اية ديموقراطية تحل الازمات في العراق؟
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2443 - #23-10-2008# - 08:20
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قبل الاجابة على هذا السؤال الاساسي لابد من ايضاح ما نقصدها من ماهية الديموقراطية الموسومة هنا،و مضمونها و ملائمتها مع الواقع الموجود و ليس استيرادها قالبا متكاملا، كما كانت و وصلت اليها اوربا و امريكا خلال 200 عام و اكثر من التغييرات التدريجية و الاضافات و التعديلات و التطويرات في مسار مفهوم و تطبيق الديموقراطية.
لا نريد التفصيل الممل، ان المجتمع العراقي بمكوناته الاساسية (لا اقصد القوميات والطوائف و الاديان) من عامة الشعب و النخب (المثقفين ،الموظفين ، المعلمين، السياسيين ، الصحفيين، الشعراء ، الادباء ، الكتاب، النقابيين....الخ)و الحاكمين كجزء منفصل بحد ذاتهم، لكل منهم دورهم الخاص في ترسيخ العملية الديموقراطية ، و حتما هناك اتجاهات فكرية مختلفة تعطي اهمية خاصة بهذه المكونات او تعتمد على جميعها او جزء منها. الاتجاه الديني المسيطر يحاول الاعتماد على اكثرية المكونات لكونه معتبرا نفسه مهتما بجميعهم ومن خلالهم يمكن خدمتهم ،الاتجاه القومي يميل الى القومية ولو اعلن اهتمامه بالوطنية او القطرية ، الاتجاه اليساري اهميته الكبرى هو اهتمامه بالطبقة الكادحة و الفقيرة قبل اي اخر و يهتم بالمكونات المنبثقة من عموم الشعب و التي هي في خدمة جميع فئات الشعب.
و من الطبيعي ان تكون للاتجاهات الفكرية نظرات مختلفة الى الديموقراطية المرادة تطبيقها في العراق الجديد حسب المساحة الفكرية التي تؤمن بها، فالاتجاه الديني المعتدل يرى في الديموقراطية شرطا بحيث تكون خاضعة للاطار الفقهي الديني و الا تخرج من الاساسيات ان اريدت لنهضة المجتمع، و يشترط الاحساس و الادراك بالفروق و ابعادها للديموقراطية الغربية و عما يريده هو و يريدها نقية كما يدعي من دون شوائب مستوردة من منبع اصدارها ، و هو يريد سيادة مصدر السلطات و الاهتمام بالشورى قبل الديموقراطية و يعتبر الشورى هي التي تكفل الاشتراك الدائم للفرد في شان العام بينما الديموقراطية هي المساهمة مرة واحدة في عملية الانتخابات فقط.
يتبين من طروحات الاتجاه الديني غموض و عدم الوضوح في طرحه للديموقراطية على كافة المستويات من حيث السلطة و الممارسة و فهمها ، ناهيك عن الاتجاه الديني المتشدد الذي يرفض الديموقراطية جملة و تفصيلا ، و هذا ليس موضوع بحثنا هنا.
اما الاتجاه القومي له ارائه المتواضعة في هذا الاتجاه و هو يتقبلها و يحصرها في مصلحة المكون القومي السائد في اكثر الاحيان، و يستغلها للوصول الى السلطة و لا يقبلها كممارسة حقيقية جادة و يتغنى بها لغايات و اغراض ، قد تودي بها في النهاية و تنتج عن طريقها سلطة شمولية ، و لايهمه مفهوم الديموقراطية و ملائمتها لانه الفكر المنحاز لقومية ما يؤدي الى احتكار السلطة لصالح تلك القومية و لا يريد التسليم بالعمل من اجل عامة الشعب و يبعد عن نفسه فكر تداول السلطة و الحرية في التغيير و الاصلاح و انما كل همه هو ادارة مصالح رعيته مهما بلغ الامر من عدم التساوي و انعدام العدالة الاجتماعية ، و هناك طبعا مستويات من الاتجاهات القومية المتشددة و المعتدلة، و هنا ايضا لا يمكن ضمان تطبيق الديموقراطية الخاصة بالبلد روحا و جوهرا و انما يتخذ مظهرا و ادعائا سياسيا فقط، و لا يعول عليه في ترسيخ الديموقراطية.
اما الاتجاه اليساري المعتدل، فيكمن كل تفكير هذا الاتجاه حول الضعفاء الذين كانوا مجرد وقود للثورات ، والديموقراطية التي جاءت عند انبثاقها لتقنين حقوق الجيل الذي حكم العالم الجديد،و ما يريده الاتجاه اليساري ضمان حقوق عامة الشعب بتطبيق الديموقراطية و ممارستها دون استغلالها من قبل السلطة الحاكمة، و الهدف اليساري العام في تطبيقها هو ضمان العدالة الاجتماعية و المساواة و ضرورة تداول السلطة لا احتكارها من قبل فئة و مجموعة التي تاخذ الديموقراطية و سيلة لبقاءها و شموليتها للحكم.
و الاهم في الفكر اليساري و نظرته للديموقراطية في المفهوم و التطبيق هو استخدامها كجوهر ملائم للمنطقة او البلد او المجتمع و تاريخه، اي تكيُفها حسب مميزات و خصائص المجتمع المراد تطبيق المفهوم فيه و ليس نقلها واستيرادها معلبة. و ان تكلمنا عن الليبرالية فانها حديثة العهد في العراق بشكلها الغربي الحالي ، و لم تطفو الى السطح بشكل مميز و انما تنوعها واضح بحيث منها ليبرالية قومية او ليبرالية يسارية او ليبرالية دينية و قلة قليلة هي ليبرالية ديموقراطية علمانية.
الديموقراطية المنشودة في العراق تحتاج بشكل اساسي الى مستوى ثقافي عام و ترسيخها يتطلب وقتا طويلا بحيث يبدا بتفهم و توفير الارضية المناسبة ، اي توفير الثقافة العامة و من ثم الممارسة و التطبيق و الازدهار ، فهذا غير متوفر في العراق اليوم ، لذا بدات الديموقراطية تُطبق قافزة على مراحل عدة مطلوبة كانت واجبة التوفير لضمان نجاحها و من اهمها اعتماد المؤسساتية في الحكم.
كما نعلم ان الديموقراطية بدات في اوربا في ضمان توفير السلطة الجماعية و عدم التفرد في السلطة و من ثم تطورت الى مبدا اساسي و هو تحديد وتشخيص عملية اختيار الصالح و الافضل و تطلب ذلك و ضع قانون للانتخابات و صوت عليه و من ثم اعتمد من قبل الشعب ، و بعد ذلك جاء التاكيد على عدم هيمنة طبقة على اخرى و لم ينجحوا لحد كبير ، بل الاغنياء هم الذين سيطروا على اصوات العمال لفترة طويلة جدا، و انما فسحوا المجال على حرية طرح الافكار و البرامج الجديدة ، و هكذا تطورت العملية الديموقراطية الى ان وصلت الى عدم احتكار و سائل الاعلام و تطورت المفاهيم من قبل التنظيمات و المؤسسات السياسية، ومن ثم وُضعت انظمة و قوانين لتحديد اصحاب الحق و عدم التدخل الخارجي ، و منع الرشوة و القوة و الترهيب لبقاء نزاهة الانتخابات الى ان وصلت الحال الى ما هي عليه الديموقراطية في الغرب الان ، خلال اكثر من مئتي عام.
و ان قارننا ما هو عليه العراق خلال خمس سنوات فقط، فهل يمكن بهذه التركيبة السكانية و المستوى الثقافي والاقتصادي و الاجتماعي القفز الطويل على هذه السنين التي مرت بها امريكا و اوربا ، ام نحتاج الى تحليل وضعنا بشكل واقعي و البدء بالديموقراطية الخاصة بمجتمعنا من حيث البنى التحتية و الفوقية و ما يمكن البدء فيه، و اخرى من السهل القفز عليه، اي الخطوة الاولى هي اجراء العملية ولو اننا قطعنا شوطا جيدا على الرغم من المعوقات ، و الطريقة المثلى هي التي تتفق عليها الاتجاهات المتعددة التي ذكرناها سابقا، و ايجاد الطريقة يبدا و كما بدا حقا بالتوافق و من ثم تدريجيا التحول نحو حكم الاكثرية و احترام راي الاقلية، و يجب ان يوضع في الاعتبار الخصائص الاجتماعية وضمان الحرية . اي نحن بحاجة الى الديموقراطية عراقية خاصة تلائم ما يتصف به الشعب العراقي من دون تقليد اواستيراد لاية مضمون لمفهوم الديموقراطية المجرد من الغرب، و عدم تفهم الواقع و الاعتماد على القفز تنتج من السلبيات ما تسوم المجتمعات سوء العذاب ، و تتجرع عامة الشعب قبل الاخرين مرً عذاب الممارسة الخاطئة للمفهوم.[1]