ب. د. #فرست مرعي#
محرر وكاتب واستاذ الجامعی.
ترجع أهمية المصادر السريانية (= المسيحية) واليهودية إلى أنها تؤرخ لفترة مهمة في تاريخ الشعب الكوردي، والحقيقة أن المصادر السريانية هي مصادرآرامية، على اعتبار أن اللغة السريانية المدونة فيها المصادر آنفة الذكر هي إحدى اللهجات الآرامية.
والآراميون أمة قديمة من الأمم السامية التي هاجرت من الجزيرة العربية، وقد ورد ذكرهم في عهد الملك الأكدي نرام سين (2260-2223 ق.م)، وإن كان هناك باحثون آخرون يرون بأن هجراتهم التاريخية من الجزيرة العربية لا تتعدى الفترة المحصورة بين القرنين الرابع عشر والثاني عشر قبل الميلاد، وقد تفرعت اللغة الآرامية في القرنين الأول والثاني الميلاديين إلى فرعين رئيسيين احتوى كل منهما على عدة لهجات:
اولاً: الآرامية الشرقية: وتضم اللهجات الحضرية (مدينة الحضرالمشهورة) والآرامية البابلية والآرامية الرهوية (سريانية مدينة الرها) واللهجات الصابئية (المندائية– لهجة صابئة جنوب العراق)، واللهجات الآثورية (الآشورية – لهجة سكان شمال العراق وشمال غرب إيران– كوردستان الشرقية، ومنطقة هكاري في كوردستان الشمالية.
ثانياً: الآرامية الغربية: وتضم اللهجات الآرامية النبطية التدمرية (مدينة تدمر الشهيرة) والآرامية الفلسطينية والسورية وغيرها.
وقد تمكن الآراميون في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد من إقامة عدة دويلات وإمارات في مناطق الفرات الأعلى والأوسط، منها: دولة آرام نهرايمالتي ورد اسمها بهيئة آرام ما بين النهرين، ودويلة فدان (آرام) التي كانمركزها مدينة حران، كما اشتهرت في التوراة بكونها موطن إبراهيم الخليل(عليه السلام) وأفراد أسرته خلال هجرتهم من أور الكلدانيين في جنوب العراق في طريقهم إلى بلاد الكنعانيين (فلسطين)، حسب رواية الكتاب المقدس.
وللآراميين تأثير واسع وكبير في تاريخ الشرق الأدنى القديم على الأصعدة السكانية والحضارية واللغوية، حتى أن الآرامية أصبحت لغة المراسلات الدولية، فضلاً أن أغلبية سكان الهلال الخصيب غدو يتكلمون بها، ناهيك أنها لغة السيد المسيح عليه السلام وأتباعه.
وفي نهاية القرن الثاني الميلادي دخلت المسيحية بلاد الآراميين في الرها(= أورفة الحالية في كوردستان الشمالية) مما حدا بمعتنقيها إلى أن ينفروا من التسمية القديمة الآرامية التي هي مرادفة للوثنية عند اليهود المسيحيين، والاستعاضة عنها بكلمة السريان بدلاً من آرامي، والسريانية بدلاً من الآرامية، تلك التسمية التي أطلقها عليهم اليونانيين الذين كانوا قد احتلوا بلادهم سنة 312 ق.م في عهد الملك سلوقس الأول (311-281 ق.م) الذين جعلوا اسم الآراميين مرادفاً لسكان المدن الوثنية مثل حران.
وتجدر الاشارة الى أن الكثرة من مدونات التاريخ الكوردي الحديث والمعاصرجاءت في المدونات المسيحية واليهودية، من خلال سجلات العماذ في الكنيسة ( = سجلات الولادات) والوفيات، ونسخ المخطوطات الكنسية من خلال كتابة الهوامش والحواشي المتنوعة عليها، بالاضافة الى أن الرحالة اليهود والاوربيين دونوا الكثير من الملاحظات عن تاريخ كوردستان عامة وتاريخ منطقة بهدينان خاصة.
وفيما بعد ظهر مؤرخون يهود من أصول كوردية دونوا تاريخ اليهود الكورد من خلال سجلات الرحالة اليهود، ومن اللقاءات الميدانية مع بعض الحاخامات اليهود وبعض اليهود من كبار السن الذين عاشوا في كوردستان أكثرية أعمارهم، ثم هاجروا الى فلسطين في حقب مختلفة من القرن العشرين، وبلغت الذرروة في سنوات 1949-1951م، بعد اسقاط الحكومة العراقية الجنسية عنهم، لذلك قضوا بقية أعمارهم في إسرائيل؛ لذا فإن معلوماتهم على قدر كبير من الاهمية، ويمكن مقارنتها بغيرها من المصادر للوصول الى الحقيقة التاريخية نوعا ما، مع ملاحظة أن العديد من الروايات لا يمكن التكهن بصحتها حيث يبدو التعصب الديني والعرقي (= الاثني) والمبالغة واضحةً في ثنايا مقابلاتهم، ولم يكلف الباحثين اليهود الكثير من العناية في تدقيقها أو على أقل تقدير مقارنتها بغيرها من المصادر.
وفيما يلي أبرز هذه الحوليات:
1- في كانون الثاني سنة 1555م، قام باشا العمادية بالقاء القبض على البطريرك الكلداني(هرمز سولاقا) وسجنه، وكان الاخير قد غير مذهبه النسطوري الى الكلداني الكاثوليكي، لذا سلمه البابا (جوليانس الثالث) درع البطريركية في 28-04- 1553م في مدينة روما، وعاد أول البطاركة الكلدان الى الشرق، وبوشاية خصمه (شمعون الثامن دنخا- 1551-1558م) بطريرك القوش النسطوري، الذي اتهمه بالعمالة ، قام باشا العمادية (= أمير بهدينان) بعد ذلك بالتخلص من (سولاقا) عبر إغراقه في إحدى البحيرات الواقعة جنوب شرق مدينة العمادية، بالقرب من دير مار ساوه (= قرية ديرش- منطقة برى كاره) في سنة 1555م.
2- ورد ذكر كنيسة في دهوك تحمل أسم (ماركوركيس)، وذلك في ذيل مخطوطة تعود الى الإنجيل المقدس مكتوب كزيرتا (جزيرة ابن عمر - جزيرة بوتان) بيد القس أوراها برفقة (كوريه) بن شليمون باعطائها لكنيسة مار كيوركيس الموجودة في قرية (ديوَك – دهوك)، أما الاسم باللغة الكلدانية فهو (إتوُك). ينظر: جان موريس فييه، آشور المسيحية ، ج2، ص710-711؛ والكنيسة المذكورة كانت تقع مقابل الجامع الكبير في دهوك من الجهة الشرقية، وليست محل الجامع كما تذكر المصادر السريانية .
3- في سنة 1607م ورد ذكر كنيسة (مار إيثالاها) الواقعة في مدينة دهوك مقابل جامعة دهوك في التقرير المقدم الى البابا (بولص الخامس 1605-1621م)، أورده الانبا شموئيل جميل التلكيفي في اطروحته المقدمة الى الجامعة الاوربانية في روما.
4- في سنة 1607م ورد ذكر دير باسم دير حنانينا الواقعة في قرية بروشكى الكاتولية التابعة لعشيرة الدوسكي التي تقع الان ضمن مركز مدينة دهوك، وقد عمل هذا الدير بنشاط الى القرن السابع عشر الميلادي جاء ذلك ضمن مقالة نشرها(ديجورج) في مجلة البعثات التبشيرية الدومنيكية عام1929م.
5- في سنة 1635م ورد ذكر كنيسة في دهوك تحمل أسم (مريم العذراء )، كانت تقع في موضع كنيسة الإنتقال الحالية، يعتقد انها كانت خاصة بالسريان، وأن مطران دير مار متى (ملقي) زار الكنيسة وقام بتعيين الاكليروس الخاص بخدمتها. .
6- في 27/12/ 1676م ورد في رسالة المطران عمانوئيل بالييه Ball yet أنه يوجد في دهوك ثلاثون عائلة كاثوليكية مع كنيستهم وكاهن( = قس) خاص بهم، دون الاشارة الى وجود كنيسة ثانية خاصة بالنساطرة .
7- في سنة 1712م وأثناء الصراع الحاصل بين الاخوين المتخاصمين عثمان باشا والي العمادية و(زابد) حاكم زاخو حل الدمار بالعديد من البلدات والقرى المسيحية في المنطقة، منها: منكيش(= مانكيش) وآرادن، وديركينيه(= ديركن التابعة لناحية ديره لوك)، وسميل، ودهوك، وشيوز(= شيزى)، بالاضافة الى الخراب الشامل بقرى وادي صبنا،- سبنه وبناء على ذلك غادر المسيحيون قصبة سميل نهائياً في تلك الحقبة.
8- في سنة1191ﮪ/1777م تمردت قبيلة التيارية (= الآثوريون – الآشوريون) على أمير العمادية (=بهدينان)، فقاتلهم اسماعيل باشا وقتل منهم سبعين رجلاً، ونهب ثلاثمائة وخمسين بغلاً.
9- في صيف سنة 1879م استدعي الاب جاك ريتوري مسؤول الارسالية الدومنيكانية في قرية مار ياقو(= قَشَفر) الواقعة شمال غرب مدينة دهوك الى الموصل، وانتدب ليحل محل رئيس الرسالة الاب (بيير غونزاليز دوفال)، ثم عين ريتوري قاصداً رسولياً في بيروت منذ ذلك التاريخ حتى وافته المنية في الاول من شهر آب سنة 1904م عن عمر يناهز الحادية والسبعين، وكان ريتوري قد أبلى بلاءً حسناً في اسعاف المحتاجين الجياع والمرضى في منطقة دهوك في سنة الليرة (= الوباء والمجاعة) عام1879م، حيث ترك ذكرى طيبة في قلوب الجميع، ورفع من شأن الارسالية، وتجدر الاشارة الى أن ثلاثة من المرسلين الدومنيكان قد ماتوا في دير قرية مار ياقو نتيجة تفشي مرض التيفوئيد اعتباراً من شهر نيسان عام 1789م، وكان الاب ريتوري هو الناجي الوحيد من بين المرسلين الدومنيكان.
10- في 16- 11-1883م كتب البطريرك إيليا الثاني عشر(= عبو اليونان ) رسالة الى الشماس يوسف دلال حول نية ( طاهر آغا ) الأستيلاء على كنيسة قديمة مقابل جامع دهوك الكبير، ومما جاء في الرسالة أن غبطته طلب من الشماس (يوسف دلال) أن يجاهد للحصول على حقوق الكنيسة وعدم التفريط بشبر منها.
11- في سنة 1885م وجد الاب جاك ريتوري مسؤول الارسالية الدومنيكانية في قرية مار ياقو أن قرية معلثايا(= مالطا) كانت ” مدمرة لم يبق فيها قائماً سوى مبنى كنيستها التي تستخدم كملجأ لحماية قطعان الاغنام العائدة للعرب“. جان موريس فييه، آشور المسيحية، ج2، ص708.
12- في سنة 1885م زار الرحالة الفرنسي ( بنديه ) دهوك في طريقه الى الموصل قادما من العمادية، وذكر في مذكراته بأن عدد بيوت دهوك حوالي ( 60 ) بيتا فقط، بالاضافة الى مقهى تركي (= محل سينما نوروز الحالي ) يقع قبالة قلعة السراي (= دائرة البريد القديمة ).[1]