هل انتهى عهد الراسمالية العالمية بعد الازمة المالية ام؟! (1)
#عماد علي#
الحوار المتمدن-العدد: 2435 -#15-10-2008# - 09:10
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
منذ الازمة المالية الخانقة التي تضرب امريكا و اثرت بدورها على كافة بلدان العالم و بالاخص الدول التي تعتمد على الاقتصاد الراسمالي و السوق الحر، انتشرت افرازات و سلبيات و تداعيات هذه الازمة بسرعة بالغة كالنار في الهشيم، رغم الجهد الجهيد الذي بذلتها هذه الدول و في مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية في حصرها و السيطرة عليها ،و خطت خطوات كثيرة رغما عنها ، و هي التي ادعت بانها تسير من دون العودة في سياساتها و اقتصادها و افكارها و معتقداتها الراسمالية و الايديولوجية التي تبنتها و بنت عليها ركائز اقتصادها و سياساتها و دخلت في نشوة نجاح الراسمالية في تحقيق امالها في العالم و في سيطرتها كقطب واحد و اعتزت كثيرا بمكانتها و استهزات من الافكار الاخرى قاطبة، و بشرت الجميع بان نهاية التاريخ بدات فعلا بنجاح الراسمالية في سيطرتها على اقتصاد و سياسات العالم، و ها نحن نشاهد انها في ليلة و ضحاها لجات الى اتباع خطوات لا تناسب ما ادعتها بل هي في صميم النهج الذي تدعيه الاشتراكية و هو الاشراف الحكومي على الاقتصاد و في شؤون تهم الشعب بشكل عام.
بعد الازمة سمعنا اراء و مواقف عديدة و سريعة بعض الشيء، و لكن عند التروي و التمعن بهدوء والتدقيق الاكثر في الوضع العالمي، لا يمكننا ان نطلق عنان التفاؤل و ندعي انهيار الراسمالية و بدء العهد الجديد، و لا يمكن ان نؤمن بان الراسمالية تعيد سيطرتها و نفوذها على الحياة كما كانت، و لا يمكن ان لا ننتظر واقع و وضع جديد للعالم بعد هذه الازمات و اعادة النظر من قبل هذه الدول في سياساتها وتداعياتها هذه الازمة الاقتصادية التي تتجلى بسرعة البرق لارتباط الاقتصادات العالمية مع بعضها في جميع بقاع العالم . لسنا في القرن العشرين و ما نضمنها و ما مر بها من الازمات الشبيهة الى حد ما في ظل العلاقات الدولية المغايرة جدا و لم تكن العولمة مبسطة لجناحها على كافة مسارات الحياة في حينه، و لم تبان و تنتشر ابعاد اية مشكلة الا لفترات و مدة طويلة جدا ، اما اليوم فاية قضية او مشكلة او ازمة تكون لها تبعات على المناطق الاخرى لتشابك الاعمال و المصالح و الاقتصاد بين دول العالم اجمع.
ان ما يمكن ان نتاكد منه الان هو زوال عهد القطب الواحد بكل معنى الكلمة و من كافة جوانبها على الرغم من بقاء امريكا على اقتصادها القوي الى حد ما ، و لكن لا يمكنها ان تستمر على فرض سيطرتها المطلقة على اقتصاد العالم بالطريقة التي سلكتها من قبل، و الدليل الاني الواضح هو تقوقع الدول الاوربية مع بعضها في هذا الوقت و هي تحاول ايجاد الحلول و الطرق الخاصة بها من اجل التقليل من التاثيرات السلبية الاتية من وراء المحيط، و هذا ما اكدناه في كتابات سابقة و اصرينا على ان العالم يتحه نحو تعددية الاقطاب و ليس زوال الراسمالية بشكل مفاجيء، و هذه الازمة العامة اظهرت للجميع اوجه الصحة في نظريات و تحاليل الاشتراكية في الاقتصاد و السياسة ، و لم يكن ماركس يبني نظرياته و تفسيراته و تحليلاته في الاجزاء العديدة من كتابه الراسمال على اعتباط كما تصور الراسماليون و نعتوه بصفات شتى، و لم يكن المحللون الاشتراكيون على خطا عندما وضحوا ان الراسمالية تنتهي الى عهد جديد وهذا الذي يعيد الى الاذهان مراحل التطور الاجتماعي و المتغيرات المصاحبة لها و لاي عهد جديد في السابق.
انني هنا لست في نشوة سقوط الراسمالية و البرجوازية ، و لن ادعي ان مرحلة ما بعد الراسمالية قد بدات بالفعل و انما لي الحق ان اتفائل بان القلعة اهتزت و تشققت جدرانها و بنيانها و لابد ان تعيد ترميم نفسها او اعادة بناء اخرى بتصاميم و مواصفات اخرى بحيث في النهاية عليها ان تنتج ما يمكن ان نسميها المرحلة الانتقالية من الراسمالية الى ما بعدها.
هنا لابد ان نشير الى ان الخلافات العامة الواقعة بين العلاقات الاقتصادية الاجتماعية لاي سبب كانت فانها تنتج تغييرا اجتماعيا علميا و تبدا صراعات حادة بين الاقطاب او الشرائح و الطبقات ان كانت ناضجة و تغير من الوضع الاجتماعي السياسي، و في حالة حدوث اية ازمة اخرى تتطور هذه الخلافات و الصراعات و تثمر عنه منافسات مغايرة لحالات و ظواهر اجتماعية ملائمة مع المستجدات الى ان تستقر المرحلة مابعد هذا العهد عليه، و به الحالة الاجتماعية الاقتصادية الجديدة تنتج افكار و اعتقادات و علاقات اجتماعية جديدة نابعة من ذاتية المجتمع نفسها و تؤثر على الواقع بشكل واسع و تظهر مجموعة من المفاهيم و القيم و العادات و الطقوس الجديدة.
و لذلك عندما نحس ان الازمات التي تؤثر على الوضع الاجتماعي كما هو الحال في الازمة الحالية ، فانها تغير الوجه السياسي و الفكري لمجتمع الازمة في النهاية ، و عند قراءتنا لما هو عليه المجتمع الامريكي الراسمالي من مواصفات لا يمكننا ان ننكر ما ذهب اليه ماركس من ان الثورة الاشتراكية الحقيقية تحتاج الى شروط ثلاث لكي تنجح و هي ؛ تطور و تقدم الراسمالية لكي تكون في حالتها المتكاملة ، و الثورة لا تكون في منطقة معينة بل تحدث في نفس الوقت في عدة دول اي تكون الثورة اممية، و تحدث الثورة في وقت تكون الطبقة العاملة و الكادحة في اوج وعيها الكامل و منتظم بشكل كبير و تكافح من اجل مصالحها.
عند قراءة اوضاع العالم الحالية يمكننا ان نقارن بين ما تتطلبه المرحلة مابعد الراسمالية و ما هو عليه العالم في الوضع الحالي، حينئذ نتاكد من ان عهد الراسمالية في اية مرحلتها ، و ما يسير الوضع العالمي اين يرسو في نهاية المطاف، و في تلك الحالة نتاكد من اننا على اعتاب مرحلة جديدة متغيرة في الشكل و المضمون ، و اية مرحلة انتقالية نحن فيها ، و كيف يستقر الوضع على حال تعتمد على مقومات و مساند تتوفر تدريجيا ، و بدات الارضية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية تنضج اكثر فاكثر من اجل ترسيخ المرحلة و العهد الجديد.[1]