هل تنجح امريكا في ابراز قوى معارضة في اقليم كوردستان كما تحاول؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2509 - #28-12-2008# - 07:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
منذ سقوط الدكتاتور و قبله ايضا، تتبع امريكا سياسة معلومة تجاه العراق ، وهو احتوائه كوحدة واحدة موالية لها تنفذ سياسات و ثقافات و اهداف استراتيجية امريكية يعيدة المدى ، تستعملها كنقطة ارتكاز في تطبيق اجنداتها و تكون له اهمية لا تقل عن دور اسرائيل لها في المنطقة من كافة الجوانب و اهمها اقتصادية و ثقافية وسياسية.
رغم اتباعها لسياسة التوافق بين القوى الرئيسية في العراق و دعمها للفدرالية بشكل قانوني و نظريا لحد اليوم الا انها لا تدع اية توجهات ان تسيطرو توجه العراق نحو انفصام بعد ان تسيطر على زمام الامور فيه، و هذا ما تثبته تكتيكاتها المتعددة و ممارساتها و سياساتها تجاه اقليم كوردستان بشكل خاص. و في اكثر الاحيان تتجه الى الضغط بكافة السبل على السلطة في الاقليم عند الاحساس بخروجها من الخط الاحمر الذي حددتها امريكا لها و بشكل علني ، و هذا ما اثر في الكثير من الاوقات على العلاقات بينهما و سببت في برود الحميمية التي كانت تربطهما. و عند احساسها بان نوايا و افعال السلطة لا تتلائم مع اهدافها اتجهت للضغوط المباشرة ، فان لم تفد بحثت عما يمكن ايجادها على ارض الواقع من يكون العامل الحاسم الهام في رضوخ سلطة الاقليم و تنفيذ متطلباتها بكل جدية و عدم الاهمال . و نبشت كثيرا بشكل مباشر و غير مباشر عن طريق السلطة المركزية العراقية او دول الجوار المتحالفة معها ايجاد قوى معارضة قوية قادرة على الوقوف امام السلطة الكوردستانية، الا انها لم تنجح لحد اليوم لاسباب عديدة ، و منها ظروف كوردستان الداخلية و المستوى الثقافي و الوعي لدى الشعب الكوردستاني و الظروف الموضوعية للمرحلة التي تمر بها كوردستان ، و كيفية سيطرة الحزبين على كافة جوانب الحياة السياسية الاقتصادية الثقافية الاجتماعية و تدخل الحزبين الرئيسين في تفصيلات شؤون حياة المواطنين ، و عدم وجود بديل حقيقي مقنع للجميع من القوى الداخلية الكوردستانية ، و سلبيات تعامل السلطة المركزية في بغداد مع اقليم كوردستان ، و استغلال الخلافات مع المركز من قبل الحزبين لاظهار مآسي الماضي و الحس القومي و تمسك الجماهير بهما ، و العاطفة المسيطرة على عقول الشعب الكوردستاني و المستوى الثقافي الذي لم يدع بروز معارضة داخلية كوردستانية في خضم تلك الصراعات و المواقف داخل الاقليم او مع بغداد.
منذ مدة ليست بقليلة نجد محاولات مقتضبة من قبل امريكا لايجاد معارضة داخلية كوردستانية متوائمة مع افكارها و اهدافها المعلومة للجميع و لم تنجح، الا انها لم تتياس في اصرارها و هي تبحث عن قوة بديلة وصمدت قوة الحزبين امام نوايا امريكا و فشلت تلك التوجهات.
من اهم الاسباب القاطعة لفشل امريكا في عملها ، انها لم تبحث عن معارضات حقيقية نابعة من صميم المجتمع الكوردستاني الذي يعاني الكثيرمن الامور و من سلبيات السلطة الكوردستانية التي تنعكس عليه مباشرة ، و هو حامل لافكار و كانها تريد ان تكون معلبة متوافقة مع اهدافها و مع ما تعمل من اجلها في المدى البعيد ، و هي لا تهمها اهداف و امنيات الشعب و الطبقة الكادحة بالذات التي تعاني اكثر من غيرها من انعدام المعارضة في الاقليم و لها اهدافها الخاصة و في مقدمتها توفير الخدمات العامة و انهاء البطالة و ضمان العدالة الاجتماعية و المساواة التي تقف امريكا في معتقداتها ضد تلك الاهداف بشكل مباشر او غير مباشر ، و لا يهمها مصالح هذه الطبقة بقدر اهتمامها بمن يبرز على الساحة و يعارض السلطة لتحقيق اهدافها هي و ليس امنيات الفقراء المعدمين ، و لا يهمها تقليل الهوة بين الغنى الفاحش و الفقر المدقع التي وسعتها السلطة الكوردستانية بشكل كبير في السنوات الاخيرة وبسبب تطبيق الاقتصاد الحر و الخصخصة التي تفرضها و تصر عليها امريكا و نظامها العالمي بالذات .
و نشاهد بين فينة و اخرى ارتفاع اصوات مجموعة و اكثريتها تكون خارجية المنبع و متصل باحدى دول التحالف بشكل ما لدعمها ، و منها ما تكون معارضة وفية و مخلصة لمباديء و تمنيات شعبها الا انها لا تجد بديلا ، و خاصة للدعم المالي الا من الخارج و من له اهدافه الخاصة في المسالة ، اما داخليا ليس هناك اي امل لانبثاق قوى معارضة قوية في الحال لعدم وجود قانون لتوفير المنحة للاحزاب و قوى معارضة و سيطرة الحزبين على الموارد المالية تماما ، و اكثرية هذه الاحزاب لا تهتم بما يعانيه الطبقات الكادحةو هي غير منبثقة من رحم الطبقة العاملة و الكادحة بشكل عام التي تعاني اكثر من غيرها و هي القادرة على الضغط ان كان لها راس قوي و عاقل و منتظم ، ومنها مجموعات اخرى لا تبحث الا عن اهداف شخصية لانها لم تجد موقعا او منصبا من الاحزاب الكبيرة المتنفذة و تريد ان ترفع صوتها لتشفي غليلها كما نسمع و نرى كل يوم هنا و هناك ، و ربما تلهث امريكا لايجادالمعارضة من اجل دعمها لاهداف خاصة و لم تنجح امريكا في هذا السبيل ايضا و لم تنجح اية مجموعة في اعمالها .
ان المعارضة الحقيقية الداخلية النابعة من صميم الشعب الكوردستاني و هي عاملة من اجل المصالح العليا و العامة لم تنبثق لحد اليوم و ربما تكون هناك جهود مضنية من اجل ولادتها الا ان عدم اكتمال نضجها له اسبابه الذاتية و اعتقد انها تعيش في هذه الفترة في مخاض عسير و ربما تحتاج لوقت ملائم لولادتها ، و تكون من صلب الوضع الداخلي .
اما الاحزاب الصغيرة التابعة سوى بارادتها ام اجبرتها الظروف الذاتية و الموضوعية على ذلك فانها تدور في فلك السلطة ، و لم ير الشعب منهم المواقف الحاسمة التي تمس جوهر معيشتهم و مصالحهم الا القليل ، و لم تخرج مواقفهم من اطار المصالح الذاتية الحزبية الضيقة و عقلية قياداتهم و لم تنبع من احساس معايشتهم للطبقات الكادحة و الفقيرة التي تعاني الكثير، و لم يظهر منهم ما يردع الحزبين الا ما يهمهم ، و لا يصمدون كثيرا امام الاغراءات و ملذات السلطة او ضغوطاتها و سيطرتها على شرايين حياتهم ، و من جانبها لم تثق امريكا بهذه الاحزاب مهما حاولوا التقرب منها لتيقنها بانهم لا يحملون ما يفيدها استراتيجيا او ما يضمون في تركيبتهم ما يمٌكن من ان يستلمون السلطة و يكونوا بدلاء للحزبين ، و هي تتردد شيئا ما و انها ربما تهتم في بعض الاوقات ببعض منهم سيما الاسلامية المعتدلة و لكنها ايضا تعتقد ان الارضية غير ملائمة و لم تنضج بعد لتحركها ، و هي تدور و تتحرك دون نتيجة ، و لذلك تلجأ الى الحزبين و مساؤهما و تجدهما افضل من المجهول لها .
واني على اعتقاد بان المعارضة التي تريدها امريكا و بهذه الاساليب و الاهداف من دون الالمام بمواقف الجماهير الكوردستانية و طبقاتها المحرومة لم تنبثق بشكل مكتمل و ان برزت لن تكون ممثلا للشعب ، بل منفذا لاوامرها و هذا ما يعلمه الجميع و تكون هذه المعارضة غير معلومة المصير ، و بالاحرى تكون معاديا للمصالح العامة الكوردستانية لكونها تضر بالسلطة الموجودة و لا تكون بديلا واقعيا و من غير المتوقع ان تسيطر و ان وصلت الى السلطة بشكل ما ، اي يحدث ما لا يحمد عقباه و يضر بالمصالح العليا للشعب ، و كل هذا يكون لمصلحة الحكومة المركزية في العراق حين تحدث الفوضى و تسهل السيطرة على الاقليم من دون اشكال يذكر .
و نتاكد بان المعارضة التي تبحث عنها امريكا لن تكون فعالة و لا تكون في مصلحة الاكثرية المغلوبة على امرها ، فالبديل لنوايا و افعال امريكا هو عمل و همة الداخل و النخبة المخلصة و تكون ثمرته انبثاق معارضة من رحم الشعب و لا يهمها سوى المصالح العامة للمجتمع الكوردستاني و امتها .
اذن السؤال الذي يتبادر الى الذهن ، ما العمل و ماذا يجب ان يكون شكل و جوهر و اطار و افكار و تركيبة المعارضة ، و هل يجب ان تكون في اطار حزب واحد او احزاب و تيارات منفردة او مجموعة من الاحزاب و التيارات تحت خيمة جبهة وطنية معارضة في الاقليم و حاملة لاستراتيجية عامة نابعة من متطلبات الشعب، و لهم اهداف و نقاط مشتركة ، و يجب عدم انفراد جهة او نخبة ما او اية قوة خارجية على قرارات الجبهة ويجب ان يكون عملها مؤسساتي ، و هنا يجب ان يدخل دور الجماهير و ما تعانيها الفقراء في ترتيب تلك الجبهة ، و الاهم ان تكون لها قيادات مضحية حاملة لافكار و تاريخ واضح و ملتف حولها الجميع .
و قبل العمل يجب التخطيط العلمي اللازم من النخبة ، و يُطلب العمل العفوي من الجماهير ، و عليه يوجد ما يؤمٌن وجود معارضة فعالة ان كانت المقومات لبروز المعارضة مستوفية لشروط انبثاقها ، وفي مقدمتها تامين الاليات و الوسائل المطلوبة من دون التدخل الخارجي الذي لا يمكن و جودها من دون مصالح و هي التي تصعب العملية و تحرٌف الطريق.
السؤال الاهم و الاخير هو ، ان كنا محتاجين الى معارضة فعالة مقوٌمة و بديلة و واقعية نابعة من رحم الامة و حاملة لاهدافها و مصالحها و مؤمٌنة و ضامنة لمستقبلها ، كيف تنبثق في ظل سيطرة الحزبين على تفاصيل حياة المجتمع ، و ان كانت الوسيلة سلمية ديموقراطية ؟ و يمكن القول بان الخطوة الاولى العملية هي قطع دابر سيطرة السلطة على تفاصيل الحياة للمواطنين و اخراج الافراد من سيطرة السلطات على مستلزماتهم الشخصية، و توعية الجماهير لما هو في مصلحتهم ، و هذا ما يحتاج الى جهد و صبر و عمل دؤوب من الداخل و لا يمكن لامريكا و ما تنويها و اهدافها ان تنجح في ابراز معارضة حقيقية على ارض اقليم كوردستان و تكون مخلصة لشعب كوردستان و اهدافه و امنياته.[1]