النهضة بحاجة الى العقلية التقدمية المنفتحة
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2560 - #17-02-2009# - 05:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
عندما نتصفح التاريخ و ما جرى فيه من جوانبه المشرقة ، و من كان وراء تطور و تقدم الحياة و ما فيها ، من ابطال حقيقيين الذين تحدوا الصعاب و العوائق في سبيل خدمة مجتمعاتهم ، يجب ان ننحني باجلال و اكبار لما كانوا عليه من العقلية التقدمية العلمية المنفتحة التي سبقوا ظروف و اوضاع مجتمعاتهم بالعقل و الزمن للوصول به الى ما يخدم الانسانية و مستقبلها . من منا لم يقدٌر انجيلو و دافنشي و جاكوب و دانتي و نوفو و هايبر و بوكاجيو على ما اقدموا عليه من التوجهات و العمل نحو التغيير و الاستنهاض في مجالات فكرهم و اختصاصاتهم .
و اختلفت العصور فيما بعد بشكل ملحوظ ، و هم من خدموا الانسانية و حياة الشعوب ، و انتقلت نتاجاتهم الفكرية و الثقافية بشكل واسع الى كافة بقاع العالم و اثرت عليها ، و يمكن ان نعتبر عصرهم مرحلة انتقالية فعالة الى الاحسن و نهضة بدون نظير ، و فترة سلخ سلبيات ما تجمعها الماضي و مشاكله ، و التحرر من الغيبيات التي كانت مسيطرة الى حد كبير على عقلية الاغلبية في عهودهم .
ما تمر هذه المنطقة اليوم ، تعتبر حالة غير ثابتة ، بعيدة عن التطور كصفة طبيعية للحياة ، و هي تعيش الان في ما يمكن ان نسميها الغيبوبة الطويلة الامد ، جراء الظروف و الحروب و الانفعالات و التخلف من كافة النواحي و ما خلفتها الاوضاع غير الطبيعية .
و هذا ما يتطلب اعادة الولادة لجميع امور الحياة و التقدم بها من الناحية الثقافية و الفلسفية و الادبية و الفنية و العلمية و الاقتصادية ، و قبل كل شيء الوضع السياسي و الاداري . و تمر بمراحل مما تحتاج الى الارضية الملائمة و المتطلبة للنهضة و موجباتها و الوقت اللازم لنجاحها ، و هي عملية متعددة الاوجه تحتاج لركائز و اعمدة اساسية لبقاء حيويتها و سبل تطورها ، و من البديهي ان لا تتم بصورة و شكل مفاجيء و انما تبدا بانطلاقة و من ثم تسير كعملية مستمرة للتقدم في المجالات الرئيسية للحياة ، و تصل العملية الى مرامها و اهدافها بدعم متواصل من نتاجات العلم و التطور، و ربما تحتاج لقرون من الزمن ، الا ان الاستمرارية في التفاعل بين المستجدات و الحيوية تقلل من طول الفترة ، و ما مر التاريخ بمراحل النهضة و عصورها ، يوضح لنا ان المراحل التي كانت لها نتاجاتها الملحوظة و المفيدة في موقع او بقعة معينة ، وثم نقلت المحصول و النتاج بمرور الزمن الى بقاع اخرى في العالم .
و يجب ان تكون هناك من المقومات الضرورية لنجاح النهضة و سبل انجاح الاستنهاض في المرحلة التاريخية ، و يمكن الاستفادة و الاعتماد على النصوص و النظريات العامة،و الاهم هو منع التضليل العام و الغيبية و الرجعية ، والعمل على الواقعية و التقدمية ،و الاستقلالية و التحرر و عدم فرض الطاعة العمياء .
لقد تاخرت منطقة الشرق الاوسط عن الركب و تخلفت عن القافلة ،و على الرغم من غنى الحضارات و تاريخها العريق ، الا ان منتوجاتها قد افادت الاخرين و اثقلت كاهلها بنفسها دون ان تستفيد منها اجيالها .
و اليوم عندما نتمعن فيما هو عليه هذه المنطقة المعقدة الظروف، نرى ما لم نتوقع ان تكون المنطقة و هو مهد لتلك الحضارات و العلوم ان تصل الى هذا المستوى ، و من بعض المجالات تنخفض الى الحضيض . و لو دققنا اكثر يجب ان نسلسل العوائق امام تلك العملية النهضوية في هذه المجتمعات وفي مقدمتها النظم السياسية و علاقتها بشعوبها وكيفية ادارة حكمها ، و فرض المتطلبات الفوقية و انعدام الحريات المطلوبة و الضرورية لعيش الافراد و المجتمع . انعدام الحريات و دكتاتورية الحكم تسد الطريق امام ابسط الحركات لتوفير سبل الاستنهاض باي بلد ، العقلية الدكتاتورية المنغلقة لا تدع شرائح الشعب ان تعيش بشكل طبيعي ، فكيف بها ان تفكر في النهوض و اعادة تنظيم الحياة من اجل التطور . ان الفكر الرجعي كيف يدع الثقافة و الادب و الفن ان يخطوا كما خطا العالم الاخر، الشمولية في الفكر و العقائد و العقلية كيف تسمح للاقتصاد و الفلسفة والعلوم ان يتبعوا مسارهم في التوجه نحو الامام . اذن الافة الكبرى هنا اليوم ، هو النظام السياسي العام للمنطقة بشكل عام ، و لكل بلد بشكل خاص ، و العلاقات السياسية المصلحية المتشابكة المعقدة الي تمنع التحرر و حرية القرار في اي مجال كان ،و هي التي اغلقت الابواب الموصدة .
و بهذا نتاكد بان الخطوة الاولى للعمل على ايجاد الحلول و توفير سبل الاستنهاض ، هوالعمل على ترسيخ العقلية التقدمية المنفتحة على جميع المهات ، و من ثم العمل الدؤوب و الاحتكام الى العقل العلمي الدقيق ، و الاخذ بتجارب الغير و الاعتبار منها كحكمة في العمل .
ان كنا نعتقد بان النهضة ضرورية لوضع المنطقة بشكل عام كما هو عليه الان من التخلف و التراجع ، لابد ان نعمل على توفير الارضية لحدوث تلك العملية خلال فترة غير معلومة ، و لكن هنا لابد ان لا نغفل دور المجتمع في تسهيل تلك الامور اضافة الى عمل و جهود النخبة في التاثير الجذري على سير العملية و انطلاقها و من ثم دعمها بشكل واضح ، اي ان كان العلماء و المنظرين و النخبة هم العوامل الحاسمة لنجاح العملية عبر التاريخ ، اليوم بعد تغيير في الوضع العام و ظهور دور الفرد و المجتمع بشكل كبير، لابد من اشتراك الشعب بشكل مباشر مع المختصين ، ومن اهم الصفات العامة التي يجب ان يتسم بها الشعب نفسه لنجاح تلك العملية هي ارتفاع المستوى الثقافي و الحيوية والفعالية و وعيه في الشؤون العامة لدفعها نحو الامام.[1]