*د.محمد نور الدين
تكاد محاولات تقارب السلطة التركية مع المكوّن الكردي في البلاد، تشبه محاولات المصالحة مع سوريا، في السنوات الأخيرة.
وكلتا المحاولتَين، لم تبلغا مرادهما بعد، مع فارق أن الخلاف بين دمشق وأنقرة عمره من عمر «الربيع العربي» فقط، فيما الخلاف بين السلطة التركية والكتلة الكردية، عمره أكثر من مئة عام.
وكانت مبادرة زعيم «حزب الحركة القومية»، دولت باهتشلي، قد فتحت الباب أمام عودة النقاش حول كيفية حلّ المسألة الكردية في تركيا، وذلك بعدما دعا باهتشلي، زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجلان، المعتقل في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة منذ عام 1999، إلى أن يأتي إلى البرلمان التركي ويلقي تحت قبّته كلمة في اجتماع لكتلة نواب «حزب المساواة الديموقراطية للشعوب» الكردي، يعلن فيها تخلّي حزبه عن الإرهاب والسلاح معاً. وإذ بدت المبادرة مفاجئة، نظراً إلى أنها جاءت من زعيم يُعتبر رمزاً للعداء للكرد في تركيا، فإن الكلمة الفصل في هذه المسألة تظلّ لرئيس الجمهورية، زعيم «حزب العدالة والتنمية»، رجب طيب إردوغان.
وبعدما لاذ بالصمت على مدى أسبوعين، كانت لإردوغان، الأربعاء الماضي، كلمة أمام نواب حزبه، تحدّث فيها بلهجة قوية عن أنه يريد المصالحة مع الكرد، الذين وصفهم ب«إخواني». وممّا قاله الرئيس، إن «هذه الجمهورية ليست لشخص محدّد، ولا لزمرة محدّدة أو مذهب محدّد ولا لإثنية محدّدة.
إن هذه الجمهورية هي للعلوي والسني، وبقدْر ما هي للتركي هي للكردي. هذه الجمهورية هي لكلّ الذين يعيشون على أراضيها».
وأضاف أن «المشكلات التي عرفناها منذ مئة عام ليست الجمهورية مصدرها، بل ذهنية إلغاء الآخر». كذلك، تطرّق إردوغان إلى قضيّة «حزب العمال الكردستاني»، مشيراً إلى أنه يريد أن تلغى من أجندة الجمهورية، قائلاً: «أريد بذلك أن أتوّج 40 عاماً من خدمتي للأمة». وعن مبادرة باهتشلي، أردف أن هذا الأخير، «إنسان نيّته طيبة، وهدفه حبّه للأمّة والوطن»، وأنه يدعمه في مبادرته.
ومن جهته، لم يغلق «حزب المساواة والديموقراطية» الباب على مبادرة باهتشلي، أو كلمة إردوغان، ولكنه دعا هذا الأخير إلى تحمّل مسؤوليته بنفسه، وألّا يتلطّى خلف حليفه.
وفي الوقت نفسه، بدا الحزب الكردي حذراً جداً إزاء المبادرة، قائلاً إن «المخاطَب في هذه المرحلة، هو عبد الله أوجالان الذي يجب أولاً أن يطلَق سراحه، ثم تتم مناقشة الحلّ».
وترى أوساط الحزب الكردي، وفق ما جاء على لسان مسؤوليه وجريدة «يني أوزغور بوليتيكا»، أن كلمة إردوغان «إيجابية، ولكنها عامّة. فعبارات المساواة والأخوّة عمرها من عمر الجمهورية، والكرد يريدون التزامات وإجراءات عملية لا نظرية».
كذلك، فإن إردوغان يحاول، عبثاً، الفصل بين كرد تركيا و«حزب العمال الكردستاني»، مع دعوته في كلمته إلى استئصال «إرهاب» الحزب في سوريا.
وهو قال: «اللغة التي يفهمها هؤلاء هي المعركة ضدّ الإرهاب من دون تعويض. سوف نجتثّهم من جذورهم»، بل إنه حين تحدّث عن موقف «المساواة والديموقراطية» أيضاً، تغيّرت لهجته، قائلاً: «يمارسون الإرهاب في منبر، والسياسة في منبر. هذا غير ممكن».
أيضاً، فإن الممارسات العملية للسلطة، تتناقض مع الرغبة في حلّ المشكلة الكردية؛ ومن ذلك، اعتقال رئيس بلدية إيسين يورت في إسطنبول، أحمد أوزير، يوم الأربعاء الماضي، بتهمة أنه عضو في منظمة «الكردستاني»، والتقى بعدد من زعمائها، في السنوات الماضية، في جبال قنديل، وأنه كان «صلة وصل بين أوجالان وقادة قنديل، وحمل لهم أفكاراً حول مشروع الحكم الذاتي الديموقراطي في تركيا».
وأثار الخبر اهتماماً شديداً، إذ إن أوزير ينتمي إلى «حزب الشعب الجمهوري»، لكن التهمة تتّصل بالكرد و«حزب العمال» تحديداً، وبانتماء رئيس البلدية، ذي الأصل الكردي، إليه. فإذا كانت التهمة ثابتة، فإن الأسئلة كثيرة: أولاً، لماذا لم يُعتقل أوزير فور لقائه أعضاء «الكردستاني»؟ ولماذا سمح له بالترشّح للانتخابات البلدية الأخيرة، وفي بلدية مهمّة في إسطنبول؟ وأين هي إشارات الانفتاح الجديد على المشكلة الكردية؟
وما يلفت كذلك أن الاعتقالات كانت تطال رؤساء بلديات كرد في جنوب شرق البلاد، لكنها انتقلت الآن من المناطق الكردية إلى إسطنبول نفسها، لتطال مسؤولين لا ينتمون أصلاً إلى الحزب الكردي، وهو ما يؤشر إلى أن مسار الانفتاح ليس جدّياً.
ووفقاً لصحيفة «حرييت»، فإن «أوزير له كتابان يدعو فيهما إلى منح الكرد الحقوق نفسها التي يتمتع بها الأتراك»، وعلى رأسها «الحقّ في التعلّم بلغتهم، وتغيير سياسة إدارة المحافظات».
وتلفت الصحيفة إلى أن أوزير كان «نتاج تحالف بين حزب الشعب الجمهوري، والحزب الكردي، لكنه حزبياً محسوب على الجمهوري.
ورغم أن البعض اعتبر اعتقاله بمنزلة مقدمة لإحالة رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، لاحقاً، إلى القضاء، فإن كون أوزير كرديّاً يمنح اعتقاله بعداً سلبياً يتعارض مع مسار الانفتاح على المسألة الكردية».
وأثار اعتقال أوزير انتقاد زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، الذي قال إن الإجراء يُعدّ «مقدمة لاتخاذ إجراء مشابه ضدّ إمام أوغلو»، متحدّياً إردوغان بالذهاب إلى انتخابات مبكرة.
يُذكر أنه تم تعيين قائمقام باي أوغلو، جان آقصوي، رئيساً لبلدية إيسين يورت، بعدما عُين ل12 ساعة فقط نائباً لمحافظ المدينة، كي يكون التعيين قانونياً.[1]