتلوا أناساً من الأرمن … ولم نر إلى الآن (1896) أهل البلاد العثمانية أقدمت على قتل الأرمن بصورة عامة إذا لم تُجبرهم الحكومة وتُحضرهم على ذلك … وكانت الحكومة فى كل الأوقات تُثير الأكراد والأتراك المسلمين عليهم متخذة الدين الإسلامى واسطة للوصول لمآربها نظراً لجهل المسلمين أحكام دينهم الصحيح ) .
أضف أيضاً ، ما قاله يوسف الجهمانى فى كتابه (تركيا والأرمن) عن العلاقات الكردية الأرمنية : ” … فيما يتعلق بالعلاقات بين الأكراد والأرمن، نجد هناك عدة عوامل تقرب بينهما، بينما هناك عدة عوامل تُباعد بينهما، من ناحية أخرى، لعل اختلاف العقيدة الدينية كان أبرزها، لكن ليس بالمعنى التعصبي. فالدين هنا لم يصبح سبباً إلا بتدخل الأتراك وخلق التناقضات الدينية بين شعوب المنطقة تحقيقاً لمأرب استعمارية (فرق تسد) . ومن المؤكد أن هناك فوراق اجتماعية وحضارية بين الشعبين الأرمنى والكردي. مقابل ذلك كانت العلاقات اليومية تُزيد من أواصر التقارب بين الطرفين، وذلك بحكم الجيرة الطويلة المدى، يُضاف إليها تبادل المنافع والمبادلات التجارية وغيرها. ومن ناحية أخرى، يجب الأخذ بنظر الاعتبار العامل المشابه، وتعرض الشعبين للدرجة نفسها من الظلم والاضطهاد من قبل العنصر التركى، وحد بينهما وجعل المشاعر والأحاسيس تتصل وتتعاطف على ايقاع المظالم. ثم أصبح سواد الشعب الأرمنى يُعانى من ظلم الاقطاع الكردي ووطأته على نحو ما يُعانى منه الشعب الكردي. وكان اختلاف الدين، أى كون الأرمن (كفاراً)، يوفر للإقطاع مبررات تبدو أحياناً مقبولة عند بعض البسطاء من الناس”.
لذا، وجب التنويه للسادة القُراء بأن هناك فرق كبير بين أرمن روسيا (الأرمن الشرقيين) الذين كانوا تحت الحكم الروسي (رعايا روسيين)، وأرمن شرقى الأناضول (الأرمن الغربيين سكان الولايات الست رعايا عثمانيين)، وأرمن الأستانة، وكذلك العشائر الكردية فى شمال وشرق الأناضول، والكُرد العاملون فى أجهزة الدولة العثمانية مثل جهازي الشرطة والجيش و(الخيالة الحميدية)، والحركات الثورية الكردية . وذلك نظراً لتشابك المفاهيم واختلاطها والتعامل مع جموع الأرمن ككيان واحد، وكذلك جموع الكُرد على أنهم كيان واحد، وقد يكون هذا الالتباس مقصود لتوسيع الهوة بين قوميات تعايشت وتعاونت على مدار عقود طويلة .
الإبادة الأرمنية وتعزيز الصراع الديني بين شعوب المنطقة
تُعد الإبادة الأرمنية التى جرت بأيدى الحكومة التركية ( 1915- 1917م) ، هى الأبشع فى العصر الحديث ، نظراً لفادحة الخسائر البشرية الأرمنية بطرق أقل وصف لها بأنها ليست إنسانية بالمرة . وفى نظرة طائرة، نستعرض مراحل الإبادة الأرمنية فى شكل مقتضب .
ومما لاشك فيه، بأن القرن التاسع عشر هو قرن القوميات بامتياز( أرمنية ، كردية، عربية)، حيث بدأت ملامح الانهيار واضحة على الدولة العثمانية، وظهرت مشاريع إصلاحية لبقاء هذا الكيان، لكنها باءت بالفشل، ومنها مشروع الجامعة الإسلامية الذى أطلقته السلطان عبدالحميد الثانى (1876– 1909)، ورغم أن هذا المشروع وضع الدين الإسلامى ركيزة أساسية، ولكن لأهداف سياسية بحته، حيث عزز صدام إسلامي مسيحي مؤكد ظهر بعد إعلان المشروع وبقوة، وبذلك تنجح الدولة العثمانية فى كسر شوكة الأرمن المسيحيين شرق الأناضول الذين طالبوا بإصلاحات إدارية – بتأييد من القوى العظمى آنذاك – بأيادي الكرد والشركس والألبان المسلمين، وكذلك كسب تأييد المسلمين فى مناطق نفوذها، إضافة إلى تأييد الهنود للمشروع ، وبذلك يُصبح مسلمي الهند ورقة ضغط على الحكومة البريطانية فى الهند، حال إعلان الدولة الجهاد ضد الأعداء .
مما زاد الطين بلة، هو توطين مسلمي القوقاز الناجيين من المذابح البلغارية 1875م فى شرق الأناضول، جاء الناجيين محملين بذكريات سيئة جداً عما حدث لهم ، وبذلك يكون السلطان عبدالحميد الثانى نظرياً قد نجح فى إحداث تغيير ديموجرافي فى شرق الأناضول باستخدام المهاجرين المسلمين فى تعزيز العناصر الإسلامية خاصةً على امتداد الحدود الروسية العثمانية، أضف أيضاً، أنه على المستوى السياسي أسس (الخيالة الحميدية) فى صيف 1891م، وتكونت من عناصر غير تركية مثل الألبان والجراكسة والأكراد. وقد قامت هذه الفرق بدور الحرس الخاص للسلطان عبدالحميد فى الأستانة، وأُنيط بها مسئولية الحفاظ على النظام شرقى الأناضول . أى تحديداً مواجهة الأنشطة الثورية الأرمنية.
وفعلياً، فقد نجح السلطان عبدالحميد فى إضعاف الحركتين القوميتين(الأرمنية والكردية)، حيث أدت سياسته إلى خلق “هوة” من الريبة والعداوة بين المسلمين والمسيحيين فى شرقى الأناضول عندما ألب الكرد ضد الأرمن. إلى أن انتهى الأمر بالمذابح الحميدية (1894-1896) ضد الأرمن، بيد أن تلك المذابح قد نُفذت لقمع الثورة الأرمنية المطالبة بتطبيق الإصلاحات الواردة فى المادة (61) من معاهدة برلين 1878م.
أضف أيضاً، أنه فى عام 1891 ، قام تحسين باشا، حاكم بتليس، بجمع زعماء قبيلة جيلان الكردية، و بالنيابة عن السلطان عبد الحميد الثانى، دعا إلى الجهاد – أى حرب مقدسة ضد الأرمن – لكن حرب الجهاد لم تقع لا فى عام 1891 و لا فى عام 1892، و لا حتى فى عام 1893، وذلك لأن جانباً كبيراً من مشايخ الكُرد كانوا يُعارضون تلك الحرب، وامتنعوا عن الاشتراك، و صحيح أن بعض العشائر الكردية شنت هجمات ذات طابع محلى طمعاً فى الغنائم ، لكن الهجوم على الأرمن بصفتهم لم يتحقق، بل أكثر من هذا، اتحد الأرمن و الكُرد فى بعض قرى ساسون لصد هجمات الأتراك فى عامي 1891 و 1892.
ومع صعود حكومة الاتحاد والترقي لحكم الدولة العثمانية محملين بأفكار مرتكزة على الطورانية – شعب تركى نقى الدماء- متأثرين بالنظريات الألمانية والبريطانية فى التخلص من كل ما هو مغاير عن الجنس الألماني أو البريطانى. وعليه فقد وضعت الدولة العثمانية كل القوميات غير التركية صوب نيرانها حتى يتم التخلص من كل غير تركى على أراضي الأناضول .
إذ نجحت مساعي الحكومة التركية ( الاتحاد والترقي ) فى تنفيذ برنامج الإبادة الأرمنية فى الولايات الست شرقى الأناضول 1915-1917 على مرحلتين :
أولاً : قتل كل الرجال الأكفاء .
ثانياً : نفى بقية الأرمن. بيد أن النفي لم يكن سوى الفصل الثانى من برنامج الإبادة .
أضف أيضاً، أن السمة العامة للنصوص الصحفية الأوروبية ومنها : نيويورك تايمز ، الهاليفاكس هيرالد، الإندبندنت، التايمز، الديلي تليجراف، كان غالب عليها صياغة ” مذابح أرمينيا ” فى قالب ديني مؤداه : صراع الإسلام الدموي البربري ضد المسيحية السمحة الحضارية. وقد استخدمت فى نصوصها ” المسيحي ” بدلاً من الأرمنى ، والمسلم بدلاً من التركى والكردي والشركسي. وبذا، سلخت المذابح من سياقاتها الأيديولوجية والسياسية، وحشرتها حشراً وقسرياً فى السياق الديني المؤثر بفاعلية فى الوجدان العام للجماهير “المسيحية” سواء فى أوربا أو فى أمريكا. وعلى هذا النحو اختزلت الصحافة البريطانية والأمريكية والكندية ” المسألة الأرمنية ” للقاعدة العريضة من الجماهير “المسيحية” على أنها نتاج تعصب الإسلام ضد المسيحية، ولذلك أصبحت المشكلة فى الوجدان الأوروبي اضطهاد ديني وليست مشكلة سياسية.
وهكذا ارتكب الاتحاديون أول إبادة عرقية جماعية فى القرن العشرين باغتيالهم الأمة الأرمنية مع سبق الإصرار والترصد. وفى غرة يناير 1917 أنهت الحكومة العثمانية (القضية الأرمنية) رسمياً وأبطلت المادة “61” من معاهدة برلين 1878 مدعيةً بأنها عقيمة لا جدوى منها ؛ إذ لم يُعد ثمة وجود للأرمن فى الدولة العثمانية .
الدور الكردي فى إنقاذ الأرمن خلال برنامج الإبادة
اتفقت مصادر كثيرة ( كارو ساسونى، وعبدالرازق بدرخان، وكامل بدرخان، وشاخوفسكي، وضباط روس آخرين، على أن العشائر الكردية قامت بدور إنسانى قح تجاه الأرمن فى أثناء تنفيذ برنامج الإبادة من قبل الحكومة العثمانية (1915-1917)، ويذكر كارو ساسونى ( … وأنا شخصياً وفيما يتعلق بالمذابح الأرمنية إن كثير من رؤساء العشائر الكردية وضعوا الأرمن تحت حمايتهم، وألبسوهم ملابس كردية، وأخفوهم، وبسبب ذلك، تعرض هؤلاء الرؤساء الكرد فيما بعد إلى عقوبات من الحكومة العثمانية. )، ويقول حسين هشيار الذى عاصر تلك الأحداث المأسوية ( … إن الذين يدعون بأن الكُرد قد قاموا بقتل الأرمن، لماذا لا يقولون كيف نجوا هم من المذابح، علماً بأن معظم رجال الدين من الكُرد قد حرموا قتلهم، وخصوصاً الشيخ سعد بيران الذى أفتى بتحريم قتلهم، وقال : إن من يقتل أرمنياً كمن قتل مسلماً، وزاد على ذلك القيام بالتستر عليهم وإيوائهم شر الترك، وحرم كل عمل يُسئ إليهم.) ، فقد كان الكُرد يقومون بإنقاذ الأرمن رغم عمليات الملاحقة التركية، والأحكام التى كانت تصدر بحقهم، والتى وصلت فى بعض الأحيان إلى الحكم بالموت، فأفاد القس الأرمنى تيرافتيستيان إلى البطريك كيفورك الخامس يقول : إذا دافع أى واحد من الأكراد عن جاره الأرمنى فإن الحكومة كانت ترسل رجال الچندرمة؛ ليقتلوه بأيديهم.)
أضف أيضاً، بأن الثوري الأرمنى سوغومون تهليريان الذى قام باغتيال طلعت باشا فى برلين عام 1921، قد أنقذته أسرة كردية أثناء عمليات التهجير والمذابح فى عام 1915، وكان قد بقى عندهم أكثر من (20) يوماً بعد أن نجا من إحدى المذابح بأعجوبة، وقد قامت تلك الأسرة الكردية بالعناية به؛ ثم ألبسته الملابس الكردية، لكى لا يتعرف إليه أحد حتى وجد طريقه إلى القوقاز الروسية.
تأتى شهادة السيد/ عبدالإله خليل إبراهيم باشا، وهو من أحفاد إبراهيم باشا الملي، للسيدة الدكتورة نورا أريسيان فى مدينة رأس العين شمال سوريا فى عام 1999، وأفاد بأن هناك مثل كردى يقول عند الملية : مرة مذبحة المسيحية ومرة مذبحة الملية…. ففى فرمان 1915 استطاعت عائلة عبدالإله إنقاذ عدد قليل من الأرمن، وأتوا بالأطفال وربوهم وحافظوا على دينهم ولم يتزوجهم، أما أعمامي فساعدوا الأرمن وحملوا الآلاف منهم، وكان أبناء العم (من عائلة باشا نفسه) يشترون قوافل الأرمن بالنقود ويطلقون سراحهم، وهذه العوائل موجودة وتشهد على هذا، ففى المناطق التى كانت تحت سيطرتهم لم يحدث شيء …) .
وهناك أمثلة أخرى عديدة أوردها البروفسيور (ريتشارد هوفانسيان)، عن عمليات إنقاذ الكُرد والأتراك للأرمن في تلك المدة، ويُورد العديد من الأمثلة حول إنقاذ الكُرد للشعب الأرمنى، وفي بعض هذه الأمثلة دفع الأرمن بعض النقود للكرد لكي يأخذوهم إلى المناطق الآمنة، أما بعضها الآخر فكانت ذات دوافع إنسانية بحتة، ومن بين الأمثلة العديدة التي أوردها هوفانسيان نُورد فقط مقتطفاً لأحدها : (…. استمر هاروتيان في سرد قصته، فتحدث عن وجود عائلة كردية محترمة آوته، وعندما بدأت المذابح أخذته والدته إلى بيت في منطقة محلية للأغا الكُردي، وقد قامت بتقديم دعوى مع زوجته التي كان اسمها (قدرت خاتون)، لكي يسمح لهاروتيان أن يبقى هناك، وأن ينام في السرير وعلى أية حال فإن قدرت خاتون قالت إنها لا تحتاج إلى شيء من (أم هاروتيان الأرمنية)، وإن هذا النوع من النساء لا تأخذ شيئاً بالمقابل من الأرمن، فإن الأرمن الثلاثة هم من باغدسار وبنت صغيرة بقوا في بيتها، وعاملتهم (قدرت خاتون) معاملة جيدة جداً حتى إنني [يقول هاروتيان] لم أشعر بفراق والدتي، وقبل أن تغادر والدتي قالت لها قدرت خاتون ابنك هو ابني، وإذا رجعتم فإنه سوف يكون لكِ، وإذا لم ترجعوا سوف أعتنى به …) .
وهناك شهادة حية للموسيقار الشهير أرام ديكران (Aram Dikran) صاحب الأصول الأرمنية ، والذي يعطي الفكرة الآتية: وهي أنه من غير الممكن تصديق ما ورد في تلك المؤلفات التي اتهمت الكُرد، بالاعتماد على هذه المشاعر الإنسانية التي أوردها أرام عندما تحدث لمجلة أوزكور (Özgür)، وفيما يأتي مقتطف من حديثه: …. أنت بالأصل لست كردياً، ولكن المعروف هو أنك موسيقار كردي، والشعب يعرفك على هذا الوجه، لماذا تغني باللغة الكردية؟ هل تستطيع أن تشرح هذا؟
كان أبي دائماً يقول لنا – أبي من منطقة ساسون، وكانت والدتي سليفانلية – ، وقد هرب أفراد عائلتي من تركيا في عام 1923 وذهبوا إلى سوريا وفي عام 1966 عدنا إلى (أرمنستان) – أرمينيا- كان أبي يقول: (لا تحسبوا أنفسكم مختلفين عن الكُرد أبداً، ولا تبتعدوا عنهم، فإنهم ساعدونا كثيراً، وكنا جيران منذ أمد بعيد، ولا يوجد بيننا أي عداوة، حيث لم نر منهم سوى الخير) وبسبب الأعمال الجيدة والخيرة للكُرد كان أبي يكتب أشعاراً باللغة الكردية، حيث كان يريد دائماً أن يقدم لهم خدمة، وكما ذكرت فيما مر فإن أيامنا الحلوة والمرة قد قضيناها سوياً مع الكُرد، وقد تشاركنا معاً مصائبنا، ولهذا اختلطت حياتنا مع بعض، وعلى هذا الأساس يُعرف عني بأنني فنان كُردي، وقد وصلت إلى مرحلة ليس باستطاعتي السيطرة عليها، فإن لساني وأوتار عودي وألحاني، التي تبحث عن اللغة الكردية، بعد ذلك تجدها وتقوم بغنائها).
كما يجب أن لا يغرب عن البال بأنه كان للكُرد في درسيم النصيب الأكبر في إنقاذ الأرمن من تلك المحنة، وهناك من يقول: إن درسيم وحدها أنقذت حوالي (20000) أرمني ، وهناك من يرفع الرقم إلى (30000). وعندما يتحدث القنصل الأميركي في خربوط ليسلي عن دور درسيم في إنقاذ الأرمن يُصورها وكأنها كانت بمثابة غرفة عمليات إنقاذ الأرمن، يجمع الكُرد الأرمن فيها، وبعدها يقومون بتهريبهم من بقية المناطق ومن أرزنجان يُرسلون إلى القوقاز الروسية.
ربما أن سرد روايات الأرمن الذين تم إنقاذهم على يد الكُرد لا يكفى كتاب لجمعه، فهناك كثير من الروايات الأخرى، التي أوردتها المصادر التاريخية والمستندة إلى حقائق لا يُمكن إنكارها، وعند هذا الحد يُمكن العودة لبحثنا الأساسي، والتأكد هنا من الدور الكُردي في إنقاذ الأرمن وليس العكس، ومن الممكن القول بأن عمليات إنقاذ الكُرد للأرمن – وبناء على هذه المعطيات – هي: أكبر عملية إنقاذ شعب على يد شعب آخر العصر الحديث.
أخيراً وليس أخرا، فإن الإدارة العثمانية قد عززت سبل الفرقة والضغينة بين شعوب المنطقة التى كانت ضمن الفضاء العثمانى، والأسوأ أنها ارتكزت على ورقة الدين فى ذلك الأمر، مما جعل الصحف الأوروبية والمراسلين الأجانب والمبشرين توصف ما يحدث فى شرق وشمال الأناضول على أنها حرب دينية ضد المسيحيين، إلا أن الإنسانية تتجلى فى شعوب المنطقة، وكما وضحنا المواقف الإنسانية للكُرد خلال برنامج الإبادة العثمانية تجاه الشعب الأرمنى ، والتى تعود بطبيعتها للتعايش السلمى بين شعوب المنطقة من أقدم العصور.
المراجع
صالح زهر الدين : سياسة الحكومة العثمانية فى أرمينيا الغربية و مواقف القوى الدولية منها ، بيروت، دار الندوة الجديدة ، 1996 .
محمد رفعت الإمام : القضية الأرمنية في الدولة العثمانية 1878-1923، نوبار للطباعة ، القاهرة 2002.
محمد رفعت الإمام : الدعاية البريطانية ضد الدولة العثمانية 1917- 1918، بحث منشور، حوليات المؤرخ المصرى، جامعة القاهرة، 2012 .
هوكر طاهر توفيق : الكرد والمسألة الأرمنية 1877- 1920، دار الفارابي، بيروت ،2014.
على ثابت صبرى : بريطانيا وقضية الأرمن في الدولة العثمانية 1878- 1896، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الإسكندرية ، 2012.
فايز الغصين : المذابح في أرمينيا ، المقطم ، القاهرة ، 1917 .
يوسف إبراهيم الجهمانى : تركيا والأرمن ، دار حوران للطباعة ، دمشق ، 2001 .[1]