هل بامكان روسيا الجديدة قيادة التيار اليساري العالمي؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2501 - #20-12-2008# - 09:34
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
عندما نسمع التعليقات المتعددة حول كيفية انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، و اكثريتها تكون باشكال و مضامين و القاب و تحليلات تضليلية مغرضة نابعة من وراء الايديولوجيا الدافعة الرئيسية لسياسة الدول المتواجهة مع الفكر و العقلية المعتدلة للتيار اليساري العالمي .
بعد ان هلكت روسيا من ثقل تبعات يمكن ان نسميها المستعمرات التابعة لها و فرضت عليها اعادة النظر في تعاملها و انسحابها التدريجي و الاهتمام بنفسها و استغلت فعلتها هذه من قبل المتربصين و استغلت الثغرات و حدثت الفوضى العارمة في الوضع السياسي العام للمعسكر الشرقي في حينه و تراجعت روسيا بعد الهيجان الى الاهتمام بنفسها و اعادة تنظيم بيتها الداخلي، و لكن في هذه العملية ايضا اجبرت على اتباع طرق ملتوية مجبرة و مفروضة عليها نتيجة حاجتها و ضرورة استخدام تلك الوسائل لانقاذ نفسها من الازمات التي دفعت فيها و لحد اليوم تعاني منها على الرغم من تنازلاتها المتكررة و اتباعها لاقتصاد و السوق الحر و الليبرالية و الحرية في كافة الجوانب العقيدية و التعددية ،الا انها تتخبط ايضا في تحديد مسار تقدمها التي فاقت قليلا من غفوتها اخيرا و شدت حزم استقلاليتها و انعتاقها من التبعية الى الاخرين ، و لكن بحذر شديد .
استمرت اوضاع المستعمرات الروسية رغم تاثيراتها السلبية على اعتقادات روسيا الى جانب منافسات اخرى غربية ، و تبعية الازمات و العوائق التي فرضت نفسها و انغلقت على نفسها نتيجة فرض مجموعة من الوصايا سوى من قبل الامبريالية الغربية على مواليها او روسيا على تبعيتها بشكل صارم و كانت تابعة لما استندوا على الايديولوجيات المسيطرة في حينه و فرضت على روسيا التعامل مع الموالين او التابعين بشكل متساوي من حيث الصرفيات او المساعدات الاقتصادية والعسكرية ، و هذا ما فرض على روسيا التخلي عن الموالين للتخلص من الحمل الثقيل الذي كان على عاتقها و تتحررمن تبعاتها، و تمكنت من ذلك و كانت النتيجة هي التوجه نحو الانفكاك و حصل ما كان المتوقع و استغل من قبل المنتظرين و فسر على انه فشل الاشتراكية بجوهرها و فلسفتها بمعنى الكلمة ، و كان قرارا طوعيا روسيا لانبثاق روسيا جديدة من الاتحاد السوفيتي المنفك ، على الرغم من ادعاءات الكثيرين و تنظيراتهم من افرازات انفكاك الاتحاد السوفيتي و تفسيراتهم النابعة من التمنيات و الاعتقادات الذاتية .
بعد حرب القوقاز الاخيرة و ما اعتمدتها روسيا و افعالها تؤكد انها ليست مقتنعة بان تكون قطبا لوحدها و تجعل لها تابعين و موالين ايا كانت ايديولوجيتها ، و الدليل عدم اصرارها على عودة الحرب الباردة او بالاحرى عدم تمكنها بما تمتلك لفعل اكثر مما قامت بها ، و ما نتجت عن افعالها تشير الى انها قررت كحكومة روسية مركزية مسيطرة ان تبعد بنفسها عن الايديولوجية الشيوعية و التامل في وضعها كاتحاد سوفيتي، و كانت تنوي ما تفعل و اهتمت بنظامها الراسمالي و تنافس الغرب بنظامهم و لم تضحي بما اقدمت عليه ، و خاصة هي بحاجة الى الغرب لحد اليوم و لا تستطيع الانفلات من ضرورات الانصياع لما تفرضه الحاجة ، و هكذا يُقرا من انسحابها الفوري من جورجيا تحت ضغوط عدة امعنت التصرف و اخضعت لما طلب منها .
لحد اليوم لم تظهر اية بادرة على انها تقدم على مواجهة الغرب في اي مكان في العالم بل انها تسايس الظروف و هي تقف بعيدا الا اذا اجبرتها ظروفها الخاصة او ظهور شبح الاخطار على امنها القومي ، ومع ذلك تحاول ان تقوي من موقعها العالمي و اتجهت الى اصدقاء و حلفاء الامس و تحركت كثيرا نحو الغرب المناهض لامريكا كفنزويلا و كوبا ، و هذا ما يجعل الغرب ان يراعي شيئا ما و بشكل واضح ما هو العامل الحساس و ما يمس العمق الروسي ، و عندئذ عليها مراعاة روسيا و معاملتهم لها على انها قوة عظمى وعليهم عدم اغفالها في اية قضية كبرى ، لانها تحتاج الى ذلك و هي لا تضحي بموقعها و استقرارها و امانها في لحظة مفاجئة ان حاول احد ان يفرض عليها الوصايا ، و هي تفكر في تعاملها مع اية قوة اخرى منطلقا من قوتها و موقعها و عظمتها وتاريخها و ترد على اية عملية تضرب في عمق معنوياتها و عزة نفسها ، و لكنها لا تصر على قيادة قطب او تيار لمواجهة الاقطاب الاخرى و ان كانت هي في موقع يمكن ان يُنظر اليها كقطب.
و هذا ما يفسر لنا بان الراسمالية الروسية و ان كانت اليلاد ذو تاريخ مليء بالمفاجئات و حامل الافكار و ايديولوجيات الا انها الان عازمة على نظام ليبرالي راسمالي بمعنى الكلمة و تعتمد الدولة على الفكر والعقلية الراسمالية و بنكهة القطاع العام في الكثير من الجوانب و خاصة العسكرية ، و ان تراجعت اخيرا في كثير من القرارات و اعتمدت راسمالية الدولة و اتباع الاختلاط في برمجة الاقتصاد والامور العامة ، و لكنها لم تعر اهتماماتها ايديولجيا بما يؤول الى الاستناد على اي فكر او اجندة لتطبيقها مستقبلا ، و هذا يعني ان التيار اليساري العالمي لن تكون بقيادة روسيا قريبا و انما تعدد الاقطاب سيفرض نفسه واليسارية الواقعية ستفرض نفسها في العديد من الاماكن و لم تكن بقيادة جهة او قطب او قوة واحدة ، بل هي التي تكسح مساحات واسعة و تبدد خوف المترددين و ستتجمع القوى و تتبنى تيارا صحيحا علميا، و المنافسة و الصراع الحقيقي سيكون جوهريا على خدمة القاعدة الشعبية الواسعة ، و عند تصفية الحسابات لا يصح الا الصحيح ، و ليس شرطا ان يكون بامكان اية دولة او قوة لوحدها قيادة التيار الاصح، و انما الفكر الواقعي الملائم هو الذي يفرض نفسه و ياخذ من مساحات التيارات الاخرى سلميا و بمنافسات متعددة الجوانب و باساليب متنوعة و ملائمة للظروف البقعة التي تطبق فيها ، و يجب ان نذكر اخيرا ربما تتوجه روسيا في حال استقامتها الى اتخاذ الاجراءات اللازمة لخدمة اليسار والعدالة الاجتماعية و المساواة و حقوق الانسان و بطرق سلمية تقدمية ، ولكن اليسارية العالمية منقسمة و موزعة على اماكن عدة و هي تحتاج لمركز ثقل و قوة توحيد و توجيه سليم ، و هذا لا يعني احتياجها الى قيادة منفردة فارضة لنفسها و مخلصة لمصالحها بل يمكن التعدد القيادي ، و الجبهوي في العمل يمكن ان يفرض نفسه على عمل اليسار العالمي.[1]